[ ص: 118 ] بسم الله الرحمن الرحيم
(
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=1nindex.php?page=treesubj&link=28981الر تلك آيات الكتاب الحكيم nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=2أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم قال الكافرون إن هذا لساحر مبين ) .
( الر ) تقرأ هذه الحروف الثلاثة بأسمائها ساكنة غير معربة هكذا : ألف ، لام ، را .
والحرف الأخير غير مهموز . وفائدة النطق بها وبأمثالها هكذا تنبيه الذين تتلى عليهم السورة لما بعدها لأجل العناية بفهمه حتى لا يفوتهم من سماعه شيء ، وهي أقوى في هذا التنبيه من حرف الهاء الموضوع له في اسم الإشارة ، ومن كلمة ( ( ألا ) ) الافتتاحية ، وقد فصلنا هذه المسألة في أول تفسير سورة الأعراف .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=1تلك آيات الكتاب الحكيم ) أي تلك الآيات البعيدة الشأو ، الرفيعة الشأن التي تألفت منها هذه السورة ، أو القرآن كله ، هي آيات الكتاب الموصوف بالحكمة في معانيه ، والأحكام في مبانيه ، الحقيق بهداية متدبره وواعيه .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=2أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم ) الاستفهام للتعجب من عجب الكفار واستنكار إنكارهم للوحي إلى رجل من جنسهم ، والوحي الإعلام الخفي الخاص لامرئ بما يخفى على غيره . أي أكان إيحاؤنا إلى رجل من الناس أمرا نكرا اتخذوه أعجوبة بينهم يتفكهون باستغرابها ؟ كأن مشاركتهم له في البشرية يمنع اختصاص الله إياه بما شاء من العلم .
والمراد بالناس كفار
مكة ومن تبعهم في إنكار نبوة
محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وعبر عنهم بالناس لأن هذه الشبهة على الرسالة قد سبقتهم إليها أقوام الأنبياء قبله كما تقدم في قصة
نوح [ ص: 119 ] وهو من سورة الأعراف (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=63أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم ) ( 7 : 63 و 69 ) وهذا المعنى مكرر في القرآن ، وقد دحضنا هذه الشبهة في آخر تفسير سورة الأنعام (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=2أن أنذر الناس ) ( ( أن ) ) هذه مفسرة لما قبلها ، والإنذار الإعلام بالتوحيد والبعث وسائر مقاصد الدين المقترن بالتخويف من عاقبة الكفر والمعاصي ، أي أوحينا إليه بأن أنذر الناس كافة (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=2وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم ) التبشير مقابل الإنذار ، أي الإعلام المقترن بالبشارة بحسن الجزاء على الإيمان والعمل الصالح . والمعنى وبشر الذين آمنوا منهم خاصة (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=2أن لهم قدم صدق عند ربهم ) يجزيهم به في الآخرة - والصدق في أصل اللغة ضد الكذب ، ثم أطلق على الإيمان وصدق النية والوفاء وسائر مواقف الفضائل ، ومنه في التنزيل (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=55مقعد صدق ) ( 54 : 55 ) و ( مدخل صدق ) ( 17 : 80 ) و (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=80مخرج صدق ) ( 17 : 80 ) و (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=2قدم صدق ) والقدم هاهنا السابقة والتقدم . قال
البيضاوي : سابقة ومنزلة رفيعة سميت قدما لأن السبق بها كما سميت النعمة يدا لأنها تعطى باليد ، وإضافتها إلى الصدق لتحققها ، والتنبيه على أنهم إنما ينالونها بصدق القول والنية (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=2قال الكافرون إن هذا لساحر مبين ) قرأ
ابن كثير والكوفيون ( لساحر ) يعنون النبي - صلى الله عليه وسلم - ، والباقون ( لسحر ) ويعنون به القرآن ، وكلا من القولين قد قالوا ، وكل من القولين يشير إلى إثبات رسالته - صلى الله عليه وسلم - ; فإن قولهم إن القرآن سحر جاء به ساحر يتضمن اعترافهم بأنهما فوق المعهود والمعلوم للبشر في عالم الأسباب المقدورة لهم ، وتأكيد قولهم بالجملة الاسمية وإن واللام ، وبوصف السحر أو الساحر بالمبين الظاهر يفيد الحصر كقول الوليد (
nindex.php?page=tafseer&surano=74&ayano=24إن هذا إلا سحر يؤثر ) يعني القرآن . وسموه سحرا لأنه خارق للعادة بقوة تأثيره في القلوب وجذبه للنفوس إلى الإيمان ، وحملها على احتقار الحياة ولذاتها في سبيل الله ، حتى إنه يفرق بين المرء وأخيه ، وأمه وأبيه ، وزوجه وبنيه ، وفصيلته التي تؤويه ، وتمنعه وتحميه . وإنما السحر ما كان بأسباب خفية خاصة ببعض الناس يتعلمها بعضهم من بعض ، وهي إما حيل وشعوذة ، وإما خواص طبيعية علمية مجهولة للجماهير ، وإما تأثير قوى النفس وتوجيه الإرادة ، وكلها من الأمور المشتركة بين الكثيرين من العارفين بها وقد استبان لعامة العرب ثم لغيرهم من شعوب العجم أن القرآن ليس بسحر يؤثر بالتعليم والصناعة ، بل هو مجموعة علوم عالية في العقائد والآداب والتشريع والاجتماع مرقية للعقول ، مزكية للأنفس ، مصلحة للناس ، وأنه معجز للبشر في أسلوبه ونظمه ومعانيه وهدايته وتشريعه وإخباره
[ ص: 120 ] بالغيب ( 1 ) وأن
محمدا - صلى الله عليه وسلم - مبلغ له ، ولم يكن ليقدر على شيء منه ، وقد عجز عنه غيره ، فثبت أنه نبي الله ورسوله ، وأن ما جاء به وحي منه تعالى .
وقد بينا
nindex.php?page=treesubj&link=29565حقيقة الوحي لغة وشرعا ، وإثباته لنبينا - صلى الله عليه وسلم - في مواضع : منها ما في بحث دلالة القرآن على نبوة
محمد - صلى الله عليه وسلم - وهو في ( ص 181 - 182 ج 1 ط الهيئة ) ومنها تفسير (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=163إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح ) ( 4 : 163 ) الآية . وهو في ( ص 55 وما بعدها ج 6 ط الهيئة ) . ومنها رد شبهات الكفار عليه في سورة الأنعام ( ص 258 - 267 ج 7 ط الهيئة ) ومنها في خلاصتهما ( ص 242 - 247 ج 8 ط الهيئة ) ومنها تحقيق القول في مسألة الكلام الإلهي بمناسبة تكليم الله
لموسى عليه السلام ( ص 154 وما بعدها ج 9 ط الهيئة ) وبقي علينا بسط القول في نبوة
محمد مع مثبتي الوحي ونفاته ، وشبهة النفاة لعالم الغيب عليها وتصويرهم للوحي إليه بغير صورته ، فنعقد له الفصل التالي :
[ ص: 118 ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
(
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=1nindex.php?page=treesubj&link=28981الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=2أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ ) .
( الر ) تُقْرَأُ هَذِهِ الْحُرُوفُ الثَّلَاثَةُ بِأَسْمَائِهَا سَاكِنَةً غَيْرَ مُعْرَبَةٍ هَكَذَا : أَلِفْ ، لَامْ ، رَا .
وَالْحَرْفُ الْأَخِيرُ غَيْرُ مَهْمُوزٍ . وَفَائِدَةُ النُّطْقِ بِهَا وَبِأَمْثَالِهَا هَكَذَا تَنْبِيهُ الَّذِينَ تُتْلَى عَلَيْهِمُ السُّورَةُ لِمَا بَعْدَهَا لِأَجْلِ الْعِنَايَةِ بِفَهْمِهِ حَتَّى لَا يَفُوتَهُمْ مِنْ سَمَاعِهِ شَيْءٌ ، وَهِيَ أَقْوَى فِي هَذَا التَّنْبِيهِ مِنْ حَرْفِ الْهَاءِ الْمَوْضُوعِ لَهُ فِي اسْمِ الْإِشَارَةِ ، وَمِنْ كَلِمَةِ ( ( أَلَا ) ) الِافْتِتَاحِيَّةِ ، وَقَدْ فَصَّلْنَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي أَوَّلِ تَفْسِيرِ سُورَةِ الْأَعْرَافِ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=1تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ ) أَيْ تِلْكَ الْآيَاتُ الْبَعِيدَةُ الشَّأْوِ ، الرَّفِيعَةُ الشَّأْنِ الَّتِي تَأَلَّفَتْ مِنْهَا هَذِهِ السُّورَةُ ، أَوِ الْقُرْآنُ كُلُّهُ ، هِيَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمَوْصُوفِ بِالْحِكْمَةِ فِي مَعَانِيهِ ، وَالْأَحْكَامِ فِي مَبَانِيهِ ، الْحَقِيقِ بِهِدَايَةِ مُتَدَبِّرِهِ وَوَاعِيهِ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=2أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ ) الِاسْتِفْهَامُ لِلتَّعَجُّبِ مِنْ عَجَبِ الْكُفَّارِ وَاسْتِنْكَارِ إِنْكَارِهِمْ لِلْوَحْيِ إِلَى رَجُلٍ مِنْ جِنْسِهِمْ ، وَالْوَحْيُ الْإِعْلَامُ الْخَفِيُّ الْخَاصُّ لِامْرِئٍ بِمَا يَخْفَى عَلَى غَيْرِهِ . أَيْ أَكَانَ إِيحَاؤُنَا إِلَى رَجُلٍ مِنَ النَّاسِ أَمْرًا نُكْرًا اتَّخَذُوهُ أُعْجُوبَةً بَيْنَهُمْ يَتَفَكَّهُونَ بِاسْتِغْرَابِهَا ؟ كَأَنَّ مُشَارَكَتَهُمْ لَهُ فِي الْبَشَرِيَّةِ يَمْنَعُ اخْتِصَاصَ اللَّهِ إِيَّاهُ بِمَا شَاءَ مِنَ الْعِلْمِ .
وَالْمُرَادُ بِالنَّاسِ كُفَّارُ
مَكَّةَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ فِي إِنْكَارِ نُبُوَّةِ
مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَعَبَّرَ عَنْهُمْ بِالنَّاسِ لِأَنَّ هَذِهِ الشُّبْهَةَ عَلَى الرِّسَالَةِ قَدْ سَبَقَتْهُمْ إِلَيْهَا أَقْوَامُ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَهُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قِصَّةِ
نُوحٍ [ ص: 119 ] وَهُوَ مِنْ سُورَةِ الْأَعْرَافِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=63أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ ) ( 7 : 63 و 69 ) وَهَذَا الْمَعْنَى مُكَرَّرٌ فِي الْقُرْآنِ ، وَقَدْ دَحَضْنَا هَذِهِ الشُّبْهَةَ فِي آخِرِ تَفْسِيرِ سُورَةِ الْأَنْعَامِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=2أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ ) ( ( أَنْ ) ) هَذِهِ مُفَسِّرَةٌ لِمَا قَبْلَهَا ، وَالْإِنْذَارُ الْإِعْلَامُ بِالتَّوْحِيدِ وَالْبَعْثِ وَسَائِرِ مَقَاصِدِ الدِّينِ الْمُقْتَرِنِ بِالتَّخْوِيفِ مِنْ عَاقِبَةِ الْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي ، أَيْ أَوْحَيْنَا إِلَيْهِ بِأَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ كَافَّةً (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=2وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ ) التَّبْشِيرُ مُقَابِلُ الْإِنْذَارِ ، أَيِ الْإِعْلَامُ الْمُقْتَرِنُ بِالْبِشَارَةِ بِحُسْنِ الْجَزَاءِ عَلَى الْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ . وَالْمَعْنَى وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ خَاصَّةً (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=2أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ ) يَجْزِيهِمْ بِهِ فِي الْآخِرَةِ - وَالصِّدْقُ فِي أَصْلِ اللُّغَةِ ضِدُّ الْكَذِبِ ، ثُمَّ أُطْلِقَ عَلَى الْإِيمَانِ وَصِدْقِ النِّيَّةِ وَالْوَفَاءِ وَسَائِرِ مَوَاقِفِ الْفَضَائِلِ ، وَمِنْهُ فِي التَّنْزِيلِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=55مَقْعَدِ صِدْقٍ ) ( 54 : 55 ) وَ ( مُدْخَلَ صِدْقٍ ) ( 17 : 80 ) وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=80مُخْرَجَ صِدْقٍ ) ( 17 : 80 ) وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=2قَدَمَ صِدْقٍ ) وَالْقَدَمُ هَاهُنَا السَّابِقَةُ وَالتَّقَدُّمُ . قَالَ
الْبَيْضَاوِيُّ : سَابِقَةٌ وَمَنْزِلَةٌ رَفِيعَةٌ سُمِّيَتْ قَدَمًا لِأَنَّ السَّبْقَ بِهَا كَمَا سُمِّيَتِ النِّعْمَةُ يَدًا لِأَنَّهَا تُعْطَى بِالْيَدِ ، وَإِضَافَتُهَا إِلَى الصِّدْقِ لِتَحَقُّقِهَا ، وَالتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّهُمْ إِنَّمَا يَنَالُونَهَا بِصِدْقِ الْقَوْلِ وَالنِّيَّةِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=2قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ ) قَرَأَ
ابْنُ كَثِيرٍ وَالْكُوفِيُّونَ ( لَسَاحِرٌ ) يَعْنُونَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَالْبَاقُونَ ( لَسِحْرٌ ) وَيَعْنُونَ بِهِ الْقُرْآنَ ، وَكُلًّا مِنَ الْقَوْلَيْنِ قَدْ قَالُوا ، وَكُلٌّ مِنَ الْقَوْلَيْنِ يُشِيرُ إِلَى إِثْبَاتِ رِسَالَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ; فَإِنَّ قَوْلَهُمْ إِنَّ الْقُرْآنَ سِحْرٌ جَاءَ بِهِ سَاحِرٌ يَتَضَمَّنُ اعْتِرَافَهُمْ بِأَنَّهُمَا فَوْقَ الْمَعْهُودِ وَالْمَعْلُومِ لِلْبَشَرِ فِي عَالَمِ الْأَسْبَابِ الْمَقْدُورَةِ لَهُمْ ، وَتَأْكِيدُ قَوْلِهِمْ بِالْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ وَإِنَّ وَاللَّامِ ، وَبِوَصْفِ السِّحْرِ أَوِ السَّاحِرِ بِالْمُبِينِ الظَّاهِرِ يُفِيدُ الْحَصْرَ كَقَوْلِ الْوَلِيدِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=74&ayano=24إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ ) يَعْنِي الْقُرْآنَ . وَسَمَّوْهُ سِحْرًا لِأَنَّهُ خَارِقٌ لِلْعَادَةِ بِقُوَّةِ تَأْثِيرِهِ فِي الْقُلُوبِ وَجَذْبِهِ لِلنُّفُوسِ إِلَى الْإِيمَانِ ، وَحَمْلِهَا عَلَى احْتِقَارِ الْحَيَاةِ وَلَذَّاتِهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، حَتَّى إِنَّهُ يُفَرِّقُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَأَخِيهِ ، وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ ، وَزَوْجِهِ وَبَنِيهِ ، وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ ، وَتَمْنَعُهُ وَتَحْمِيهِ . وَإِنَّمَا السِّحْرُ مَا كَانَ بِأَسْبَابٍ خَفِيَّةٍ خَاصَّةٍ بِبَعْضِ النَّاسِ يَتَعَلَّمُهَا بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ ، وَهِيَ إِمَّا حِيَلٌ وَشَعْوَذَةٌ ، وَإِمَّا خَوَاصُّ طَبِيعِيَّةٌ عِلْمِيَّةٌ مَجْهُولَةٌ لِلْجَمَاهِيرِ ، وَإِمَّا تَأْثِيرُ قُوَى النَّفْسِ وَتَوْجِيهُ الْإِرَادَةِ ، وَكُلُّهَا مِنَ الْأُمُورِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَ الْكَثِيرِينَ مِنَ الْعَارِفِينَ بِهَا وَقَدِ اسْتَبَانَ لِعَامَّةِ الْعَرَبِ ثُمَّ لِغَيْرِهِمْ مِنْ شُعُوبِ الْعَجَمِ أَنَّ الْقُرْآنَ لَيْسَ بِسِحْرٍ يُؤْثَرُ بِالتَّعْلِيمِ وَالصِّنَاعَةِ ، بَلْ هُوَ مَجْمُوعَةُ عُلُومٍ عَالِيَةٍ فِي الْعَقَائِدِ وَالْآدَابِ وَالتَّشْرِيعِ وَالِاجْتِمَاعِ مُرَقِّيَةٌ لِلْعُقُولِ ، مُزَكِّيَةٌ لِلْأَنْفُسِ ، مُصْلِحَةٌ لِلنَّاسِ ، وَأَنَّهُ مُعْجِزٌ لِلْبَشَرِ فِي أُسْلُوبِهِ وَنَظْمِهِ وَمَعَانِيهِ وَهِدَايَتِهِ وَتَشْرِيعِهِ وَإِخْبَارِهِ
[ ص: 120 ] بِالْغَيْبِ ( 1 ) وَأَنَّ
مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُبَلِّغٌ لَهُ ، وَلَمْ يَكُنْ لِيَقْدِرَ عَلَى شَيْءٍ مِنْهُ ، وَقَدْ عَجَزَ عَنْهُ غَيْرُهُ ، فَثَبَتَ أَنَّهُ نَبِيُّ اللَّهِ وَرَسُولُهُ ، وَأَنَّ مَا جَاءَ بِهِ وَحْيٌ مِنْهُ تَعَالَى .
وَقَدْ بَيَّنَّا
nindex.php?page=treesubj&link=29565حَقِيقَةَ الْوَحْيِ لُغَةً وَشَرْعًا ، وَإِثْبَاتَهُ لِنَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَوَاضِعَ : مِنْهَا مَا فِي بَحْثِ دَلَالَةِ الْقُرْآنِ عَلَى نُبُوَّةِ
مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ فِي ( ص 181 - 182 ج 1 ط الْهَيْئَةِ ) وَمِنْهَا تَفْسِيرُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=163إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ ) ( 4 : 163 ) الْآيَةَ . وَهُوَ فِي ( ص 55 وَمَا بَعْدَهَا ج 6 ط الْهَيْئَةِ ) . وَمِنْهَا رَدُّ شُبَهَاتِ الْكُفَّارِ عَلَيْهِ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ ( ص 258 - 267 ج 7 ط الْهَيْئَةِ ) وَمِنْهَا فِي خُلَاصَتِهِمَا ( ص 242 - 247 ج 8 ط الْهَيْئَةِ ) وَمِنْهَا تَحْقِيقُ الْقَوْلِ فِي مَسْأَلَةِ الْكَلَامِ الْإِلَهِيِّ بِمُنَاسَبَةِ تَكْلِيمِ اللَّهِ
لِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ ( ص 154 وَمَا بَعْدَهَا ج 9 ط الْهَيْئَةِ ) وَبَقِيَ عَلَيْنَا بَسْطُ الْقَوْلِ فِي نُبُوَّةِ
مُحَمَّدٍ مَعَ مُثْبِتِي الْوَحْيِ وَنُفَاتِهِ ، وَشُبْهَةُ النُّفَاةِ لِعَالَمِ الْغَيْبِ عَلَيْهَا وَتَصْوِيرُهُمْ لِلْوَحْيِ إِلَيْهِ بِغَيْرِ صُورَتِهِ ، فَنَعْقِدُ لَهُ الْفَصْلَ التَّالِيَ :