المقصد السابع من فقه القرآن
(
nindex.php?page=treesubj&link=20092الإرشاد إلى الإصلاح المالي )
( تمهيد ) بينا مقاصد القرآن أو أصول فقهه في إصلاح البشر من طريق التدين والإيمان ، والعمل والإذعان ، ومن طريق العقل والبرهان والفكر والوجدان ، ومن طريق الحكم العادل والسلطان ، وما يتعلق منه بالإفراد ، وما يتعلق منه بوحدة الإنسانية والأجناس ، وبقي ما يتعلق بفقهه في إصلاح المفاسد الاجتماعية الكبرى الذي يتوقف كماله على ما تقدم كله وهي : - طغيان الثروة ودولتها . عدوان الحرب وقسوتها . ظلم المرأة واستباحتها . ظلم الضعفة والأسرى وسلب حريتهم ، وهو الرق المطلق - ذلك بأن جميع حظوظ الدنيا منوطة - منها ، ولا يتم الإصلاح فيها إلا بتعاون الدين والعقل ، والعلم والحكمة والحكم وإننا نتكلم عليها بالإجمال ، مبتدئين بالمال ، والآيات فيه تدور على سبعة أقطاب ، فنقول :
( 1 - القاعدة العامة في المال كونه فتنة واختبارا في الخير والشر )
nindex.php?page=treesubj&link=32944القاعدة الأساسية للقرآن في المال أنه فتنة ، أي اختبار وامتحان للبشر في حياتهم الدنيوية من معايش ومصالح ، إذ هو الوسيلة إلى الإصلاح والإفساد ، والخير والشر والبر والفجور وهو مثار التنازع والتنافس في كسبه وإنفاقه ، وكنزه واحتكاره وجعله دولة بين الأغنياء وتداوله في المصالح والمنافع بين الناس .
قال الله عز وجل : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=186لتبلون في أموالكم وأنفسكم ) ( 3 : 186 ) وقال حكاية عن نبيه
سليمان عليه السلام حين رأى عرش ملكة
سبأ مستقرا عنده : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=40هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر ) ( 27 : 40 )
[ ص: 224 ] الآية . وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=37وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى إلا من آمن وعمل صالحا فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا ) ( 34 : 37 ) الآية . وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=39وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون ) ( 30 : 39 ) وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=14زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة ) ( 3 : 14 ) الآية . وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=28واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة وأن الله عنده أجر عظيم ) ( 8 : 28 ) ومثلها في سورة التغابن ( 64 : 15 ) ويليها الترغيب في الإنفاق وقصر الفلاح على الوقاية من شح النفس ، وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=46المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا ) ( 18 : 46 ) انظر هذا مع قوله تعالى في أول هذه السورة وهي الكهف : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=7إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا ) ( 7 ) والمراد من العمل ما يتعلق بما على الأرض من العمران ، وأحسنه أنفعه للناس وأرضاه لله بشكره ، ثم ما ضربه من المثل بصاحبي الجنتين ، والمثل للحياة الدنيا بنبات الأرض .
وقال تعالى في تعليل قسمة الفيء بين مستحقيه : (
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=7كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم ) ( 59 : 7 ) والدولة بضم الدال المال المتداول ، أي لئلا يكون المال محصورا في الأغنياء متداولا بينهم وحدهم . وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=34والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم ) ( 9 : 34 ) إلخ ، الكنز هو المنع من التداول الذي يكون به المال نافعا للناس .
والشواهد في فتنة المال في القرآن كثيرة تجد الكلام عليها في مواضع من هذا التفسير ولا سيما الجزء العاشر منه فمن الآيات في ارتباط السعادة والفلاح بإنفاق المال والشقاء بمنعه ما هو للترهيب وما هو للترغيب ، وجمع بين الترغيب والترهيب في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=195وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ) ( 2 : 195 ) الآية ، أي إن منع إنفاق المال في سبيل الله من أسباب التهلكة ، ثم قال في الترغيب : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=195وأحسنوا إن الله يحب المحسنين ) ( 2 : 195 ) وكذا قوله تعالى من سورة الليل : ( 92 : 5 - 11 ) .
ويؤيد ذلك شواهد القطب الثاني من آيات المال وهي :
الْمَقْصِدُ السَّابِعُ مِنْ فِقْهِ الْقُرْآنِ
(
nindex.php?page=treesubj&link=20092الْإِرْشَادُ إِلَى الْإِصْلَاحِ الْمَالِيِّ )
( تَمْهِيدٌ ) بَيِّنَّا مَقَاصِدَ الْقُرْآنِ أَوْ أُصُولَ فِقْهِهِ فِي إِصْلَاحِ الْبَشَرِ مِنْ طَرِيقِ التَّدَيُّنِ وَالْإِيمَانِ ، وَالْعَمَلِ وَالْإِذْعَانِ ، وَمِنْ طَرِيقِ الْعَقْلِ وَالْبُرْهَانِ وَالْفِكْرِ وَالْوِجْدَانِ ، وَمِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ الْعَادِلِ وَالسُّلْطَانِ ، وَمَا يَتَعَلَّقُ مِنْهُ بِالْإِفْرَادِ ، وَمَا يَتَعَلَّقُ مِنْهُ بِوَحْدَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ وَالْأَجْنَاسِ ، وَبَقِيَ مَا يَتَعَلَّقُ بِفِقْهِهِ فِي إِصْلَاحِ الْمَفَاسِدِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ الْكُبْرَى الَّذِي يَتَوَقَّفُ كَمَالُهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ كُلِّهِ وَهِيَ : - طُغْيَانُ الثَّرْوَةِ وَدَوْلَتِهَا . عُدْوَانُ الْحَرْبِ وَقَسْوَتُهَا . ظُلْمُ الْمَرْأَةِ وَاسْتِبَاحَتُهَا . ظُلْمُ الضَّعْفَةِ وَالْأَسْرَى وَسَلْبُ حُرِّيَّتِهِمْ ، وَهُوَ الرِّقُّ الْمُطْلِقُ - ذَلِكَ بِأَنَّ جَمِيعَ حُظُوظِ الدُّنْيَا مَنُوطَةٌ - مِنْهَا ، وَلَا يَتِمُّ الْإِصْلَاحُ فِيهَا إِلَّا بِتَعَاوُنِ الدِّينِ وَالْعَقْلِ ، وَالْعِلْمِ وَالْحِكْمَةِ وَالْحُكْمِ وَإِنَّنَا نَتَكَلَّمُ عَلَيْهَا بِالْإِجْمَالِ ، مُبْتَدِئِينَ بِالْمَالِ ، وَالْآيَاتُ فِيهِ تَدُورُ عَلَى سَبْعَةِ أَقْطَابٍ ، فَنَقُولُ :
( 1 - الْقَاعِدَةُ الْعَامَّةُ فِي الْمَالِ كَوْنُهُ فِتْنَةً وَاخْتِبَارًا فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ )
nindex.php?page=treesubj&link=32944الْقَاعِدَةُ الْأَسَاسِيَّةُ لِلْقُرْآنِ فِي الْمَالِ أَنَّهُ فِتْنَةٌ ، أَيِ اخْتِبَارٌ وَامْتِحَانٌ لِلْبَشَرِ فِي حَيَاتِهِمُ الدُّنْيَوِيَّةِ مِنْ مَعَايِشَ وَمَصَالِحَ ، إِذْ هُوَ الْوَسِيلَةُ إِلَى الْإِصْلَاحِ وَالْإِفْسَادِ ، وَالْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَالْبِرِّ وَالْفُجُورِ وَهُوَ مَثَارُ التَّنَازُعِ وَالتَّنَافُسِ فِي كَسْبِهِ وَإِنْفَاقِهِ ، وَكَنْزِهِ وَاحْتِكَارِهِ وَجَعْلِهِ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ وَتَدَاوُلِهِ فِي الْمَصَالِحِ وَالْمَنَافِعِ بَيْنَ النَّاسِ .
قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=186لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ) ( 3 : 186 ) وَقَالَ حِكَايَةً عَنْ نَبِيِّهِ
سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ حِينَ رَأَى عَرْشَ مَلِكَةِ
سَبَأٍ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=40هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكَرُ أَمْ أَكْفُرُ ) ( 27 : 40 )
[ ص: 224 ] الْآيَةَ . وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=37وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضَّعْفِ بِمَا عَمِلُوا ) ( 34 : 37 ) الْآيَةَ . وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=39وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ ) ( 30 : 39 ) وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=14زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ) ( 3 : 14 ) الْآيَةَ . وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=28وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ) ( 8 : 28 ) وَمِثْلُهَا فِي سُورَةِ التَّغَابُنِ ( 64 : 15 ) وَيَلِيهَا التَّرْغِيبُ فِي الْإِنْفَاقِ وَقَصْرُ الْفَلَاحِ عَلَى الْوِقَايَةِ مِنْ شُحِّ النَّفْسِ ، وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=46الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا ) ( 18 : 46 ) انْظُرْ هَذَا مَعَ قَوْلِهِ تَعَالَى فِي أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ وَهِيَ الْكَهْفُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=7إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ) ( 7 ) وَالْمُرَادُ مِنَ الْعَمَلِ مَا يَتَعَلَّقُ بِمَا عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْعُمْرَانِ ، وَأَحْسَنُهُ أَنْفَعُهُ لِلنَّاسِ وَأَرْضَاهُ لِلَّهِ بِشُكْرِهِ ، ثُمَّ مَا ضَرَبَهُ مِنَ الْمَثَلِ بِصَاحِبَيِ الْجَنَّتَيْنِ ، وَالْمَثَلِ لِلْحَيَاةِ الدُّنْيَا بِنَبَاتِ الْأَرْضِ .
وَقَالَ تَعَالَى فِي تَعْلِيلِ قِسْمَةِ الْفَيْءِ بَيْنَ مُسْتَحِقِّيهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=7كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ ) ( 59 : 7 ) وَالدُّولَةُ بِضَمِّ الدَّالِّ الْمَالُ الْمُتَدَاوَلُ ، أَيْ لِئَلَّا يَكُونَ الْمَالُ مَحْصُورًا فِي الْأَغْنِيَاءِ مُتَدَاوَلًا بَيْنَهُمْ وَحْدَهُمْ . وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=34وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ) ( 9 : 34 ) إِلَخْ ، الْكَنْزُ هُوَ الْمَنْعُ مِنَ التَّدَاوُلِ الَّذِي يَكُونُ بِهِ الْمَالُ نَافِعًا لِلنَّاسِ .
وَالشَّوَاهِدُ فِي فِتْنَةِ الْمَالِ فِي الْقُرْآنِ كَثِيرَةٌ تَجِدُ الْكَلَامَ عَلَيْهَا فِي مَوَاضِعَ مِنْ هَذَا التَّفْسِيرِ وَلَا سِيَّمَا الْجُزْءِ الْعَاشِرِ مِنْهُ فَمِنَ الْآيَاتِ فِي ارْتِبَاطِ السَّعَادَةِ وَالْفَلَاحِ بِإِنْفَاقِ الْمَالِ وَالشَّقَاءِ بِمَنْعِهِ مَا هُوَ لِلتَّرْهِيبِ وَمَا هُوَ لِلتَّرْغِيبِ ، وَجَمَعَ بَيْنَ التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=195وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) ( 2 : 195 ) الْآيَةَ ، أَيْ إِنَّ مَنْعَ إِنْفَاقِ الْمَالِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مِنْ أَسْبَابِ التَّهْلُكَةِ ، ثُمَّ قَالَ فِي التَّرْغِيبِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=195وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) ( 2 : 195 ) وَكَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى مِنْ سُورَةِ اللَّيْلِ : ( 92 : 5 - 11 ) .
وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ شَوَاهِدُ الْقُطْبِ الثَّانِي مِنْ آيَاتِ الْمَالِ وَهِيَ :