(
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=124nindex.php?page=treesubj&link=28980وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=125وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=126أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين ثم لا يتوبون ولا هم يذكرون nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=127وإذا ما أنزلت سورة نظر بعضهم إلى بعض هل يراكم من أحد ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم بأنهم قوم لا يفقهون ) .
هذه الآيات الأربع
nindex.php?page=treesubj&link=28864_28842آخر ما نزل في المنافقين ، وتأثير نزول القرآن فيهم وفي المؤمنين ، ومن قام الدليل على اليأس من إيمانهم ، وإخبار الله بموتهم على كفرهم .
[ ص: 67 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=124وإذا ما أنزلت سورة ) ، كلمة ( ( ما ) ) بعد ( ( إذا ) ) تفيد التأكيد لمضمون شرطها ، يعني وإذا تحقق إنزال الله تعالى على رسوله سورة من القرآن (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=124فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا ) أي فمن المنافقين من يتساءل مع إخوانه للاختبار أو مع من يلقاه من المسلمين كافة للتشكيك ، قائلا : أيكم زادته هذه السورة إيمانا ؟ أي يقينا بحقية القرآن والإسلام ، وصدق الرسول - صلى الله عليه وسلم - فإن في كل سورة من القرآن آيات على صدقه - صلى الله عليه وسلم - بما فيها من ضروب الإعجاز العامة الدالة على أنها من عند الله تعالى ، وكون
محمد - صلى الله عليه وسلم - لا يستطيع أن يأتي بمثلها من تلقاء نفسه ، فالسؤال عن الإيمان بأصل الإسلام وصدق الرسول - صلى الله عليه وسلم - في تبليغه عن الله عز وجل وهو التصديق الجازم المقترن بإذعان النفس وخضوع الوجدان الذي يستلزم العمل ، لا مجرد اعتقاد صدق الخبر ، الذي يقابله اعتقاد كذبه ، فإن
nindex.php?page=treesubj&link=30484_28666_10016أشد الناس كفرا أولئك المصدقون الجاحدون الذين قال الله لرسوله فيهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=33فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون ) ( 6 : 33 ) ومثله قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=14وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا ) ( 27 : 14 ) ولا شك أن الإيمان بمعناه الذي قلناه يزيد بنزول القرآن في عهد الرسول وناهيك بمن يحضر نزوله عليه ويسمعه منه ، وكذا يزيد بتلاوته وبسماعه من غيره أيضا ثباتا في قلب المؤمن وقوة إذعان ، وصدق وجدان ، ورغبة في العمل والقرب من الله . قال الله تعالى في جواب هذا السؤال وهو العليم الخبير : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=124فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا ) فأثبت تعالى للمؤمن
nindex.php?page=treesubj&link=28650زيادة الإيمان بزيادة نزول القرآن ، وهو يشمل الزيادة في حقيقته وصفته من اليقين والإذعان واطمئنان القلب . وفي متعلقه وهو ما في السورة من مسائل العلم ، وفي أثره من العمل والتقرب إلى الرب . وإنما يتساءل المنافقون عن الأول وهو الذي يفقدونه ، وإنما غيره تابع له . (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=124وهم يستبشرون ) أي والحال أنهم يسرون بنزولها وتستدعي زيادة الإيمان في قلوبهم البشرى والارتياح بما يرجون من خير هذه الزيادة بتزكية أنفسهم ، وأثر ذلك في أعمالهم في الدنيا والآخرة .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=125وأما الذين في قلوبهم مرض ) أي شك وارتياب . يدعو إلى النفاق بإسرار الكفر وإظهار الإسلام (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=125فزادتهم رجسا إلى رجسهم ) أي كفرا ونفاقا مضموما إلى كفرهم ونفاقهم السابق الذي هو
nindex.php?page=treesubj&link=19229أقذر الرجس النفسي وشر أنواعه (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=125وماتوا وهم كافرون ) أي واستحوذ ذلك عليهم ورسخ فيهم . فكان مقتضى سنة الله تعالى في تأثير الأعمال في صفات النفس أن من مات منهم مات على كفره . وسيموت من بقي منهم وهم متلبسون بالكفر . وهاك الدليل على ذلك .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=126nindex.php?page=treesubj&link=28980أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين ) الاستفهام لتقرير مضمون الحكم عليهم والحجة عليه . وهو داخل على فعل محذوف للعلم به من المقام . والمعنى : أيجهلون
[ ص: 68 ] هذا ويغفلون عن حالهم فيما يعرض لهم عاما بعد عام من تكرار الفتون والاختبار الذي يظهر به استعداد الأنفس للإيمان أو الكفر ، والتمييز بين الحق والباطل ، كالآيات الدالة على صدق الرسول - صلى الله عليه وسلم - في كل ما أخبر به من نصر الله له ولمن اتبعه ، وخذلان أعدائه من الكفار والمنافقين ووقوع ما أنذرهم ، ومن إنباء الله رسوله بما في قلوبهم ، وفضيحتهم بما يسرون من أعمالهم ، كما فصل في هذه السورة وذكر بعضه في غيرها - وقرأ
حمزة ويعقوب ( ( أولا ترون ) ) على أن الخطاب للمؤمنين الذين قد يروعهم الخبر المؤكد وقوعه بموتهم على كفرهم ، كأنه يقول : أتعجبون من الحكم عليهم بهذه العاقبة السوأى ولا ترون الدلائل الدالة عليها من فتنتهم وابتلائهم المرة بعد المرة سنة بعد سنة ، بما من شأنه أن يذهب بشكهم ويشفي مرض قلوبهم ، من آيات الله فيهم وفي غيرهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=126ثم لا يتوبون ولا هم يذكرون ) أي ثم تمر الأعوام على ذلك ولا يتوبون من نفاقهم ، ولا يتعظون بما حل بهم مما أنذرهم الله تعالى به ، وهل بعد هذا من برهان على انطفاء نور الفطرة والاستعداد للإيمان أقوى من هذا ؟ إن كان وراءه برهان أقوى منه فهو أنهم يفرون من العلاج الذي من شأنه أن يشفيهم من مرض قلوبهم وهو ما أكد به ما قبله بقوله :
(
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=127وإذا ما أنزلت سورة نظر بعضهم إلى بعض ) هذا
nindex.php?page=treesubj&link=30723بيان لحال المنافقين الذين كانوا يكونون في مجلس الرسول - صلى الله عليه وسلم - عند نزول سورة ، وما يكون من فعلهم وقولهم عند تلاوته لها ، وما قبلها في بيان حالهم إذا بلغهم نزول سورة من حيث البحث عن تأثيرها ، وقد يقال : إن الأولى تشمل من سمع منه ومن بلغ عنه ، والعبرة بموضوعها لا بطريقة العلم بها ، وإن هذه أدل على رسوخهم في الكفر وعدم الطمع في رجوعهم عنه ، بإثباتها أنهم يكرهون سماع القرآن من الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهو أشد تأثيرا من سماعه من غيره في الهداية ، ولذلك كان المشركون يمنعونه من تلاوته على الناس لئلا يهتدوا بسماعه منه ، فإن لم يتمكنوا من إسكاته أعرضوا عن سماعه ولغوا فيه . ومنعوا صاحبه الصديق أيضا من الصلاة في المسجد الحرام ثم من مسجده الخاص لما رأوا النساء والصبيان يجتمعون لسماع القرآن منه ويتأثرون بخشوعه فيه . يقول : وإذا أنزلت سورة وهم في المجلس تسارقوا النظر ، وتغامزوا بالعيون ، على حين تخشع أبصار المؤمنين ، وتنحني رءوسهم ، وتجب قلوبهم ، وترامقوا بالعيون يتشاورون في الانسلال من المجلس خفية لئلا يفتضحوا بما يظهر عليهم من الإنكار والسخرية بالوحي ، قائلا بعضهم لبعض بالإشارة أو العبارة : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=127nindex.php?page=treesubj&link=28980هل يراكم من أحد ) أي من الرسول والمؤمنين إذا نحن انصرفنا كارهين لسماعها (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=127ثم انصرفوا ) يتسللون لواذا إلى مجامعهم الخاصة بهم ، والتعبير بـ ( ثم ) لبيان تراخي فعلهم عن وقت قولهم ، إلى سنوح فرصة الغفلة عنهم ولو أفرادا ، فكلما لمح أحد منهم غفلة من المؤمنين عنه انصرف (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=127صرف الله قلوبهم ) هذه الجملة تحتمل الدعاء والخبر ، لأن مضمونها النهائي في
[ ص: 69 ] كلام الله واحد كما تقدم نظيره قريبا . والمعنى
nindex.php?page=treesubj&link=19229صرف الله قلوبهم عن صدق الإيمان ، والاهتداء بآيات الله في القرآن ، المرشدة إلى آياته في الأكوان : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=127nindex.php?page=treesubj&link=30554_28980بأنهم قوم لا يفقهون ) أي سبب أنهم قوم فقدوا صفة الفقاهة الفطرية ، وفهم الحقائق وما يترتب عليها من الأعمال ، لعدم استعمال عقولهم فيها ، فهم لا يفقهون ما يسمعون من هذه الآيات لعدم تدبرها ، والإعراض عن النظر والتأمل في معانيها ، وموافقتها للعقل ، وهدايتها إلى الحق والعدل ، ذلك بأنهم اتخذوا أنفسهم أعداء وخصوما للرسول ، فوطنوا أنفسهم على الإعراض عن كل ما جاء به من غير بحث ولا تأمل فيه : أمعقول أم غير معقول ؟ أحق أم باطل ؟ أخير أم شر ؟ أهدى أم ضلال ؟ أنافع أم ضار ؟ فأنى يرجى لهم وهذه حالهم أن يهتدوا بتعدد نزول الآيات والسور ؟ إنما مثلهم كمثل أعداء الإسلام من أهل الملل التي جروا على نظام تعليمي وتربية وجدانية عملية في عصبيتهم الدينية والقومية ، وارتباط منافعهم الاجتماعية والسياسية بها ، لقنهم رؤساؤهم أنه يوجد دين اسمه الإسلام بني أساسه على عداوتكم لذاتكم ، فيجب عليكم ألا تنظروا فيه إلا أن يكون للبحث عن مطعن ولو متكلف تلمزونه به ، ولا تفكروا في شيء من حال أهله في دينهم ودنياهم إلا للعداوة والتحقير لهم ، وتدبير المكايد للعدوان عليهم ، وإذا ظهر لكم شيء حسن من دينهم فوجهوا كل قواكم العقلية وبلاغتكم الكلامية إلى تشويهه وذمه والصد عنه ، وهذا ما يفعله رجال الكنائس النصرانية على اختلاف مذاهبهم ، كما بيناه في غير هذا الموضع .
ومن المباحث الكلامية في الآيات الخلاف في
nindex.php?page=treesubj&link=28650زيادة الإيمان ونقصه ، على مذهبين في إثبات ذلك ونفيه ، وجمهور السلف من الصحابة والتابعين وحفاظ السنة على الإثبات . وهذه المسألة من أغرب مسائل عصبيات المذاهب عند النظار الجدليين ومقلديهم ، وما كان ينبغي لمسلم أن يجعل هذا موضع الخلاف لبحث بعض من ينتسب إليهم في مفهوم لفظ الإيمان الذي يتحقق باعتقاده الدخول في الملة هل يقبل الزيادة والنقصان في ذاته ؟ أم المراد من هذه الآية وما في معناها متعلق الإيمان من العقائد والأحكام التي كانت تشتمل عليها السورة ؟ واستبعاد أن يكون التصديق الذي يكون به الكافر مؤمنا قابلا للزيادة والنقصان ، وهي نظرية باطلة ، وقد بينا معنى الآية بما يدل على أن قصر زيادة الإيمان فيها على التصديق بزيادة العلم بما تضمنته باطل ; لأن هذا بديهي لا يمكن أن يكون هو الذي سأل عنه المنافقون ، ونصوص القرآن الكثيرة صريحة في زيادة الإيمان ونقصه ، وكذلك الأحاديث الصحيحة التي صرح فيها الرسول - صلى الله عليه وسلم - بأن أقل الإيمان وهو المنجي من الخلود في النار كالذرة أو الخردلة من الإيمان الكامل الذي لا يمس لأهله من عذاب النار شيء ، كالذين وصفهم الله بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=2إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم ) ( 8 : 2 ) إلخ . وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=15إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا ) ( 49 : 15 ) إلخ .
[ ص: 70 ] والتحقيق أن اليقين في الإيمان وغيره له درجات متفاوتة في القوة والضعف ،
nindex.php?page=treesubj&link=28647_29507واليقين الذي يصح به الإيمان هو اليقين اللغوي وهو الاعتقاد الجازم في غير الحسيات والضروريات كما بيناه في مواضع أولها تفسير (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=4وبالآخرة هم يوقنون ) ( 2 : 4 ) وهو درجات : منها التقليد الجازم ، ومنها المعلوم بالنظر والاستدلال . وقد يطرأ عليهما الشك والزوال ، ولولا ذلك ما تصور ارتداد مؤمن عن دينه ، ومنها ما يصير وجدانا ضروريا بشرح الصدر ، والنور الإلهي ، بكثرة الذكر والفكر والعبادة .
وأما اليقين المنطقي والعلم القطعي بالبرهان بأن هذا الشيء كذا مع العلم القطعي باستحالة أن يكون غير كذا ، فهو هو الذي قالوا : إنه لا يقبل الزيادة والنقصان ، ولكنه نادر الوقوع في غير الضروريات ولا تتوقف عليه صحة الإيمان ، ومع هذا يمكن أن يقال : إنه قابل للزيادة في وصفه وطمأنينة القلب به ، وفي ترتب آثاره عليه .
ومثال الأول أن ترى شبحا في سدفة الفجر فتعلم أنه إنسان في انتصاب قامته ثم تزداد علما به كلما انتشر الضياء حتى يكون العلم به تفصيليا . والبرهان المنطقي المفيد لهذا اليقين عندهم لا تكون مقدماته النظرية في درجة الضروريات قوة وثباتا . وقد
nindex.php?page=treesubj&link=29507قسم بعضهم اليقين إلى ثلاث درجات : علم اليقين وهو ما يعلم بالدليل ، وعين اليقين وهو ما يكون بالمشاهدة والكشف ، وحق اليقين وهو ما يكون بالذوق والوجدان . ومثل لها بعضهم بالفناء عند الصوفية ، وبعضهم بالموت ، فكل أحد عنده علم اليقين بأنه يموت ، فإذا عاين ملائكة الموت عند الحشرجة وقبل قبض الروح كان عين اليقين ، فإذا مات بالفعل وصل إلى درجة حق اليقين ، لكن هذه الدرجة وما قبلها لا يتعلق بهما التكليف .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=124nindex.php?page=treesubj&link=28980وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=125وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=126أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=127وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ ) .
هَذِهِ الْآيَاتُ الْأَرْبَعُ
nindex.php?page=treesubj&link=28864_28842آخِرُ مَا نَزَلَ فِي الْمُنَافِقِينَ ، وَتَأْثِيرِ نُزُولِ الْقُرْآنِ فِيهِمْ وَفِي الْمُؤْمِنِينَ ، وَمَنْ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى الْيَأْسِ مِنْ إِيمَانِهِمْ ، وَإِخْبَارِ اللَّهِ بِمَوْتِهِمْ عَلَى كُفْرِهِمْ .
[ ص: 67 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=124وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ ) ، كَلِمَةُ ( ( مَا ) ) بَعْدَ ( ( إِذَا ) ) تُفِيدُ التَّأْكِيدَ لِمَضْمُونِ شَرْطِهَا ، يَعْنِي وَإِذَا تَحَقَّقَ إِنْزَالُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى رَسُولِهِ سُورَةً مِنَ الْقُرْآنِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=124فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا ) أَيْ فَمِنَ الْمُنَافِقِينَ مَنْ يَتَسَاءَلُ مَعَ إِخْوَانِهِ لِلِاخْتِبَارِ أَوْ مَعَ مَنْ يَلْقَاهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَافَّةً لِلتَّشْكِيكِ ، قَائِلًا : أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ السُّورَةُ إِيمَانًا ؟ أَيْ يَقِينًا بِحَقِّيَّةِ الْقُرْآنِ وَالْإِسْلَامِ ، وَصِدْقِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّ فِي كُلِّ سُورَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ آيَاتٍ عَلَى صِدْقِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَا فِيهَا مِنْ ضُرُوبِ الْإِعْجَازِ الْعَامَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّهَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَكَوْنِ
مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَأْتِيَ بِمِثْلِهَا مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ ، فَالسُّؤَالُ عَنِ الْإِيمَانِ بِأَصْلِ الْإِسْلَامِ وَصِدْقِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي تَبْلِيغِهِ عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَهُوَ التَّصْدِيقُ الْجَازِمُ الْمُقْتَرِنُ بِإِذْعَانِ النَّفْسِ وَخُضُوعِ الْوِجْدَانِ الَّذِي يَسْتَلْزِمُ الْعَمَلَ ، لَا مُجَرَّدُ اعْتِقَادِ صِدْقِ الْخَبَرِ ، الَّذِي يُقَابِلُهُ اعْتِقَادُ كَذِبِهِ ، فَإِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30484_28666_10016أَشَدَّ النَّاسِ كُفْرًا أُولَئِكَ الْمُصَدِّقُونَ الْجَاحِدُونَ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ لِرَسُولِهِ فِيهِمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=33فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ ) ( 6 : 33 ) وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=14وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا ) ( 27 : 14 ) وَلَا شَكَّ أَنَّ الْإِيمَانَ بِمَعْنَاهُ الَّذِي قُلْنَاهُ يَزِيدُ بِنُزُولِ الْقُرْآنِ فِي عَهْدِ الرَّسُولِ وَنَاهِيكَ بِمَنْ يَحْضُرُ نُزُولَهُ عَلَيْهِ وَيَسْمَعُهُ مِنْهُ ، وَكَذَا يَزِيدُ بِتِلَاوَتِهِ وَبِسَمَاعِهِ مَنْ غَيْرِهِ أَيْضًا ثَبَاتًا فِي قَلْبِ الْمُؤْمِنِ وَقُوَّةِ إِذْعَانٍ ، وَصِدْقِ وِجْدَانٍ ، وَرَغْبَةً فِي الْعَمَلِ وَالْقُرْبِ مِنَ اللَّهِ . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي جَوَابِ هَذَا السُّؤَالِ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=124فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا ) فَأَثْبَتَ تَعَالَى لِلْمُؤْمِنِ
nindex.php?page=treesubj&link=28650زِيَادَةَ الْإِيمَانِ بِزِيَادَةِ نُزُولِ الْقُرْآنِ ، وَهُوَ يَشْمَلُ الزِّيَادَةَ فِي حَقِيقَتِهِ وَصِفَتِهِ مِنَ الْيَقِينِ وَالْإِذْعَانِ وَاطْمِئْنَانِ الْقَلْبِ . وَفِي مُتَعَلِّقِهِ وَهُوَ مَا فِي السُّورَةِ مِنْ مَسَائِلِ الْعِلْمِ ، وَفِي أَثَرِهِ مِنَ الْعَمَلِ وَالتَّقَرُّبِ إِلَى الرَّبِّ . وَإِنَّمَا يَتَسَاءَلُ الْمُنَافِقُونَ عَنِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الَّذِي يَفْقِدُونَهُ ، وَإِنَّمَا غَيْرُهُ تَابِعٌ لَهُ . (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=124وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُمْ يُسَرُّونَ بِنُزُولِهَا وَتَسْتَدْعِي زِيَادَةُ الْإِيمَانِ فِي قُلُوبِهِمُ الْبُشْرَى وَالِارْتِيَاحَ بِمَا يَرْجُونَ مِنْ خَيْرِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ بِتَزْكِيَةِ أَنْفُسِهِمْ ، وَأَثَرِ ذَلِكَ فِي أَعْمَالِهِمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=125وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ) أَيْ شَكٌّ وَارْتِيَابٌ . يَدْعُو إِلَى النِّفَاقِ بِإِسْرَارِ الْكُفْرِ وَإِظْهَارِ الْإِسْلَامِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=125فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ ) أَيْ كُفْرًا وَنِفَاقًا مَضْمُومًا إِلَى كُفْرِهِمْ وَنِفَاقِهِمُ السَّابِقِ الَّذِي هُوَ
nindex.php?page=treesubj&link=19229أَقْذَرُ الرِّجْسِ النَّفْسِيِّ وَشَرُّ أَنْوَاعِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=125وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ ) أَيْ وَاسْتَحْوَذَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَرَسَخَ فِيهِمْ . فَكَانَ مُقْتَضَى سُنَّةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي تَأْثِيرِ الْأَعْمَالِ فِي صِفَاتِ النَّفْسِ أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ مَاتَ عَلَى كُفْرِهِ . وَسَيَمُوتُ مَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ وَهُمْ مُتَلَبِّسُونَ بِالْكُفْرِ . وَهَاكَ الدَّلِيلَ عَلَى ذَلِكَ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=126nindex.php?page=treesubj&link=28980أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ) الِاسْتِفْهَامُ لِتَقْرِيرِ مَضْمُونِ الْحُكْمِ عَلَيْهِمْ وَالْحُجَّةِ عَلَيْهِ . وَهُوَ دَاخِلٌ عَلَى فِعْلٍ مَحْذُوفٍ لِلْعِلْمِ بِهِ مِنَ الْمَقَامِ . وَالْمَعْنَى : أَيَجْهَلُونَ
[ ص: 68 ] هَذَا وَيَغْفُلُونَ عَنْ حَالِهِمْ فِيمَا يَعْرِضُ لَهُمْ عَامًا بَعْدَ عَامٍ مِنْ تَكْرَارِ الْفُتُونِ وَالِاخْتِبَارِ الَّذِي يَظْهَرُ بِهِ اسْتِعْدَادُ الْأَنْفُسِ لِلْإِيمَانِ أَوِ الْكُفْرِ ، وَالتَّمْيِيزِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ ، كَالْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى صِدْقِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي كُلِّ مَا أَخْبَرَ بِهِ مِنْ نَصْرِ اللَّهِ لَهُ وَلِمَنِ اتَّبَعَهُ ، وَخِذْلَانِ أَعْدَائِهِ مِنَ الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ وَوُقُوعِ مَا أَنْذَرَهُمْ ، وَمِنْ إِنْبَاءِ اللَّهِ رَسُولَهُ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ ، وَفَضِيحَتِهِمْ بِمَا يُسِرُّونَ مِنْ أَعْمَالِهِمْ ، كَمَا فَصَّلَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ وَذَكَرَ بَعْضَهُ فِي غَيْرِهَا - وَقَرَأَ
حَمْزَةُ وَيَعْقُوبُ ( ( أَوَلَا تَرَوْنَ ) ) عَلَى أَنَّ الْخِطَابَ لِلْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ قَدْ يُرَوِّعُهُمُ الْخَبَرُ الْمُؤَكَّدُ وُقُوعُهُ بِمَوْتِهِمْ عَلَى كُفْرِهِمْ ، كَأَنَّهُ يَقُولُ : أَتَعْجَبُونَ مِنَ الْحُكْمِ عَلَيْهِمْ بِهَذِهِ الْعَاقِبَةِ السُّوأَى وَلَا تَرَوْنَ الدَّلَائِلَ الدَّالَّةَ عَلَيْهَا مِنْ فِتْنَتِهِمْ وَابْتِلَائِهِمُ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ سَنَةً بَعْدَ سَنَةٍ ، بِمَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَذْهَبَ بِشَكِّهِمْ وَيَشْفِيَ مَرَضَ قُلُوبِهِمْ ، مِنْ آيَاتِ اللَّهِ فِيهِمْ وَفِي غَيْرِهِمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=126ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ ) أَيْ ثُمَّ تَمُرُّ الْأَعْوَامُ عَلَى ذَلِكَ وَلَا يَتُوبُونَ مِنْ نِفَاقِهِمْ ، وَلَا يَتَّعِظُونَ بِمَا حَلَّ بِهِمْ مِمَّا أَنْذَرَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ ، وَهَلْ بَعْدَ هَذَا مِنْ بُرْهَانٍ عَلَى انْطِفَاءِ نُورِ الْفِطْرَةِ وَالِاسْتِعْدَادِ لِلْإِيمَانِ أَقْوَى مِنْ هَذَا ؟ إِنْ كَانَ وَرَاءَهُ بُرْهَانٌ أَقْوَى مِنْهُ فَهُوَ أَنَّهُمْ يَفِرُّونَ مِنَ الْعِلَاجِ الَّذِي مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَشْفِيَهُمْ مِنْ مَرَضِ قُلُوبِهِمْ وَهُوَ مَا أَكَّدَ بِهِ مَا قَبْلَهُ بِقَوْلِهِ :
(
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=127وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ ) هَذَا
nindex.php?page=treesubj&link=30723بَيَانٌ لِحَالِ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ كَانُوا يَكُونُونَ فِي مَجْلِسِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ نُزُولِ سُورَةٍ ، وَمَا يَكُونُ مِنْ فِعْلِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عِنْدَ تِلَاوَتِهِ لَهَا ، وَمَا قَبْلَهَا فِي بَيَانِ حَالِهِمْ إِذَا بَلَغَهُمْ نُزُولُ سُورَةٍ مِنْ حَيْثُ الْبَحْثِ عَنْ تَأْثِيرِهَا ، وَقَدْ يُقَالُ : إِنَّ الْأُولَى تَشْمَلُ مَنْ سَمِعَ مِنْهُ وَمَنْ بَلَّغَ عَنْهُ ، وَالْعِبْرَةُ بِمَوْضُوعِهَا لَا بِطَرِيقَةِ الْعِلْمِ بِهَا ، وَإِنَّ هَذِهِ أَدَلُّ عَلَى رُسُوخِهِمْ فِي الْكُفْرِ وَعَدَمِ الطَّمَعِ فِي رُجُوعِهِمْ عَنْهُ ، بِإِثْبَاتِهَا أَنَّهُمْ يَكْرَهُونَ سَمَاعَ الْقُرْآنِ مِنَ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ أَشَدُّ تَأْثِيرًا مِنْ سَمَاعِهِ مِنْ غَيْرِهِ فِي الْهِدَايَةِ ، وَلِذَلِكَ كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَمْنَعُونَهُ مِنْ تِلَاوَتِهِ عَلَى النَّاسِ لِئَلَّا يَهْتَدُوا بِسَمَاعِهِ مِنْهُ ، فَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنُوا مِنْ إِسْكَاتِهِ أَعْرَضُوا عَنْ سَمَاعِهِ وَلَغَوْا فِيهِ . وَمَنَعُوا صَاحِبَهُ الصِّدِّيقَ أَيْضًا مِنَ الصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ثُمَّ مِنْ مَسْجِدِهِ الْخَاصِّ لَمَّا رَأَوُا النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ يَجْتَمِعُونَ لِسَمَاعِ الْقُرْآنِ مِنْهُ وَيَتَأَثَّرُونَ بِخُشُوعِهِ فِيهِ . يَقُولُ : وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ وَهُمْ فِي الْمَجْلِسِ تَسَارَقُوا النَّظَرَ ، وَتَغَامَزُوا بِالْعُيُونِ ، عَلَى حِينِ تَخْشَعُ أَبْصَارُ الْمُؤْمِنِينَ ، وَتَنْحَنِي رُءُوسُهُمْ ، وَتَجِبُ قُلُوبُهُمْ ، وَتَرَامَقُوا بِالْعُيُونِ يَتَشَاوَرُونَ فِي الِانْسِلَالِ مِنَ الْمَجْلِسِ خُفْيَةً لِئَلَّا يَفْتَضِحُوا بِمَا يَظْهَرُ عَلَيْهِمْ مِنَ الْإِنْكَارِ وَالسُّخْرِيَةِ بِالْوَحْيِ ، قَائِلًا بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ بِالْإِشَارَةِ أَوِ الْعِبَارَةِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=127nindex.php?page=treesubj&link=28980هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ ) أَيْ مِنَ الرَّسُولِ وَالْمُؤْمِنِينَ إِذَا نَحْنُ انْصَرَفْنَا كَارِهِينَ لِسَمَاعِهَا (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=127ثُمَّ انْصَرَفُوا ) يَتَسَلَّلُونَ لِوَاذًا إِلَى مَجَامِعِهِمُ الْخَاصَّةِ بِهِمْ ، وَالتَّعْبِيرُ بِـ ( ثُمَّ ) لِبَيَانِ تَرَاخِي فِعْلِهِمْ عَنْ وَقْتِ قَوْلِهِمْ ، إِلَى سُنُوحِ فُرْصَةِ الْغَفْلَةِ عَنْهُمْ وَلَوْ أَفْرَادًا ، فَكُلَّمَا لَمَحَ أَحَدٌ مِنْهُمْ غَفْلَةً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ عَنْهُ انْصَرَفَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=127صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ ) هَذِهِ الْجُمْلَةُ تَحْتَمِلُ الدُّعَاءَ وَالْخَبَرَ ، لِأَنَّ مَضْمُونَهَا النِّهَائِيَّ فِي
[ ص: 69 ] كَلَامِ اللَّهِ وَاحِدٌ كَمَا تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ قَرِيبًا . وَالْمَعْنَى
nindex.php?page=treesubj&link=19229صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ عَنْ صِدْقِ الْإِيمَانِ ، وَالِاهْتِدَاءِ بِآيَاتِ اللَّهِ فِي الْقُرْآنِ ، الْمُرْشِدَةِ إِلَى آيَاتِهِ فِي الْأَكْوَانِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=127nindex.php?page=treesubj&link=30554_28980بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ ) أَيْ سَبَبُ أَنَّهُمْ قَوْمٌ فَقَدُوا صِفَةَ الْفَقَاهَةِ الْفِطْرِيَّةِ ، وَفَهْمِ الْحَقَائِقِ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مِنَ الْأَعْمَالِ ، لِعَدَمِ اسْتِعْمَالِ عُقُولِهِمْ فِيهَا ، فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ مَا يَسْمَعُونَ مِنْ هَذِهِ الْآيَاتِ لِعَدَمِ تَدَبُّرِهَا ، وَالْإِعْرَاضِ عَنِ النَّظَرِ وَالتَّأَمُّلِ فِي مَعَانِيهَا ، وَمُوَافَقَتِهَا لِلْعَقْلِ ، وَهِدَايَتِهَا إِلَى الْحَقِّ وَالْعَدْلِ ، ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّخَذُوا أَنْفُسَهُمْ أَعْدَاءً وَخُصُومًا لِلرَّسُولِ ، فَوَطَّنُوا أَنْفُسَهُمْ عَلَى الْإِعْرَاضِ عَنْ كُلِّ مَا جَاءَ بِهِ مِنْ غَيْرِ بَحْثٍ وَلَا تَأَمُّلٍ فِيهِ : أَمَعْقُولٌ أَمْ غَيْرُ مَعْقُولٍ ؟ أَحَقُّ أَمْ بَاطِلٌ ؟ أَخَيْرٌ أَمْ شَرٌّ ؟ أَهُدًى أَمْ ضَلَالٌ ؟ أَنَافِعٌ أَمْ ضَارٌّ ؟ فَأَنَّى يُرْجَى لَهُمْ وَهَذِهِ حَالُهُمْ أَنْ يَهْتَدُوا بِتَعَدُّدِ نُزُولِ الْآيَاتِ وَالسُّورِ ؟ إِنَّمَا مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ أَعْدَاءِ الْإِسْلَامِ مِنْ أَهْلِ الْمِلَلِ الَّتِي جَرَوْا عَلَى نِظَامٍ تَعْلِيمِيٍّ وَتَرْبِيَةٍ وِجْدَانِيَّةٍ عَمَلِيَّةٍ فِي عَصَبِيَّتِهِمُ الدِّينِيَّةِ وَالْقَوْمِيَّةِ ، وَارْتِبَاطِ مَنَافِعِهِمُ الِاجْتِمَاعِيَّةِ وَالسِّيَاسِيَّةِ بِهَا ، لَقَّنَهُمْ رُؤَسَاؤُهُمْ أَنَّهُ يُوجَدُ دِينٌ اسْمُهُ الْإِسْلَامُ بُنِيَ أَسَاسُهُ عَلَى عَدَاوَتِكُمْ لِذَاتِكُمْ ، فَيَجِبُ عَلَيْكُمْ أَلَّا تَنْظُرُوا فِيهِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ لِلْبَحْثِ عَنْ مَطْعَنٍ وَلَوْ مُتَكَلَّفٍ تَلْمِزُونَهُ بِهِ ، وَلَا تُفَكِّرُوا فِي شَيْءٍ مِنْ حَالِ أَهْلِهِ فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ إِلَّا لِلْعَدَاوَةِ وَالتَّحْقِيرِ لَهُمْ ، وَتَدْبِيرِ الْمَكَايِدِ لِلْعُدْوَانِ عَلَيْهِمْ ، وَإِذَا ظَهَرَ لَكُمْ شَيْءٌ حَسَنٌ مِنْ دِينِهِمْ فَوَجِّهُوا كُلَّ قُوَاكُمُ الْعَقْلِيَّةِ وَبَلَاغَتِكُمُ الْكَلَامِيَّةِ إِلَى تَشْوِيهِهِ وَذَمِّهِ وَالصَّدِّ عَنْهُ ، وَهَذَا مَا يَفْعَلُهُ رِجَالُ الْكَنَائِسِ النَّصْرَانِيَّةِ عَلَى اخْتِلَافِ مَذَاهِبِهِمْ ، كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ .
وَمِنَ الْمَبَاحِثِ الْكَلَامِيَّةِ فِي الْآيَاتِ الْخِلَافُ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=28650زِيَادَةِ الْإِيمَانِ وَنَقْصِهِ ، عَلَى مَذْهَبَيْنِ فِي إِثْبَاتِ ذَلِكَ وَنَفْيِهِ ، وَجُمْهُورُ السَّلَفِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعَيْنِ وَحُفَّاظِ السُّنَّةِ عَلَى الْإِثْبَاتِ . وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ أَغْرَبِ مَسَائِلِ عَصَبِيَّاتِ الْمَذَاهِبِ عِنْدَ النُّظَّارِ الْجَدَلِيِّينَ وَمُقَلِّدِيهِمْ ، وَمَا كَانَ يَنْبَغِي لِمُسْلِمٍ أَنْ يَجْعَلَ هَذَا مَوْضِعَ الْخِلَافِ لِبَحْثِ بَعْضِ مَنْ يَنْتَسِبُ إِلَيْهِمْ فِي مَفْهُومِ لَفْظِ الْإِيمَانِ الَّذِي يَتَحَقَّقُ بِاعْتِقَادِهِ الدُّخُولُ فِي الْمِلَّةِ هَلْ يَقْبَلُ الزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانَ فِي ذَاتِهِ ؟ أَمِ الْمُرَادُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا مُتَعَلِّقُ الْإِيمَانِ مِنَ الْعَقَائِدِ وَالْأَحْكَامِ الَّتِي كَانَتْ تَشْتَمِلُ عَلَيْهَا السُّورَةُ ؟ وَاسْتِبْعَادُ أَنْ يَكُونَ التَّصْدِيقُ الَّذِي يَكُونُ بِهِ الْكَافِرُ مُؤْمِنًا قَابِلًا لِلزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ ، وَهِيَ نَظَرِيَّةٌ بَاطِلَةٌ ، وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْآيَةِ بِمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قِصَرَ زِيَادَةِ الْإِيمَانِ فِيهَا عَلَى التَّصْدِيقِ بِزِيَادَةِ الْعِلْمِ بِمَا تَضَمَّنَتْهُ بَاطِلٌ ; لِأَنَّ هَذَا بَدِيهِيٌّ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الَّذِي سَأَلَ عَنْهُ الْمُنَافِقُونَ ، وَنُصُوصُ الْقُرْآنِ الْكَثِيرَةُ صَرِيحَةٌ فِي زِيَادَةِ الْإِيمَانِ وَنَقْصِهِ ، وَكَذَلِكَ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الَّتِي صَرَّحَ فِيهَا الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّ أَقَلَّ الْإِيمَانِ وَهُوَ الْمُنَجِّي مِنَ الْخُلُودِ فِي النَّارِ كَالذَّرَّةِ أَوِ الْخَرْدَلَةِ مِنَ الْإِيمَانِ الْكَامِلِ الَّذِي لَا يَمَسُّ لِأَهْلِهِ مِنْ عَذَابِ النَّارِ شَيْءٌ ، كَالَّذِينِ وَصَفَهُمُ اللَّهُ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=2إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ ) ( 8 : 2 ) إِلَخْ . وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=15إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا ) ( 49 : 15 ) إِلَخْ .
[ ص: 70 ] وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْيَقِينَ فِي الْإِيمَانِ وَغَيْرِهِ لَهُ دَرَجَاتٌ مُتَفَاوِتَةٌ فِي الْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=28647_29507وَالْيَقِينُ الَّذِي يَصِحُّ بِهِ الْإِيمَانُ هُوَ الْيَقِينُ اللُّغَوِيُّ وَهُوَ الِاعْتِقَادُ الْجَازِمُ فِي غَيْرِ الْحِسِّيَّاتِ وَالضَّرُورِيَّاتِ كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي مَوَاضِعَ أَوَّلُهَا تَفْسِيرُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=4وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ) ( 2 : 4 ) وَهُوَ دَرَجَاتٌ : مِنْهَا التَّقْلِيدُ الْجَازِمُ ، وَمِنْهَا الْمَعْلُومُ بِالنَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ . وَقَدْ يَطْرَأُ عَلَيْهِمَا الشَّكُّ وَالزَّوَالُ ، وَلَوْلَا ذَلِكَ مَا تُصُوِّرَ ارْتِدَادُ مُؤْمِنٍ عَنْ دِينِهِ ، وَمِنْهَا مَا يَصِيرُ وِجْدَانًا ضَرُورِيًّا بِشَرْحِ الصَّدْرِ ، وَالنُّورِ الْإِلَهِيِّ ، بِكَثْرَةِ الذِّكْرِ وَالْفِكْرِ وَالْعِبَادَةِ .
وَأَمَّا الْيَقِينُ الْمَنْطِقِيُّ وَالْعِلْمُ الْقَطْعِيُّ بِالْبُرْهَانِ بِأَنَّ هَذَا الشَّيْءَ كَذَا مَعَ الْعِلْمِ الْقَطْعِيِّ بِاسْتِحَالَةِ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ كَذَا ، فَهُوَ هُوَ الَّذِي قَالُوا : إِنَّهُ لَا يَقْبَلُ الزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانَ ، وَلَكِنَّهُ نَادِرُ الْوُقُوعِ فِي غَيْرِ الضَّرُورِيَّاتِ وَلَا تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ صِحَّةُ الْإِيمَانِ ، وَمَعَ هَذَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ : إِنَّهُ قَابِلٌ لِلزِّيَادَةِ فِي وَصْفِهِ وَطُمَأْنِينَةِ الْقَلْبِ بِهِ ، وَفِي تَرَتُّبِ آثَارِهِ عَلَيْهِ .
وَمِثَالُ الْأَوَّلِ أَنْ تَرَى شَبَحًا فِي سُدْفَةِ الْفَجْرِ فَتَعْلَمَ أَنَّهُ إِنْسَانٌ فِي انْتِصَابِ قَامَتِهِ ثُمَّ تَزْدَادُ عِلْمًا بِهِ كُلَّمَا انْتَشَرَ الضِّيَاءُ حَتَّى يَكُونَ الْعِلْمُ بِهِ تَفْصِيلِيًّا . وَالْبُرْهَانُ الْمَنْطِقِيُّ الْمُفِيدُ لِهَذَا الْيَقِينِ عِنْدَهُمْ لَا تَكُونُ مُقَدِّمَاتُهُ النَّظَرِيَّةُ فِي دَرَجَةِ الضَّرُورِيَّاتِ قُوَّةً وَثَبَاتًا . وَقَدْ
nindex.php?page=treesubj&link=29507قَسَّمَ بَعْضُهُمُ الْيَقِينَ إِلَى ثَلَاثِ دَرَجَاتٍ : عِلْمِ الْيَقِينِ وَهُوَ مَا يُعْلَمُ بِالدَّلِيلِ ، وَعَيْنِ الْيَقِينِ وَهُوَ مَا يَكُونُ بِالْمُشَاهَدَةِ وَالْكَشْفِ ، وَحَقِّ الْيَقِينِ وَهُوَ مَا يَكُونُ بِالذَّوْقِ وَالْوِجْدَانِ . وَمَثَّلَ لَهَا بَعْضُهُمْ بِالْفَنَاءِ عِنْدَ الصُّوفِيَّةِ ، وَبَعْضُهُمْ بِالْمَوْتِ ، فَكُلُّ أَحَدٍ عِنْدَهُ عِلْمُ الْيَقِينِ بِأَنَّهُ يَمُوتُ ، فَإِذَا عَايَنَ مَلَائِكَةَ الْمَوْتِ عِنْدَ الْحَشْرَجَةِ وَقَبْلَ قَبْضِ الرُّوحِ كَانَ عَيْنَ الْيَقِينِ ، فَإِذَا مَاتَ بِالْفِعْلِ وَصَلَ إِلَى دَرَجَةِ حَقِّ الْيَقِينِ ، لَكِنَّ هَذِهِ الدَّرَجَةَ وَمَا قَبْلَهَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا التَّكْلِيفُ .