(
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=108لا تقم فيه أبدا ) هذا نهي للرسول - صلى الله عليه وسلم - وللمؤمنين بالتبع له عن الصلاة فيه مؤكد بلفظ الأبد الذي يستغرق الزمن المستقبل ، وتفسير القيام بالصلاة هنا مروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس وهو معهود في التنزيل كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=238وقوموا لله قانتين ) ( 2 : 238 ) وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=2قم الليل إلا قليلا ) ( 73 : 2 ) والنهي عن القيام المطلق يتضمن النهي عن القيام للصلاة ، ولكنها هي المقصودة بالنهي لطلبهم لها منه - صلى الله عليه وسلم - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=108nindex.php?page=treesubj&link=28980لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه ) اللام الداخلة على المسجد للقسم أو للابتداء . والتأسيس : وضع الأساس الأول للبناء الذي يقوم عليه ويرفع ، والمراد منه هنا القصد والغرض من البناء ، والتقوى : الاسم الجامع لما يرضي الله ويقي من سخطه ، أي : إن مسجدا قصد ببنائه - منذ وضع أساسه في أول يوم - تقوى الله تعالى بإخلاص العبادة له وجمع المؤمنين فيه على ما يرضيه من التعارف والتعاون على البر والتقوى - هو أحق أن تقوم فيه أيها الرسول مصليا بالمؤمنين ، عن غيره ، ولا سيما ذلك المسجد الذي وضع أساسه على المقاصد الأربعة الخبيثة ، والسياق يدل على أن
nindex.php?page=treesubj&link=32745المسجد الذي أسس على التقوى من أول يوم -
مسجد قباء ، وقد صح في أحاديث رواها الإمام
أحمد ومسلم nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي وغيرهم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل عنه فأجاب بأنه مسجده الذي في
المدينة ، ففي رواية
مسلم عن
أبي سعيد أنه لما سأله أخذ - صلى الله عليه وسلم - كفا من حصباء فضرب به الأرض ثم قال : ( ( هو مسجدكم هذا ) ) وفي رواية
لأحمد عنه وعن
nindex.php?page=showalam&ids=31سهل بن سعد : ( ( هو مسجدي هذا ) ) . ولفظ الآية لا يمنع من إرادة كل من المسجدين ، لأن كلا منهما قد بناه - صلى الله عليه وسلم - ووضع أساسه على التقوى من أول يوم شرع فيه ببنائه أو من أول يوم وجد في موضعه ، والتحقيق أن : ( من ) تدخل على الزمان والمكان .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=108فيه رجال يحبون أن يتطهروا ) هذه جملة وصف بها المسجد الذي أسس على التقوى تؤكد ترجيح القيام مع أهله المطهرين في مقابل أهل
nindex.php?page=treesubj&link=33995مسجد الضرار وهم رجس .
والمعنى : فيه رجال يعمرونه بالاعتكاف وإقامة الصلاة وذكر الله وتسبيحه فيه بالغدو والآصال ، يحبون أن يتطهروا بذلك من كل ما يعلق بأنفسهم من درن الآثام ، أو التقصير في إقامة دعائم الإسلام ، كما تطهر المتخلفون منهم عن غزوة
تبوك بالتوبة والصدقات ، ومن لوازم عمارته المعنوية والعكوف فيه : طهارة الثوب والبدن الحسية ، وطهارة الوضوء
[ ص: 35 ] والغسل الحكمية ، فالتطهر : صيغة مبالغة تشمل الطهارتين النفسية والبدنية ، ووردت الروايات بكل منهما ، ولكل منهما ، ولكل من الاستعمالين موضع من التنزيل ، والجمع بينهما هو الأولى .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=108والله يحب المطهرين ) أي المبالغين في الطهارة الروحية والجسدية ، وإنما يبالغون فيها إذا أحبوها ، وحينئذ تكمل إنسانيتهم المؤلفة من الروح والجسد . ولا يطيق نجاسة البدن وقذارته إلا ناقص الفطرة والأدب ، وأنقص منه من يطيق خبث النفس بالإصرار على المعاصي والعادات القبيحة ، والتخلق بالأخلاق الذميمة . دع رجس المنافقين المرائين في الأعمال ، الأشحة الباخلين بالأموال . وأما حب الله المستحقين لحبه فهو من صفات كماله ; لأن العالم بتفاوت الأشياء في الحسن والقبح والكمال والنقص يكون من أفضل صفاته حب الجمال والكمال والحق والخير ، وبغض أضدادها وكراهتها ، وحبه اللائق بربوبيته منزه عن مشابهة حبنا ، كتنزه ذاته وسائر صفاته عن مشابهة ذواتنا وصفاتنا ، ولكن يظهر أثره في المحبوبين من عباده في أخلاقهم وأعمالهم ، ومعارفهم وآدابهم ، وأعلاه ما أشار إليه حديث
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري القدسي ( (
nindex.php?page=hadith&LINKID=918770ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ) ) إلخ .
وقد قال الله تعالى معللا ما وعظ به نساء نبيه - صلى الله عليه وسلم - من أمره ونهيه لهن بما يليق بمكانتهن من رسوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=33إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) ( 33 : 33 ) .
وقد فسر بعض المفسرين محبته تعالى للمطهرين برضاه عنهم وإحسانه إليهم ، وهو تأويل فسر به اللفظ ببعض لوازمه ، فإن كان هربا من نظرية من قال من المتكلمين : إن
nindex.php?page=treesubj&link=29700اتصاف الله تعالى بالحب محال ، لأنه انفعال نفسي يستحيل على ذي الجلال ، فيجب تفسيره بلازمه المذكور كما قال بعضهم في الرحمة وغيرها من الصفات - فهو هروب من مذهب السلف الحق ، ووقوع فيما فروا منه بالتأويل ، وهو تشبيه الله بخلقه . إذ يقال لهم : إن الرضا عاطفة نفسية كالحب ، والإحسان عمل بدني كبسط اليد بالبذل وهما يسندان إلى الناس فلا يصح أن يوصف بهما الخالق عز وجل ، لأنه تشبيه له بالخلق ، وكذا العلم والقدرة والمشيئة والكلام وغيرهما من صفات الذات ، فإن كلا منها وضعت في اللغات لمعانيها المعروفة في المخلوقات ككون العلم صور المعلومات المنتزعة منها في الذهن ، وهو بهذا المعنى محال على الله عز وجل وإذا كان الأمر كذلك فالحق أن يوصف تعالى بما وصف به نفسه على ظاهره بقيوده الثلاثة التي قررها السلف الصالح . أي بلا تعطيل ولا تمثيل ولا تأويل . فعلمه تعالى انكشاف يليق به ، وحبه معنى نفسي يليق به إلخ .
[ ص: 36 ] ذكر
السيوطي في الدر المنثور عدة روايات حاصلها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سأل أهل
قباء عن سبب ثناء الله تعالى عليهم بهذه الآية ، فأجابوه بأنهم يستنجون بالماء وفي بعضها أنهم يتبعون الحجارة بالماء . وذكر أن
nindex.php?page=showalam&ids=13478ابن ماجه وابن المنذر nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم nindex.php?page=showalam&ids=14269والدارقطني والحاكم وغيرهم رووا عن
nindex.php?page=showalam&ids=12027طلحة بن نافع قال حدثني
أبو أيوب nindex.php?page=showalam&ids=36وجابر بن عبد الله nindex.php?page=showalam&ids=9وأنس بن مالك - رضي الله عنهم -
nindex.php?page=hadith&LINKID=920414أن هذه الآية نزلت ( nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=108فيه رجال يحبون أن يتطهروا ) قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( ( nindex.php?page=treesubj&link=31109يا معشر الأنصار إن الله قد أثنى عليكم خيرا في الطهور ، فما طهوركم هذا ؟ قالوا : نتوضأ للصلاة ونغتسل من الجنابة قال : ( ( فهل مع ذلك غيره ؟ ) ) قالوا : إن أحدنا إذا خرج من الغائط أحب أن يستنجي بالماء قال : ( ( هو ذاك فعليكموه ) ) .
أقول :
nindex.php?page=showalam&ids=12027طلحة بن نافع هذا ثقة روى عنه الجماعة كلهم ، ولكن رواية
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عنه مقرونة بغيره ، وهي أربعة أحاديث رواها عن
جابر ، ولعله اقتصر عليها ، لقول شيخه
nindex.php?page=showalam&ids=16604علي بن المديني : إنه لم يرو عن
جابر غيرها ، أي لم يصح عنه غيرها . وقال
أبو حاتم : إنه لم يسمع من
أبي أيوب ، ولكنه هنا صرح بالسماع منه فيما رواه من ذكر وغيرهم . وحديثه هذا على كل حال أقوى من أحاديث سؤال النبي - صلى الله عليه وسلم - أهل
مسجد قباء وجعله الثناء عليهم ، وهو في سؤال
الأنصار ، والمسئولون منهم كلهم من سكان
المدينة ، ويؤيده الأحاديث الصحيحة الناطقة بأن المسجد الذي أثنى الله عليه وعلى أهله هو مسجده فيها ، وقد قلنا : إنه لا مانع من إرادة كل منهما ، وهو أولى من القول بتعارضهما ، كما أن الروايات فيهما لا تنافي إرادة نوعي الطهارة كليهما ، ويؤيد إرادة الطهارة المعنوية قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=109أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم ) هذا بيان مستأنف للفرق بين أهل المسجدين في مقاصدهما منهما : أهل
مسجد الضرار الذي زادوا به رجسا إلى رجسهم ، وأهل مسجد التقوى وهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأنصاره الذين يحبون أكمل الطهارة لظاهرهم وباطنهم ، فاستفادوا بذلك محبة الله لهم ، وورد بصيغة استفهام التقرير ، لما فيه من تنبيه الشعور وقوة التأثير ، والبنيان : مصدر كالعمران والغفران ويراد به المبني ، من دار أو مسجد وهو المتعين هنا . وتقدم آنفا معنى التأسيس ، والشفا : ( بالفتح والقصر ) الحرف والشفير للجرف والنهر وغيره .
والجرف ( بضمتين ) : جانب الوادي ونحوه الذي ينحفر أصله بما يجرفه السيل منه فيجتاح أسفله فيصير مائلا للسقوط ، والهار : الضعيف المتصدع المتداعي للسقوط وهذا التعبير يضرب مثلا لما كان في منتهى الضعف والإشراف على الزوال ، وهو من أبلغ الأمثال ، لمنتهى الوهي والانحلال .
[ ص: 37 ] المراد بالمثل هنا بيان ثبات الحق الذي هو دين الإسلام وقوته ودوامه ، وسعادة أهله به ، وذكره بأثره وثمرته في عمل أهله ، وجماعها التقوى ، وبجزائهم عليه وأعلاه رضوان الله تعالى ، وبيان ضعف الباطل واضمحلاله ، ووهيه وقرب زواله ، وخيبة صاحبه وسرعة انقطاع آماله ، وشر أهله المنافقين . وشر أعمالهم ما اتخذوه من
مسجد الضرار للمفاسد الأربعة المبينة في الآية الأولى من هذا السياق .
وقد ذكر في وصف بنيان الفريق الأول وهم المؤمنون المشبه دون المشبه به لأنه المقصود بالذات ولم يذكر فيما قبله من عملهم إلا المبالغة في الطهارة . وذكر من وصف بنيان الفريق الثاني الهيئة المشبه بها دون المشبه . لأنه ذكر فيما قبل مقاصدهم منها كلها ، وهذا من دقائق إيجاز القرآن .
تقول في المعنى الجامع بين المشبه به في الفريقين : أفمن أسس بنيانه الذي يتخذه مأوى وموئلا له ، يقيه من فواعل الجو وعدوان كل حي ، وموطنا لراحته ، وهناء معيشته ، على أمتن أساس وأثبته ، وأقواه على مصابرة العواصف والسيول ، وصد الهوام والوحوش - هو خير بنيانا ، وراحة وأمانا ؟ أم من أسس بنيانه على أوهى القواعد وأقلها بقاء واستمساكا فهي عرضة للانهيار في كل لحظة من ليل أو نهار ؟
وأما معنى المشبه المقصود بالذات في كل منهما فيصور هكذا : أفمن كان مؤمنا صادقا يتقي الله في جميع أحواله ، ويبتغي رضوانه في أعماله بتزكية نفسه بها ونفع عياله : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=920415والخلق كلهم عيال الله ) كما ورد في الخبر عن رسوله - صلى الله عليه وسلم - أفمن كان كذلك خيرا عملا ، وأفضل عاقبة وأملا ، وممن نزل فيهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=107إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا ) ( 18 : 107 ) أم من هو منافق مرتاب ، مراء كذاب ، يبتغي بأفضل مظاهر أعماله الضرر والضرار ، وتقوية أعمال الكفر وموالاة الكفار ، وتفريق جماعة المؤمنين الأخيار ، والإرصاد لمساعدة من حارب الله ورسوله من الأشرار ، وما يكون من عاقبة ذلك في الدنيا من الفضيحة والعار ، والخزي والبوار ، وفي الآخرة من الانهيار في نار جهنم وبئس القرار ؟
وفي معنى هذا المثل : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=17أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها ) ( 13 : 17 ) الآية .
وخلاصة المثلين أن
nindex.php?page=treesubj&link=29679_29680الإيمان الصادق ، وما يلزمه من العمل الصالح هو المثمر الثابت ، وأن
nindex.php?page=treesubj&link=28845النفاق وما يستلزمه من العمل الفاسد هو الباطل الزاهق ، وهذا المعنى يوافق قول علماء الكون : إنه لا يتنازع شيئان في الوجود إلا ويكون الغالب هو الأصلح منهما . ويسمون هذه السنة ( ناموس الانتخاب الطبيعي وبقاء الأمثل ) وسبق بيانه في هذا التفسير .
[ ص: 38 ] صدق الله العظيم ، فقد ثبت الله المؤمنين بالقول الثابت ، وهداهم بإيمانهم إلى العمل الصالح ، ففتحوا البلاد ، وأقاموا الحق والعدل في العباد ، وأهلك الله المنافقين فلم يكن لهم من أثر صالح في العالمين وهكذا كان وهكذا يكون ولكن المنافقين لا يفقهون ولا يعتبرون وشر النفاق وأضره نفاق العلماء للملوك والأمراء .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=109والله لا يهدي القوم الظالمين ) أي مضت سنته في ارتباط العقائد والأخلاق بالأعمال بأن الظالم لا يكون مهتديا في أعماله إلى الحق والعدل ، فضلا عن الرحمة والفضل ، ولا أظلم في الناس من المنافق :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=86كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات والله لا يهدي القوم الظالمين ( 3 : 86 ) .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=110لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم ) الريبة : اسم من الريب ، وهو : ما تضطرب فيه النفس ، ويتردد الوهم ويسوء الظن ، فيكون صاحبه منه في شك وحيرة إن لم يكن مثاره الشك . قال قوم
صالح عليه السلام له ، منكرين دعوته إياهم إلى عبادة الله وحده (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=62وإننا لفي شك مما تدعونا إليه مريب ) ( 11 :62 ) ولهذا الاستعمال أمثال في التنزيل ، وهو صريح في أن الشك مثار للريب ، وموقع فيه لا أنه عينه وقد يفسر به باعتبار لزومه وإيقاعه فيه . قال الشاعر :
وكنت إذا ما جئت ليلى تبرقعت وقد رابني منها الغداة سفورها
والظاهر أن ارتيابهم فيه كان منذ بنوه إلى أن أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بهدمه فهدم ، ذلك أنهم لسوء نيتهم في بنائه كانوا يخافون أن يطلع الله ورسوله على مقاصدهم السوأى فيه ، وكان ذلك شأن سائر إخوانهم كما تقدم في قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=64يحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة تنبئهم بما في قلوبهم ) ( 9 : 64 ) وذكرنا في تفسيرها قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=4يحسبون كل صيحة عليهم ) ( 63 : 4 ) ( راجع ج 10 ) وأجدر بهم أن يكونوا بعد هدمه أشد ارتيابا ، وأكثر اضطرابا ، بما يحذرون من عقابهم في الدنيا كما أنذرتهم هذه السورة مرارا ، وأن يستمر ذلك ملازما لهم (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=110إلا أن تقطع قلوبهم ) قرأ
ابن عامر وحفص عن
نافع وحمزة ( تقطع ) بفتح وتشديد الطاء من التقطع ، وقرأ الباقون بضم التاء من التقطيع ، أي إلا أن تقطع الريبة قلوبهم أفلاذا فتقطع بها وتكون جذاذا ، وقرأ يعقوب ( إلى ) بدل ( إلا ) وفسر ذلك بالموت والهلاك والحسرة والندم المقتضي للتوبة ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري وتبعه معتادو الأخذ عنه : لا يزال هدمه سبب شك ونفاق زائد على شكهم ونفاقهم لا يزول وسمه عن قلوبهم ، ولا يضمحل أثره (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=110إلا أن تقطع قلوبهم ) قطعا وتفرق أجزاء ، فحينئذ يسلون
[ ص: 39 ] عنه ، وأما ما دامت سالمة مجتمعة ، فالريبة باقية فيها متمكنة فيجوز أن يكون ذكر التقطع تصويرا لحال زوال الريبة عنهم ، ويجوز أن يراد حقيقة تقطيعها وما هو كائن منه بقتلهم أو في القبور أو في النار . وقيل : معناه : إلا أن يتوبوا توبة تتقطع بها قلوبهم ندما وأسفا على تفريطهم ، انتهى . (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=110والله عليم حكيم ) فحكم في أمرهم وبين من حالهم ما اقتضته الحكمة والعلم المحيط بكل شيء .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=108لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا ) هَذَا نَهْيٌ لِلرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِلْمُؤْمِنِينَ بِالتَّبَعِ لَهُ عَنِ الصَّلَاةِ فِيهِ مُؤَكَّدٌ بِلَفْظِ الْأَبَدِ الَّذِي يَسْتَغْرِقُ الزَّمَنَ الْمُسْتَقْبَلَ ، وَتَفْسِيرُ الْقِيَامِ بِالصَّلَاةِ هُنَا مَرْوِيٌّ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ وَهُوَ مَعْهُودٌ فِي التَّنْزِيلِ كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=238وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ ) ( 2 : 238 ) وَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=2قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا ) ( 73 : 2 ) وَالنَّهْيُ عَنِ الْقِيَامِ الْمُطْلَقِ يَتَضَمَّنُ النَّهْيَ عَنِ الْقِيَامِ لِلصَّلَاةِ ، وَلَكِنَّهَا هِيَ الْمَقْصُودَةُ بِالنَّهْيِ لِطَلَبِهِمْ لَهَا مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=108nindex.php?page=treesubj&link=28980لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ ) اللَّامُ الدَّاخِلَةُ عَلَى الْمَسْجِدِ لِلْقَسَمِ أَوْ لِلِابْتِدَاءِ . وَالتَّأْسِيسُ : وَضْعُ الْأَسَاسِ الْأَوَّلِ لِلْبِنَاءِ الَّذِي يَقُومُ عَلَيْهِ وَيُرْفَعُ ، وَالْمُرَادُ مِنْهُ هُنَا الْقَصْدُ وَالْغَرَضُ مِنَ الْبِنَاءِ ، وَالتَّقْوَى : الِاسْمُ الْجَامِعُ لِمَا يُرْضِي اللَّهَ وَيَقِي مِنْ سُخْطِهِ ، أَيْ : إِنَّ مَسْجِدًا قُصِدَ بِبِنَائِهِ - مُنْذُ وُضِعَ أَسَاسُهُ فِي أَوَّلِ يَوْمٍ - تَقْوَى اللَّهِ تَعَالَى بِإِخْلَاصِ الْعِبَادَةِ لَهُ وَجَمْعِ الْمُؤْمِنِينَ فِيهِ عَلَى مَا يُرْضِيهِ مِنَ التَّعَارُفِ وَالتَّعَاوُنِ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى - هُوَ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ أَيُّهَا الرَّسُولُ مُصَلِّيًا بِالْمُؤْمِنِينَ ، عَنْ غَيْرِهِ ، وَلَا سِيَّمَا ذَلِكَ الْمَسْجِدِ الَّذِي وُضِعَ أَسَاسُهُ عَلَى الْمَقَاصِدِ الْأَرْبَعَةِ الْخَبِيثَةِ ، وَالسِّيَاقُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=32745الْمَسْجِدَ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ -
مَسْجِدُ قُبَاءَ ، وَقَدْ صَحَّ فِي أَحَادِيثَ رَوَاهَا الْإِمَامُ
أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ nindex.php?page=showalam&ids=13948وَالتِّرْمِذِيُّ nindex.php?page=showalam&ids=15397وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْهُ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ مَسْجِدُهُ الَّذِي فِي
الْمَدِينَةِ ، فَفِي رِوَايَةِ
مُسْلِمٍ عَنْ
أَبِي سَعِيدٍ أَنَّهُ لَمَّا سَأَلَهُ أَخَذَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَفًّا مِنْ حَصْبَاءَ فَضَرَبَ بِهِ الْأَرْضَ ثُمَّ قَالَ : ( ( هُوَ مَسْجِدُكُمْ هَذَا ) ) وَفِي رِوَايَةٍ
لِأَحْمَدَ عَنْهُ وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=31سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ : ( ( هُوَ مَسْجِدِي هَذَا ) ) . وَلَفْظُ الْآيَةِ لَا يَمْنَعُ مِنْ إِرَادَةِ كُلٍّ مِنَ الْمَسْجِدَيْنِ ، لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا قَدْ بَنَاهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَوَضَعَ أَسَاسَهُ عَلَى التَّقْوَى مَنْ أَوَّلِ يَوْمٍ شَرَعَ فِيهِ بِبِنَائِهِ أَوْ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ وُجِدَ فِي مَوْضِعِهِ ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ : ( مِنْ ) تَدْخُلُ عَلَى الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=108فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا ) هَذِهِ جُمْلَةٌ وُصِفَ بِهَا الْمَسْجِدُ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى تُؤَكِّدُ تَرْجِيحَ الْقِيَامِ مَعَ أَهْلِهِ الْمُطَهِّرِينَ فِي مُقَابِلِ أَهْلِ
nindex.php?page=treesubj&link=33995مَسْجِدِ الضِّرَارِ وَهُمْ رِجْسٌ .
وَالْمَعْنَى : فِيهِ رِجَالٌ يَعْمُرُونَهُ بِالِاعْتِكَافِ وَإِقَامَةِ الصَّلَاةِ وَذِكْرِ اللَّهِ وَتَسْبِيحِهِ فِيهِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ ، يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا بِذَلِكَ مَنْ كُلِّ مَا يَعْلَقُ بِأَنْفُسِهِمْ مَنْ دَرَنِ الْآثَامِ ، أَوِ التَّقْصِيرِ فِي إِقَامَةِ دَعَائِمِ الْإِسْلَامِ ، كَمَا تَطَهَّرَ الْمُتَخَلِّفُونَ مِنْهُمْ عَنْ غَزْوَةِ
تَبُوكَ بِالتَّوْبَةِ وَالصَّدَقَاتِ ، وَمِنْ لَوَازِمِ عِمَارَتِهِ الْمَعْنَوِيَّةِ وَالْعُكُوفِ فِيهِ : طَهَارَةُ الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ الْحِسِّيَّةُ ، وَطَهَارَةُ الْوُضُوءِ
[ ص: 35 ] وَالْغُسْلِ الْحُكْمِيَّةُ ، فَالتَّطَهُّرُ : صِيغَةُ مُبَالَغَةٍ تَشْمَلُ الطَّهَارَتَيْنِ النَّفْسِيَّةَ وَالْبَدَنِيَّةَ ، وَوَرَدَتِ الرِّوَايَاتُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا ، وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا ، وَلِكُلٍّ مِنَ الِاسْتِعْمَالَيْنِ مَوْضِعٌ مِنَ التَّنْزِيلِ ، وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا هُوَ الْأَوْلَى .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=108وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ ) أَيِ الْمُبَالِغِينَ فِي الطَّهَارَةِ الرُّوحِيَّةِ وَالْجَسَدِيَّةِ ، وَإِنَّمَا يُبَالِغُونَ فِيهَا إِذَا أَحَبُّوهَا ، وَحِينَئِذٍ تَكْمُلُ إِنْسَانِيَّتُهُمُ الْمُؤَلَّفَةُ مِنَ الرُّوحِ وَالْجَسَدِ . وَلَا يُطِيقُ نَجَاسَةَ الْبَدَنِ وَقَذَارَتَهُ إِلَّا نَاقِصُ الْفِطْرَةِ وَالْأَدَبِ ، وَأَنْقَصُ مِنْهُ مَنْ يُطِيقُ خُبْثَ النَّفْسِ بِالْإِصْرَارِ عَلَى الْمَعَاصِي وَالْعَادَاتِ الْقَبِيحَةِ ، وَالتَّخَلُّقِ بِالْأَخْلَاقِ الذَّمِيمَةِ . دَعْ رِجْسَ الْمُنَافِقِينَ الْمُرَائِينَ فِي الْأَعْمَالِ ، الْأَشِحَّةِ الْبَاخِلِينَ بِالْأَمْوَالِ . وَأَمَّا حُبُّ اللَّهِ الْمُسْتَحِقِّينَ لِحُبِّهِ فَهُوَ مِنْ صِفَاتِ كَمَالِهِ ; لِأَنَّ الْعَالِمَ بِتَفَاوُتِ الْأَشْيَاءِ فِي الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ وَالْكَمَالِ وَالنَّقْصِ يَكُونُ مِنْ أَفْضَلِ صِفَاتِهِ حُبُّ الْجَمَالِ وَالْكَمَالِ وَالْحَقِّ وَالْخَيْرِ ، وَبُغْضُ أَضْدَادِهَا وَكَرَاهَتُهَا ، وَحُبُّهُ اللَّائِقُ بِرُبُوبِيَّتِهِ مُنَزَّهٌ عَنْ مُشَابَهَةِ حُبِّنَا ، كَتَنَزُّهِ ذَاتِهِ وَسَائِرِ صِفَاتِهِ عَنْ مُشَابَهَةِ ذَوَاتِنَا وَصِفَاتِنَا ، وَلَكِنْ يَظْهَرُ أَثَرُهُ فِي الْمَحْبُوبِينَ مِنْ عِبَادِهِ فِي أَخْلَاقِهِمْ وَأَعْمَالِهِمْ ، وَمَعَارِفِهِمْ وَآدَابِهِمْ ، وَأَعْلَاهُ مَا أَشَارَ إِلَيْهِ حَدِيثُ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيِّ الْقُدْسِيِّ ( (
nindex.php?page=hadith&LINKID=918770وَلَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ ) ) إِلَخْ .
وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى مُعَلِّلًا مَا وَعَظَ بِهِ نِسَاءَ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ لَهُنَّ بِمَا يَلِيقُ بِمَكَانَتِهِنَّ مِنْ رَسُولِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=33إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) ( 33 : 33 ) .
وَقَدْ فَسَّرَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ مَحَبَّتَهُ تَعَالَى لِلْمُطَّهِّرِينَ بِرِضَاهُ عَنْهُمْ وَإِحْسَانِهِ إِلَيْهِمْ ، وَهُوَ تَأْوِيلٌ فُسِّرَ بِهِ اللَّفْظُ بِبَعْضِ لَوَازِمِهِ ، فَإِنْ كَانَ هَرَبًا مِنْ نَظَرِيَّةِ مَنْ قَالَ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ : إِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29700اتِّصَافَ اللَّهِ تَعَالَى بِالْحُبِّ مُحَالٌ ، لِأَنَّهُ انْفِعَالٌ نَفْسِيٌّ يَسْتَحِيلُ عَلَى ذِي الْجَلَالِ ، فَيَجِبُ تَفْسِيرُهُ بِلَازِمِهِ الْمَذْكُورِ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ فِي الرَّحْمَةِ وَغَيْرِهَا مِنَ الصِّفَاتِ - فَهُوَ هُرُوبٌ مِنْ مَذْهَبِ السَّلَفِ الْحَقِّ ، وَوُقُوعٌ فِيمَا فَرُّوا مِنْهُ بِالتَّأْوِيلِ ، وَهُوَ تَشْبِيهُ اللَّهِ بِخَلْقِهِ . إِذْ يُقَالُ لَهُمْ : إِنَّ الرِّضَا عَاطِفَةٌ نَفْسِيَّةٌ كَالْحُبِّ ، وَالْإِحْسَانَ عَمَلٌ بَدَنِيٌّ كَبَسْطِ الْيَدِ بِالْبَذْلِ وَهُمَا يُسْنَدَانِ إِلَى النَّاسِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُوصَفَ بِهِمَا الْخَالِقُ عَزَّ وَجَلَّ ، لِأَنَّهُ تَشْبِيهٌ لَهُ بِالْخَلْقِ ، وَكَذَا الْعِلْمُ وَالْقُدْرَةُ وَالْمَشِيئَةُ وَالْكَلَامُ وَغَيْرُهُمَا مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ ، فَإِنَّ كُلًّا مِنْهَا وُضِعَتْ فِي اللُّغَاتِ لِمَعَانِيهَا الْمَعْرُوفَةِ فِي الْمَخْلُوقَاتِ كَكَوْنِ الْعِلْمِ صُوَرَ الْمَعْلُومَاتِ الْمُنْتَزَعَةِ مِنْهَا فِي الذِّهْنِ ، وَهُوَ بِهَذَا الْمَعْنَى مُحَالٌ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَالْحَقُّ أَنْ يُوصَفَ تَعَالَى بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ عَلَى ظَاهِرِهِ بِقُيُودِهِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي قَرَّرَهَا السَّلَفُ الصَّالِحُ . أَيْ بِلَا تَعْطِيلٍ وَلَا تَمْثِيلٍ وَلَا تَأْوِيلٍ . فَعِلْمُهُ تَعَالَى انْكِشَافٌ يَلِيقُ بِهِ ، وَحُبُّهُ مَعْنًى نَفْسِيٌّ يَلِيقُ بِهِ إِلَخْ .
[ ص: 36 ] ذَكَرَ
السُّيُوطِيُّ فِي الدُّرِّ الْمَنْثُورِ عِدَّةَ رِوَايَاتٍ حَاصِلُهَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَأَلَ أَهْلَ
قُبَاءَ عَنْ سَبَبِ ثَنَاءِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ بِهَذِهِ الْآيَةِ ، فَأَجَابُوهُ بِأَنَّهُمْ يَسْتَنْجُونَ بِالْمَاءِ وَفِي بَعْضِهَا أَنَّهُمْ يُتْبِعُونَ الْحِجَارَةَ بِالْمَاءِ . وَذَكَرَ أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=13478ابْنَ مَاجَهْ وَابْنَ الْمُنْذِرِ nindex.php?page=showalam&ids=16328وَابْنَ أَبِي حَاتِمٍ nindex.php?page=showalam&ids=14269وَالدَّارَقُطْنِيَّ وَالْحَاكِمَ وَغَيْرَهُمْ رَوَوْا عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=12027طَلْحَةَ بْنِ نَافِعٍ قَالَ حَدَّثَنِي
أَبُو أَيُّوبَ nindex.php?page=showalam&ids=36وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ nindex.php?page=showalam&ids=9وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -
nindex.php?page=hadith&LINKID=920414أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ ( nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=108فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا ) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( ( nindex.php?page=treesubj&link=31109يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَثْنَى عَلَيْكُمْ خَيْرًا فِي الطُّهُورِ ، فَمَا طَهُورُكُمْ هَذَا ؟ قَالُوا : نَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ وَنَغْتَسِلُ مِنَ الْجَنَابَةِ قَالَ : ( ( فَهَلْ مَعَ ذَلِكَ غَيْرُهُ ؟ ) ) قَالُوا : إِنَّ أَحَدَنَا إِذَا خَرَجَ مِنَ الْغَائِطِ أَحَبَّ أَنْ يَسْتَنْجِيَ بِالْمَاءِ قَالَ : ( ( هُوَ ذَاكَ فَعَلَيْكُمُوهُ ) ) .
أَقُولُ :
nindex.php?page=showalam&ids=12027طَلْحَةُ بْنُ نَافِعٍ هَذَا ثِقَةٌ رَوَى عَنْهُ الْجَمَاعَةُ كُلُّهُمْ ، وَلَكِنَّ رِوَايَةَ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيِّ عَنْهُ مَقْرُونَةٌ بِغَيْرِهِ ، وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَحَادِيثَ رَوَاهَا عَنْ
جَابِرٍ ، وَلَعَلَّهُ اقْتَصَرَ عَلَيْهَا ، لِقَوْلِ شَيْخِهِ
nindex.php?page=showalam&ids=16604عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ : إِنَّهُ لَمْ يَرْوِ عَنْ
جَابِرٍ غَيْرَهَا ، أَيْ لَمْ يَصِحَّ عَنْهُ غَيْرُهَا . وَقَالَ
أَبُو حَاتِمٍ : إِنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ
أَبِي أَيُّوبَ ، وَلَكِنَّهُ هُنَا صَرَّحَ بِالسَّمَاعِ مِنْهُ فِيمَا رَوَاهُ مَنْ ذُكِرَ وَغَيْرُهُمْ . وَحَدِيثُهُ هَذَا عَلَى كُلِّ حَالٍ أَقْوَى مِنْ أَحَادِيثِ سُؤَالِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهْلَ
مَسْجِدِ قُبَاءَ وَجَعْلِهِ الثَّنَاءَ عَلَيْهِمْ ، وَهُوَ فِي سُؤَالِ
الْأَنْصَارِ ، وَالْمَسْئُولُونَ مِنْهُمْ كُلُّهُمْ مِنْ سُكَّانِ
الْمَدِينَةِ ، وَيُؤَيِّدُهُ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ النَّاطِقَةُ بِأَنَّ الْمَسْجِدَ الَّذِي أَثْنَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى أَهْلِهِ هُوَ مَسْجِدُهُ فِيهَا ، وَقَدْ قُلْنَا : إِنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ إِرَادَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا ، وَهُوَ أَوْلَى مِنَ الْقَوْلِ بِتَعَارُضِهِمَا ، كَمَا أَنَّ الرِّوَايَاتِ فِيهِمَا لَا تُنَافِي إِرَادَةَ نَوْعَيِ الطَّهَارَةِ كِلَيْهِمَا ، وَيُؤَيِّدُ إِرَادَةَ الطَّهَارَةِ الْمَعْنَوِيَّةِ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=109أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ ) هَذَا بَيَانٌ مُسْتَأْنَفٌ لِلْفَرْقِ بَيْنَ أَهْلِ الْمَسْجِدَيْنِ فِي مَقَاصِدِهِمَا مِنْهُمَا : أَهْلِ
مَسْجِدِ الضِّرَارِ الَّذِي زَادُوا بِهِ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ ، وَأَهْلِ مَسْجِدِ التَّقْوَى وَهُمُ الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنْصَارُهُ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَكْمَلَ الطَّهَارَةِ لِظَاهِرِهِمْ وَبَاطِنِهِمْ ، فَاسْتَفَادُوا بِذَلِكَ مَحَبَّةَ اللَّهِ لَهُمْ ، وَوَرَدَ بِصِيغَةِ اسْتِفْهَامِ التَّقْرِيرِ ، لِمَا فِيهِ مِنْ تَنْبِيهِ الشُّعُورِ وَقُوَّةِ التَّأْثِيرِ ، وَالْبُنْيَانُ : مَصْدَرٌ كَالْعُمْرَانِ وَالْغُفْرَانِ وَيُرَادُ بِهِ الْمَبْنِيُّ ، مِنْ دَارٍ أَوْ مَسْجِدٍ وَهُوَ الْمُتَعَيَّنُ هُنَا . وَتَقَدَّمَ آنِفًا مَعْنَى التَّأْسِيسِ ، وَالشَّفَا : ( بِالْفَتْحِ وَالْقَصْرِ ) الْحَرْفُ وَالشَّفِيرُ لِلْجُرُفِ وَالنَّهْرِ وَغَيْرِهِ .
وَالْجُرُفُ ( بِضَمَّتَيْنِ ) : جَانِبُ الْوَادِي وَنَحْوُهُ الَّذِي يَنْحَفِرُ أَصْلُهُ بِمَا يَجْرُفُهُ السَّيْلُ مِنْهُ فَيَجْتَاحُ أَسْفَلَهُ فَيَصِيرُ مَائِلًا لِلسُّقُوطِ ، وَالْهَارُ : الضَّعِيفُ الْمُتَصَدِّعُ الْمُتَدَاعِي لِلسُّقُوطِ وَهَذَا التَّعْبِيرُ يُضْرَبُ مَثَلًا لِمَا كَانَ فِي مُنْتَهَى الضَّعْفِ وَالْإِشْرَافِ عَلَى الزَّوَالِ ، وَهُوَ مِنْ أَبْلَغِ الْأَمْثَالِ ، لِمُنْتَهَى الْوَهْيِ وَالِانْحِلَالِ .
[ ص: 37 ] الْمُرَادُ بِالْمَثَلِ هُنَا بَيَانُ ثَبَاتِ الْحَقِّ الَّذِي هُوَ دِينُ الْإِسْلَامِ وَقُوَّتِهِ وَدَوَامِهِ ، وَسَعَادَةِ أَهْلِهِ بِهِ ، وَذِكْرِهِ بِأَثَرِهِ وَثَمَرَتِهِ فِي عَمَلِ أَهْلِهِ ، وَجِمَاعُهَا التَّقْوَى ، وَبِجَزَائِهِمْ عَلَيْهِ وَأَعْلَاهُ رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى ، وَبَيَانِ ضَعْفِ الْبَاطِلِ وَاضْمِحْلَالِهِ ، وَوَهْيِهِ وَقُرْبِ زَوَالِهِ ، وَخَيْبَةِ صَاحِبِهِ وَسُرْعَةِ انْقِطَاعِ آمَالِهِ ، وَشَرِّ أَهْلِهِ الْمُنَافِقِينَ . وَشَرُّ أَعْمَالِهِمْ مَا اتَّخَذُوهُ مِنْ
مَسْجِدِ الضِّرَارِ لِلْمَفَاسِدِ الْأَرْبَعَةِ الْمُبَيَّنَةِ فِي الْآيَةِ الْأُولَى مِنْ هَذَا السِّيَاقِ .
وَقَدْ ذَكَرَ فِي وَصْفِ بُنْيَانِ الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ وَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ الْمُشَبَّهَ دُونَ الْمُشَبَّهِ بِهِ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ بِالذَّاتِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيمَا قَبْلَهُ مِنْ عَمَلِهِمْ إِلَّا الْمُبَالَغَةَ فِي الطَّهَارَةِ . وَذَكَرَ مِنْ وَصْفِ بُنْيَانِ الْفَرِيقِ الثَّانِي الْهَيْئَةَ الْمُشَبَّهَ بِهَا دُونَ الْمُشَبَّهِ . لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِيمَا قَبْلُ مَقَاصِدَهُمْ مِنْهَا كُلَّهَا ، وَهَذَا مِنْ دَقَائِقِ إِيجَازِ الْقُرْآنِ .
تَقُولُ فِي الْمَعْنَى الْجَامِعِ بَيْنَ الْمُشَبَّهِ بِهِ فِي الْفَرِيقَيْنِ : أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ الَّذِي يَتَّخِذُهُ مَأْوًى وَمَوْئِلًا لَهُ ، يَقِيهِ مِنْ فَوَاعِلِ الْجَوِّ وَعُدْوَانِ كُلِّ حَيٍّ ، وَمَوْطِنًا لِرَاحَتِهِ ، وَهَنَاءَ مَعِيشَتِهِ ، عَلَى أَمْتَنِ أَسَاسٍ وَأَثْبَتِهِ ، وَأَقْوَاهُ عَلَى مُصَابَرَةِ الْعَوَاصِفِ وَالسُّيُولِ ، وَصَدِّ الْهَوَامِّ وَالْوُحُوشِ - هُوَ خَيْرٌ بُنْيَانًا ، وَرَاحَةً وَأَمَانًا ؟ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى أَوْهَى الْقَوَاعِدِ وَأَقَلِّهَا بَقَاءً وَاسْتِمْسَاكًا فَهِيَ عُرْضَةٌ لِلِانْهِيَارِ فِي كُلِّ لَحْظَةٍ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ ؟
وَأَمَّا مَعْنَى الْمُشَبَّهِ الْمَقْصُودِ بِالذَّاتِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا فَيُصَوَّرُ هَكَذَا : أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا صَادِقًا يَتَّقِي اللَّهَ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ ، وَيَبْتَغِي رِضْوَانَهُ فِي أَعْمَالِهِ بِتَزْكِيَةِ نَفْسِهِ بِهَا وَنَفْعِ عِيَالِهِ : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=920415وَالْخَلْقُ كُلُّهُمْ عِيَالُ اللَّهِ ) كَمَا وَرَدَ فِي الْخَبَرِ عَنْ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ خَيْرًا عَمَلًا ، وَأَفْضَلَ عَاقِبَةً وَأَمَلًا ، وَمِمَّنْ نَزَلَ فِيهِمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=107إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا ) ( 18 : 107 ) أَمْ مَنْ هُوَ مُنَافِقٌ مُرْتَابٌ ، مُرَاءٍ كَذَّابٌ ، يَبْتَغِي بِأَفْضَلِ مَظَاهِرِ أَعْمَالِهِ الضَّرَرَ وَالضِّرَارَ ، وَتَقْوِيَةَ أَعْمَالِ الْكُفْرِ وَمُوَالَاةَ الْكُفَّارِ ، وَتَفْرِيقَ جَمَاعَةِ الْمُؤْمِنِينَ الْأَخْيَارِ ، وَالْإِرْصَادَ لِمُسَاعَدَةِ مَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنَ الْأَشْرَارِ ، وَمَا يَكُونُ مِنْ عَاقِبَةِ ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا مِنَ الْفَضِيحَةِ وَالْعَارِ ، وَالْخِزْيِ وَالْبَوَارِ ، وَفِي الْآخِرَةِ مِنَ الِانْهِيَارِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْقَرَارُ ؟
وَفِي مَعْنَى هَذَا الْمَثَلِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=17أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا ) ( 13 : 17 ) الْآيَةَ .
وَخُلَاصَةُ الْمَثَلَيْنِ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29679_29680الْإِيمَانَ الصَّادِقَ ، وَمَا يَلْزَمُهُ مِنَ الْعَمَلِ الصَّالِحِ هُوَ الْمُثْمِرُ الثَّابِتُ ، وَأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28845النِّفَاقَ وَمَا يَسْتَلْزِمُهُ مِنَ الْعَمَلِ الْفَاسِدِ هُوَ الْبَاطِلُ الزَّاهِقُ ، وَهَذَا الْمَعْنَى يُوَافِقُ قَوْلَ عُلَمَاءِ الْكَوْنِ : إِنَّهُ لَا يَتَنَازَعُ شَيْئَانِ فِي الْوُجُودِ إِلَّا وَيَكُونُ الْغَالِبُ هُوَ الْأَصْلَحَ مِنْهُمَا . وَيُسَمُّونَ هَذِهِ السُّنَّةَ ( نَامُوسَ الِانْتِخَابِ الطَّبِيعِيِّ وَبَقَاءِ الْأَمْثَلِ ) وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي هَذَا التَّفْسِيرِ .
[ ص: 38 ] صَدَقَ اللَّهُ الْعَظِيمُ ، فَقَدْ ثَبَّتَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ ، وَهَدَاهُمْ بِإِيمَانِهِمْ إِلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ ، فَفَتَحُوا الْبِلَادَ ، وَأَقَامُوا الْحَقَّ وَالْعَدْلَ فِي الْعِبَادِ ، وَأَهْلَكَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ فَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ أَثَرٍ صَالِحٍ فِي الْعَالَمِينَ وَهَكَذَا كَانَ وَهَكَذَا يَكُونُ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ وَلَا يَعْتَبِرُونَ وَشَرُّ النِّفَاقِ وَأَضَرُّهُ نِفَاقُ الْعُلَمَاءِ لِلْمُلُوكِ وَالْأُمَرَاءِ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=109وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) أَيْ مَضَتْ سُنَّتُهُ فِي ارْتِبَاطِ الْعَقَائِدِ وَالْأَخْلَاقِ بِالْأَعْمَالِ بِأَنَّ الظَّالِمَ لَا يَكُونُ مُهْتَدِيًا فِي أَعْمَالِهِ إِلَى الْحَقِّ وَالْعَدْلِ ، فَضْلًا عَنِ الرَّحْمَةِ وَالْفَضْلِ ، وَلَا أَظْلَمَ فِي النَّاسِ مِنَ الْمُنَافِقِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=86كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ( 3 : 86 ) .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=110لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ ) الرِّيبَةُ : اسْمٌ مِنَ الرَّيْبِ ، وَهُوَ : مَا تَضْطَرِبُ فِيهِ النَّفْسُ ، وَيَتَرَدَّدُ الْوَهْمُ وَيَسُوءُ الظَّنُّ ، فَيَكُونُ صَاحِبُهُ مِنْهُ فِي شَكٍّ وَحَيْرَةٍ إِنْ لَمْ يَكُنْ مَثَارُهُ الشَّكَّ . قَالَ قَوْمُ
صَالِحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَهُ ، مُنْكِرِينَ دَعْوَتَهُ إِيَّاهُمْ إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=62وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ ) ( 11 :62 ) وَلِهَذَا الِاسْتِعْمَالِ أَمْثَالٌ فِي التَّنْزِيلِ ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الشَّكَّ مَثَارٌ لِلرَّيْبِ ، وَمُوقِعٌ فِيهِ لَا أَنَّهُ عَيْنُهُ وَقَدْ يُفَسَّرُ بِهِ بِاعْتِبَارِ لُزُومِهِ وَإِيقَاعِهِ فِيهِ . قَالَ الشَّاعِرُ :
وَكُنْتُ إِذَا مَا جِئْتُ لَيْلَى تَبَرْقَعَتْ وَقَدْ رَابَنِي مِنْهَا الْغَدَاةَ سُفُورُهَا
وَالظَّاهِرُ أَنَّ ارْتِيَابَهُمْ فِيهِ كَانَ مُنْذُ بَنَوْهُ إِلَى أَنْ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهَدْمِهِ فَهُدِمَ ، ذَلِكَ أَنَّهُمْ لِسُوءِ نِيَّتِهِمْ فِي بِنَائِهِ كَانُوا يَخَافُونَ أَنْ يَطَّلِعَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ عَلَى مَقَاصِدِهِمُ السُّوأَى فِيهِ ، وَكَانَ ذَلِكَ شَأْنَ سَائِرِ إِخْوَانِهِمْ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=64يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تَنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ ) ( 9 : 64 ) وَذَكَرْنَا فِي تَفْسِيرِهَا قَوْلَهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=4يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ ) ( 63 : 4 ) ( رَاجِعْ ج 10 ) وَأَجْدَرُ بِهِمْ أَنْ يَكُونُوا بَعْدَ هَدْمِهِ أَشَدَّ ارْتِيَابًا ، وَأَكْثَرَ اضْطِرَابًا ، بِمَا يَحْذَرُونَ مِنْ عِقَابِهِمْ فِي الدُّنْيَا كَمَا أَنْذَرَتْهُمْ هَذِهِ السُّورَةُ مِرَارًا ، وَأَنْ يَسْتَمِرَّ ذَلِكَ مُلَازِمًا لَهُمْ (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=110إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ ) قَرَأَ
ابْنُ عَامِرٍ وَحَفْصٌ عَنْ
نَافِعٍ وَحَمْزَةُ ( تَقَطَّعُ ) بِفَتْحِ وَتَشْدِيدِ الطَّاءِ مِنَ التَّقَطُّعِ ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِضَمِّ التَّاءِ مِنَ التَّقْطِيعِ ، أَيْ إِلَّا أَنْ تُقَطِّعَ الرِّيبَةُ قُلُوبَهُمْ أَفْلَاذًا فَتُقَطَّعَ بِهَا وَتَكُونَ جُذَاذًا ، وَقَرَأَ يَعْقُوبُ ( إِلَى ) بَدَلَ ( إِلَّا ) وَفَسَّرَ ذَلِكَ بِالْمَوْتِ وَالْهَلَاكِ وَالْحَسْرَةِ وَالنَّدَمِ الْمُقْتَضِي لِلتَّوْبَةِ ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ وَتَبِعَهُ مُعْتَادُو الْأَخْذِ عَنْهُ : لَا يَزَالُ هَدْمُهُ سَبَبَ شَكٍّ وَنِفَاقٍ زَائِدٍ عَلَى شَكِّهِمْ وَنِفَاقِهِمْ لَا يَزُولُ وَسْمُهُ عَنْ قُلُوبِهِمْ ، وَلَا يَضْمَحِلُّ أَثَرُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=110إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ ) قِطَعًا وَتَفَرَّقَ أَجْزَاءً ، فَحِينَئِذٍ يَسْلُونَ
[ ص: 39 ] عَنْهُ ، وَأَمَّا مَا دَامَتْ سَالِمَةً مُجْتَمِعَةً ، فَالرِّيبَةُ بَاقِيَةٌ فِيهَا مُتَمَكِّنَةٌ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذِكْرُ التَّقَطُّعِ تَصْوِيرًا لِحَالِ زَوَالِ الرِّيبَةِ عَنْهُمْ ، وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ حَقِيقَةُ تَقْطِيعِهَا وَمَا هُوَ كَائِنٌ مِنْهُ بِقَتْلِهِمْ أَوْ فِي الْقُبُورِ أَوْ فِي النَّارِ . وَقِيلَ : مَعْنَاهُ : إِلَّا أَنْ يَتُوبُوا تَوْبَةً تَتَقَطَّعُ بِهَا قُلُوبُهُمْ نَدَمًا وَأَسَفًا عَلَى تَفْرِيطِهِمُ ، انْتَهَى . (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=110وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) فَحَكَمَ فِي أَمْرِهِمْ وَبَيَّنَ مِنْ حَالِهِمْ مَا اقْتَضَتْهُ الْحِكْمَةُ وَالْعِلْمُ الْمُحِيطُ بِكُلِّ شَيْءٍ .