( نصوص القرآن في إيجاب
nindex.php?page=treesubj&link=19830_25986العدل المطلق والمساواة فيه وحظر الظلم )
لما كان العدل أساس الأحكام ، وميزان التشريع وقسطاسه المستقيم ، أكد الله تعالى الأمر به والمساواة فيه بين الناس في السور المكية والمدنية . قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=90إن الله يأمر بالعدل والإحسان ( 16 : 90 ) وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=58إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل ( 4 : 58 ) وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=135ياأيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا ) ( 4 : 135 ) أمر تعالى المؤمنين بالمبالغة في القيام بالقسط وهو العدل ؛ فإن القوام ( بتشديد الواو ) صيغة مبالغة للفاعل بالقيام بالأمر وعدم التهاون والتقصير فيه ، وبأن تكون شهادتهم في المحاكمات وغيرها لله عز وجل لا لهوى ولا مصلحة أحد ، ولو كانت على أنفسهم أو والديهم والأقربين منهم ، وألا يحابوا فيها غنيا لغناه تقربا إليه أو تكريما له ، ولا فقيرا لفقره رحمة به وشفقة عليه ، ونهاهم عن اتباع الهوى في الحكم أو الشهادة كراهة ألا يعدلوا فيهما لمراعاة من ذكر من الناس ، وأنذرهم عقابه إن لووا ومالوا عن الحق أو أعرضوا عنه .
[ ص: 222 ] وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=8ياأيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون ) ( 5 : 8 ) فهذه الآية متممة لما قبلها فهناك يأمر بالمساواة في العدل والشهادة بين النفس وغيرها ، وبين القريب والبعيد ، وبين الغني والفقير ، وهاهنا يأمر بالمساواة فيهما بين الإنسان وأعدائه مهما يكن سبب عداوتهم لا فرق فيها بين ديني ودنيوي ، فالشنآن : البغض والعداوة ، وقيل مع الاحتقار وقد قال (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=8ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا ) ( 5 : 8 ) لا يحملنكم بغضهم وعداوتهم لكم أو بغضكم وعداوتكم لهم على ترك العدل فيهم ، فالعدل بالمساواة أقرب إلى تقوى الله ، وأنذر تارك العدل للشنآن بمثل ما أنذر تاركه للمحاباة ، أنذر كلا منهما بأن الله خبير بما يعمله لا يخفى عليه منه شيء ، فهو يحاسبه على عمله وعلى نيته وقصده منه ، فيثيبه أو يعاقبه على ما يعلم من أمره .
فالعدل هو الميزان في قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=17الله الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان ) ( 42 : 17 ) وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=25لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس ) ( 57 : 25 ) الآية : فخير الناس من يصدهم عن الظلم والعدوان هداية القرآن ، ويليهم من يصدهم العدل الذي يقيمه السلطان ، وشرهم من لا علاج له إلا السيف والسنان ، وهو المراد بالحديد .
فقوام صلاح العالم بالإيمان بالكتاب الذي يحرم الظلم وسائر المفاسد ، فيجتنبها المؤمن خوفا من عذاب الله في الدنيا والآخرة ورجاء في ثوابه فيهما ، وبالعدل في الأحكام الذي يردع الناس عن الظلم بعقاب السلطان .
ويؤيد قاعدة إقامة العدل ما ورد في تحريم الظلم والوعيد الشديد عليه . فقد ذكر الظلم في مئات من آيات القرآن أسوأ الذكر ، وقرن في بعضها بأسوأ العواقب في الدنيا والآخرة ، وأن الجزاء عليه فيهما أثر لازم له لزوم المعلول للعلة والمسبب للسبب ، وأن الناس هم الذين يظلمون أنفسهم (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=49ولا يظلم ربك أحدا ) ( 18 : 49 ) ومن أثره وعاقبته في الدنيا أنه مهلك الأمم ومخرب العمران ، قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=117وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون ) ( 11 : 117 ) أي ما كان من شأنه ولا من سنته في نظام الاجتماع أن يهلك الأمم بظلم منه لهم ، أو بشرك به يقع منهم ، وهم مصلحون في سيرتهم وأعمالهم ، وإنما يهلكهم بظلمهم وإفسادهم ، كما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=59وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعدا ) ( 18 : 59 ) وقال في الأحكام : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=45ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون ) ( 5 : 45 ) ورد هذا في حكم القصاص .
( نُصُوصُ الْقُرْآنِ فِي إِيجَابِ
nindex.php?page=treesubj&link=19830_25986الْعَدْلِ الْمُطْلَقِ وَالْمُسَاوَاةِ فِيهِ وَحَظْرِ الظُّلْمِ )
لَمَّا كَانَ الْعَدْلُ أَسَاسَ الْأَحْكَامِ ، وَمِيزَانَ التَّشْرِيعِ وَقِسْطَاسَهُ الْمُسْتَقِيمَ ، أَكَّدَ اللَّهُ تَعَالَى الْأَمْرَ بِهِ وَالْمُسَاوَاةَ فِيهِ بَيْنَ النَّاسِ فِي السُّوَرِ الْمَكِّيَّةِ وَالْمَدَنِيَّةِ . قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=90إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ ( 16 : 90 ) وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=58إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ( 4 : 58 ) وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=135يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ) ( 4 : 135 ) أَمَرَ تَعَالَى الْمُؤْمِنِينَ بِالْمُبَالَغَةِ فِي الْقِيَامِ بِالْقِسْطِ وَهُوَ الْعَدْلُ ؛ فَإِنَّ الْقَوَّامَ ( بِتَشْدِيدِ الْوَاوِ ) صِيغَةُ مُبَالَغَةٍ لِلْفَاعِلِ بِالْقِيَامِ بِالْأَمْرِ وَعَدَمِ التَّهَاوُنِ وَالتَّقْصِيرِ فِيهِ ، وَبِأَنْ تَكُونَ شَهَادَتُهُمْ فِي الْمُحَاكَمَاتِ وَغَيْرِهَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَا لِهَوَى وَلَا مَصْلَحَةِ أَحَدٍ ، وَلَوْ كَانَتْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَوْ وَالِدَيْهِمْ وَالْأَقْرَبِينَ مِنْهُمْ ، وَأَلَّا يُحَابُوا فِيهَا غَنِيًّا لِغِنَاهُ تَقَرُّبًا إِلَيْهِ أَوْ تَكْرِيمًا لَهُ ، وَلَا فَقِيرًا لِفَقْرِهِ رَحْمَةً بِهِ وَشَفَقَةً عَلَيْهِ ، وَنَهَاهُمْ عَنِ اتِّبَاعِ الْهَوَى فِي الْحُكْمِ أَوِ الشَّهَادَةِ كَرَاهَةً أَلَّا يَعْدِلُوا فِيهِمَا لِمُرَاعَاةِ مَنْ ذُكِرَ مِنَ النَّاسِ ، وَأَنْذَرَهُمْ عِقَابَهُ إِنْ لَوَوْا وَمَالُوا عَنِ الْحَقِّ أَوْ أَعْرَضُوا عَنْهُ .
[ ص: 222 ] وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=8يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) ( 5 : 8 ) فَهَذِهِ الْآيَةُ مُتَمِّمَةٌ لِمَا قَبْلَهَا فَهُنَاكَ يَأْمُرُ بِالْمُسَاوَاةِ فِي الْعَدْلِ وَالشَّهَادَةِ بَيْنَ النَّفْسِ وَغَيْرِهَا ، وَبَيْنَ الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ ، وَبَيْنَ الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ ، وَهَاهُنَا يَأْمُرُ بِالْمُسَاوَاةِ فِيهِمَا بَيْنَ الْإِنْسَانِ وَأَعْدَائِهِ مَهْمَا يَكُنْ سَبَبُ عَدَاوَتِهِمْ لَا فَرْقَ فِيهَا بَيْنَ دِينِيٍّ وَدُنْيَوِيٍّ ، فَالشَّنَآنُ : الْبُغْضُ وَالْعَدَاوَةُ ، وَقِيلَ مَعَ الِاحْتِقَارِ وَقَدْ قَالَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=8وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا ) ( 5 : 8 ) لَا يَحْمِلَنَّكُمْ بُغْضُهُمْ وَعَدَاوَتُهُمْ لَكُمْ أَوْ بُغْضُكُمْ وَعَدَاوَتُكُمْ لَهُمْ عَلَى تَرْكِ الْعَدْلِ فِيهِمْ ، فَالْعَدْلُ بِالْمُسَاوَاةِ أَقْرُبُ إِلَى تَقْوَى اللَّهِ ، وَأَنْذَرَ تَارِكَ الْعَدْلِ لِلشَّنَآنِ بِمِثْلِ مَا أَنْذَرَ تَارِكَهُ لِلْمُحَابَاةِ ، أَنْذَرَ كُلًّا مِنْهُمَا بِأَنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَعْمَلُهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهُ شَيْءٌ ، فَهُوَ يُحَاسِبُهُ عَلَى عَمَلِهِ وَعَلَى نِيَّتِهِ وَقَصْدِهِ مِنْهُ ، فَيُثِيبُهُ أَوْ يُعَاقِبُهُ عَلَى مَا يَعْلَمُ مِنْ أَمْرِهِ .
فَالْعَدْلُ هُوَ الْمِيزَانُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=17اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ ) ( 42 : 17 ) وَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=25لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ ) ( 57 : 25 ) الْآيَةَ : فَخَيْرُ النَّاسِ مَنْ يَصُدُّهُمْ عَنِ الظُّلْمِ وَالْعُدْوَانِ هِدَايَةُ الْقُرْآنِ ، وَيَلِيهِمْ مَنْ يَصُدُّهُمُ الْعَدْلُ الَّذِي يُقِيمُهُ السُّلْطَانُ ، وَشَرُّهُمْ مَنْ لَا عِلَاجَ لَهُ إِلَّا السَّيْفُ وَالسِّنَانُ ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْحَدِيدِ .
فَقِوَامُ صَلَاحِ الْعَالَمِ بِالْإِيمَانِ بِالْكِتَابِ الَّذِي يُحَرِّمُ الظُّلْمَ وَسَائِرَ الْمَفَاسِدِ ، فَيَجْتَنِبُهَا الْمُؤْمِنُ خَوْفًا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَرَجَاءً فِي ثَوَابِهِ فِيهِمَا ، وَبِالْعَدْلِ فِي الْأَحْكَامِ الَّذِي يَرْدَعُ النَّاسَ عَنِ الظُّلْمِ بِعِقَابِ السُّلْطَانِ .
وَيُؤَيِّدُ قَاعِدَةَ إِقَامَةِ الْعَدْلِ مَا وَرَدَ فِي تَحْرِيمِ الظُّلْمِ وَالْوَعِيدِ الشَّدِيدِ عَلَيْهِ . فَقَدْ ذُكِرَ الظُّلْمُ فِي مِئَاتٍ مِنْ آيَاتِ الْقُرْآنِ أَسْوَأَ الذِّكْرِ ، وَقُرِنَ فِي بَعْضِهَا بِأَسْوَأِ الْعَوَاقِبِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، وَأَنَّ الْجَزَاءَ عَلَيْهِ فِيهِمَا أَثَرٌ لَازِمٌ لَهُ لُزُومَ الْمَعْلُولِ لِلْعِلَّةِ وَالْمُسَبَّبِ لِلسَّبَبِ ، وَأَنَّ النَّاسَ هُمُ الَّذِينَ يَظْلِمُونَ أَنْفُسَهُمْ (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=49وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ) ( 18 : 49 ) وَمِنْ أَثَرِهِ وَعَاقِبَتِهِ فِي الدُّنْيَا أَنَّهُ مُهْلِكُ الْأُمَمِ وَمُخَرِّبُ الْعُمْرَانِ ، قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=117وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ ) ( 11 : 117 ) أَيْ مَا كَانَ مِنْ شَأْنِهِ وَلَا مِنْ سُنَّتِهِ فِي نِظَامِ الِاجْتِمَاعِ أَنْ يُهْلِكَ الْأُمَمَ بِظُلْمٍ مِنْهُ لَهُمْ ، أَوْ بِشِرْكٍ بِهِ يَقَعُ مِنْهُمْ ، وَهُمْ مُصْلِحُونَ فِي سِيرَتِهِمْ وَأَعْمَالِهِمْ ، وَإِنَّمَا يُهْلِكُهُمْ بِظُلْمِهِمْ وَإِفْسَادِهِمْ ، كَمَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=59وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا ) ( 18 : 59 ) وَقَالَ فِي الْأَحْكَامِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=45وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) ( 5 : 45 ) وَرَدَ هَذَا فِي حُكْمِ الْقِصَاصِ .