[ ص: 286 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=25والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=26للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=27والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها وترهقهم ذلة ما لهم من الله من عاصم كأنما أغشيت وجوههم قطعا من الليل مظلما أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ) .
لما بين عز وجل غرور المشركين الجاهلين بمتاع الحياة الدنيا ، قفى عليه ببيان ما يدعو إليه من سعادة الآخرة ووصف حال المحسنين والمسيئين فيها فقال :
(
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=25nindex.php?page=treesubj&link=28981والله يدعو إلى دار السلام ) الجملة عطف على محذوف يدل عليه السياق وقرينة المقابلة أي ذاك الإيثار لمتاع الدنيا والإسراف والبغي فيه ، هو ما يدعو إليه الشيطان ، فيسوق متبعيه إلى النار ، دار الخزي والنكال ، والله يدعو عباده إلى دار السلام وهي الجنة ، وفي المراد بــ ( ( السلام ) ) الذي أضيفت إليه ( ( الدار ) ) وجوه يصح أن تراد كلها ( أولها ) أنه السلامة من جميع الشوائب والمصائب والمعايب ، والنقائص والأكدار ، والعداوة ، والخصام ، ( الثاني ) أنه تحية الله وملائكته لأهلها ، وتحية بعضهم لبعض الدالة على تحابهم وتوادهم وقد تقدم شرحه قريبا . ( ثالثها ) أن ( ( السلام ) ) من أسمائه عز وجل ، وأضيفت دار النعيم إليه تعظيما لشأنها ، وهو مصدر وصف به للمبالغة كالعدل ، ويدل على كمال التنزيه والسلامة من كل ما لا يليق برب العالمين الرحمن الرحيم ، وفي بعض الأحاديث إضافة هذه الدار إلى ضمير الذات ( داري ) .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=25ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ) عطف على ما قبله ، أي يدعو كل أحد إلى دخول ( ( دار السلام ) ) ويهدي من يشاء إلى الطريق الموصل إليها من غير تعويق ؛ لأنه مستقيم لا عوج فيه ولا التواء ، وهو الإسلام عقائده وفضائله وعباداته وأحكامه ، والهداية في الأصل الدلالة بلطف ، وتكون بالتشريع وهو بيانه ، وهي عامة ، وبالتوفيق للسير عليه والاستقامة
[ ص: 287 ] الموصلة إلى الغاية ، وهي خاصة بالمستعدين لذلك كما فصلناه في تفسير سورة الفاتحة ، وهي المرادة هنا ولذلك قيدها بالمشيئة .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=26للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ) هذا بيان لصفة الذين هداهم إلى صراط الإسلام ، فوصلوا بالسير عليه إلى غايته وهي ( ( دار السلام ) ) أي للذين أحسنوا أعمالهم في الدنيا المثوبة ( ( الحسنى ) ) أي التي تزيد في الحسن على إحسانهم ، وهي مضاعفتها بعشرة أمثالها أو أكثر ، كما قال في سورة النجم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=31ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى ) ( 53 : 31 ) ولهم زيادة على هذه الحسنى ، وهي فوق ما يستحقونه على أعمالهم بعد مضاعفتها التي هي من جزائها مهما تكن حسنة ، كما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=173فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله ) ( 4 : 173 ) وقد ورد في الأحاديث الكثيرة من الطرق العديدة أن هذه الزيادة هي
nindex.php?page=treesubj&link=29714_30405النظر إلى وجه الله الكريم ، وهو أعلى مراتب الكمال الروحاني الذي لا يصل إليه المتقون المحسنون العارفون إلا في الآخرة ، وقد فصلنا القول فيه في تفسير سورة الأعراف ( ص 112 وما بعدها ج 9 ط الهيئة ) بما يقربه من العقل والعلم العصري ، ويدحض شبهات
المعتزلة المنكرين له بزعمهم أنه محال عقلا ، وما هذا المحال إلا نظريات عقولهم التي تقيس عالم الغيب على عالم الشهادة ، وقد ظهر في هذا العصر من علوم المادة ما لم يكن يقبله عقل من العقول المقيدة بتلك النظريات المتولدة من الفلسفة اليونانية والكلام الجهمي ، فكيف يكون عالم الغيب الإلهي مقيدا بها ؟ !
وثم وراء العقل علم يدق عن مدارك غايات العقول السليمة
(
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=26ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة ) رهق الرجل الشيء ( كتعب ) أدركه ورهقه الشيء كالدين والذل غشيه ، وغلب عليه حتى غطاه وحجبه : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=73ولا ترهقني من أمري عسرا ) ( 18 : 73 ) لا تكلفني ما يعسر علي ، والقتر : الدخان الساطع من الشواء والحطب وكل غبرة فيها سواد أي لا يغشى وجوههم في الآخرة شيء مما يغشى وجوه الكفرة الفجرة من الكسوف والظلمة والذلة ، كما يأتي قريبا في المقابلة بين الفريقين (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=26أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون ) أولئك الموصوفون بما ذكر أصحاب الجنة دار السلام والإكرام ، خالدون مقيمون فيها لا يبرحونها والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها جزاء وفاقا ، لا يزادون على ما يستحقون بسيئاتهم من العذاب شيئا وترهقهم ذلة أي تغشاهم ذلة الفضيحة وكسوف الخزي بما يظهره حسابهم من شرك وظلم وزور وفجور (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=27ما لهم من الله من عاصم ) ما لهم من أحد ولا من شيء يعصمهم ويمنعهم من عذاب الله ، كالذين اتخذوهم في الدنيا من الشركاء ، وزعموهم من الأولياء والشفعاء . وانتحلوهم من الوسائل والوسطاء ؛ لأنه اليوم الذي تنقطع فيه الأسباب التي مضت بها سنن الله تعالى في الدنيا ، فأنى تفيد فيه المزاعم الشركية الوهمية : (
nindex.php?page=tafseer&surano=82&ayano=19يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والأمر يومئذ لله ) ( 82 : 19 )
[ ص: 288 ] أو ما لهم من عند الله ومن فضله من عاصم يحفظهم من عذابه كعفوه ومغفرته ؛ فإنه لا يغفر أن يشرك به ، كالشفعاء الذين يشفعون بإذنه لمن ارتضى من عباده إظهارا لكرامتهم ؛ لأن هذه الشفاعة الخاصة لا نصيب فيها لمنتحلي الشفاعة الشركية ، الذين كانوا يزعمون في الدنيا أن لشفعائهم تأثيرا في مشيئة الله وأفعاله ، حتى يحملوه على فعل ما لم يكن يفعله لولا شفاعتهم ، فيجعلون ذاته وصفاته وأفعاله معلولة تابعة لما يطلبونه منه ، وأما شفاعة الإيمان الصحيحة فهي تابعة لمشيئته ولمرضاته (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=28ولا يشفعون إلا لمن ارتضى ) ( 21 : 28 ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=27كأنما أغشيت وجوههم قطعا من الليل مظلما ) أي كأنما قد لوجوههم قطع من أديم الليل ، حالة كونه حالكا مظلما ، ليس فيه بصيص من نور قمر طالع ، ولا نجم ثاقب ، فأغشيتها قطعة بعد قطعة ، فصارت ظلمات بعضها فوق بعض ، وإنه لتشبيه عظيم في بلاغة المبالغة في خذلانهم وفضيحتهم التي تكسف نور الفطرة ، والظاهر أن سواد وجوههم حقيقي ومجازي (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=27أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ) أي أولئك الموصوفون بما ذكرهم أصحاب النار ، خالدون فيها لا يبرحونها لأنه ليس لهم مأوى سواها كما تقدم في آية أخرى . وقد يدخلها بعض عصاة المؤمنين فيعاقبون على ما اجترحوا من السيئات ثم يخرجون منها .
هذا الوصف لأهل الجنة وأهل النار له نظير في آخر سورة الأعمى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=80&ayano=38وجوه يومئذ مسفرة nindex.php?page=tafseer&surano=80&ayano=39ضاحكة مستبشرة nindex.php?page=tafseer&surano=80&ayano=40ووجوه يومئذ عليها غبرة nindex.php?page=tafseer&surano=80&ayano=41ترهقها قترة nindex.php?page=tafseer&surano=80&ayano=42أولئك هم الكفرة الفجرة ) ( 8 : 38 - 42 ) وفي سورة القيامة : (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=22وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ووجوه يومئذ باسرة تظن أن يفعل بها فاقرة ) ( 75 : 22 - 25 ) وهذه المقابلة في سورة القيامة ترجح أن الزيادة على الحسنى في آية يونس هي مرتبة النظر إلى الرب ، فنسأله تعالى أن يجعلنا وأولادنا وأهل بيتنا وإخواننا الصادقين من أهلها .
[ ص: 286 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=25وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=26لِلَّذِينِ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=27وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) .
لَمَّا بَيَّنَ عَزَّ وَجَلَّ غُرُورَ الْمُشْرِكِينَ الْجَاهِلِينَ بِمَتَاعِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ، قَفَّى عَلَيْهِ بِبَيَانِ مَا يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ سَعَادَةِ الْآخِرَةِ وَوَصْفِ حَالِ الْمُحْسِنِينَ وَالْمُسِيئِينَ فِيهَا فَقَالَ :
(
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=25nindex.php?page=treesubj&link=28981وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ ) الْجُمْلَةُ عَطْفٌ عَلَى مَحْذُوفٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ وَقَرِينَةُ الْمُقَابَلَةِ أَيْ ذَاكَ الْإِيثَارُ لِمَتَاعِ الدُّنْيَا وَالْإِسْرَافُ وَالْبَغْيُ فِيهِ ، هُوَ مَا يَدْعُو إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ ، فَيَسُوقُ مُتَّبِعِيهِ إِلَى النَّارِ ، دَارِ الْخِزْيِ وَالنَّكَالِ ، وَاللَّهُ يَدْعُو عِبَادَهُ إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَهِي الْجَنَّةُ ، وَفِي الْمُرَادِ بِــ ( ( السَّلَامِ ) ) الَّذِي أُضِيفَتْ إِلَيْهِ ( ( الدَّارُ ) ) وُجُوهٌ يَصِحُّ أَنْ تُرَادَ كُلُّهَا ( أَوَّلُهَا ) أَنَّهُ السَّلَامَةُ مِنْ جَمِيعِ الشَّوَائِبِ وَالْمَصَائِبِ وَالْمَعَايِبِ ، وَالنَّقَائِصِ وَالْأَكْدَارِ ، وَالْعَدَاوَةِ ، وَالْخِصَامِ ، ( الثَّانِي ) أَنَّهُ تَحِيَّةُ اللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ لِأَهْلِهَا ، وَتَحِيَّةُ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ الدَّالَّةُ عَلَى تَحَابِّهِمْ وَتَوَادِّهِمْ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ قَرِيبًا . ( ثَالِثُهَا ) أَنَّ ( ( السَّلَامَ ) ) مِنْ أَسْمَائِهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَأُضِيفَتْ دَارُ النَّعِيمِ إِلَيْهِ تَعْظِيمًا لِشَأْنِهَا ، وَهُوَ مَصْدَرٌ وُصِفَ بِهِ لِلْمُبَالَغَةِ كَالْعَدْلِ ، وَيَدُلُّ عَلَى كَمَالِ التَّنْزِيهِ وَالسَّلَامَةِ مِنْ كُلِّ مَا لَا يَلِيقُ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، وَفِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ إِضَافَةُ هَذِهِ الدَّارِ إِلَى ضَمِيرِ الذَّاتِ ( دَارِي ) .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=25وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) عَطْفٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ ، أَيْ يَدْعُو كُلَّ أَحَدٍ إِلَى دُخُولِ ( ( دَارِ السَّلَامِ ) ) وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى الطَّرِيقِ الْمُوَصِّلِ إِلَيْهَا مِنْ غَيْرِ تَعْوِيقٍ ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَقِيمٌ لَا عِوَجَ فِيهِ وَلَا الْتِوَاءَ ، وَهُوَ الْإِسْلَامُ عَقَائِدُهُ وَفَضَائِلُهُ وَعِبَادَاتُهُ وَأَحْكَامُهُ ، وَالْهِدَايَةُ فِي الْأَصْلِ الدَّلَالَةُ بِلُطْفٍ ، وَتَكُونُ بِالتَّشْرِيعِ وَهُوَ بَيَانُهُ ، وَهِيَ عَامَّةٌ ، وَبِالتَّوْفِيقِ لِلسَّيْرِ عَلَيْهِ وَالِاسْتِقَامَةِ
[ ص: 287 ] الْمُوَصِّلَةِ إِلَى الْغَايَةِ ، وَهِيَ خَاصَّةٌ بِالْمُسْتَعِدِّينَ لِذَلِكَ كَمَا فَصَّلْنَاهُ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْفَاتِحَةِ ، وَهِي الْمُرَادَةُ هُنَا وَلِذَلِكَ قَيَّدَهَا بِالْمَشِيئَةِ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=26لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ ) هَذَا بَيَانٌ لِصِفَةِ الَّذِينَ هَدَاهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْإِسْلَامِ ، فَوَصَلُوا بِالسَّيْرِ عَلَيْهِ إِلَى غَايَتِهِ وَهِيَ ( ( دَارُ السَّلَامِ ) ) أَيْ لِلَّذِينِ أَحْسَنُوا أَعْمَالَهُمْ فِي الدُّنْيَا الْمَثُوبَةُ ( ( الْحُسْنَى ) ) أَيِ الَّتِي تَزِيدُ فِي الْحُسْنِ عَلَى إِحْسَانِهِمْ ، وَهِيَ مُضَاعَفَتُهَا بِعَشَرَةِ أَمْثَالِهَا أَوْ أَكْثَرَ ، كَمَا قَالَ فِي سُورَةِ النَّجْمِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=31لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى ) ( 53 : 31 ) وَلَهُمْ زِيَادَةٌ عَلَى هَذِهِ الْحُسْنَى ، وَهِيَ فَوْقَ مَا يَسْتَحِقُّونَهُ عَلَى أَعْمَالِهِمْ بَعْدَ مُضَاعَفَتِهَا الَّتِي هِيَ مِنْ جَزَائِهَا مَهْمَا تَكُنْ حَسَنَةً ، كَمَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=173فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ ) ( 4 : 173 ) وَقَدْ وَرَدَ فِي الْأَحَادِيثِ الْكَثِيرَةِ مِنَ الطُّرُقِ الْعَدِيدَةِ أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ هِي
nindex.php?page=treesubj&link=29714_30405النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ اللَّهِ الْكَرِيمِ ، وَهُوَ أَعْلَى مَرَاتِبِ الْكَمَالِ الرُّوحَانِيِّ الَّذِي لَا يَصِلُ إِلَيْهِ الْمُتَّقُونَ الْمُحْسِنُونَ الْعَارِفُونَ إِلَّا فِي الْآخِرَةِ ، وَقَدْ فَصَّلْنَا الْقَوْلَ فِيهِ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْأَعْرَافِ ( ص 112 وَمَا بَعْدَهَا ج 9 ط الْهَيْئَةِ ) بِمَا يُقَرِّبُهُ مِنَ الْعَقْلِ وَالْعِلْمِ الْعَصْرِيِّ ، وَيَدْحَضُ شُبُهَاتِ
الْمُعْتَزِلَةِ الْمُنْكِرِينَ لَهُ بِزَعْمِهِمْ أَنَّهُ مُحَالٌ عَقَلًا ، وَمَا هَذَا الْمُحَالُ إِلَّا نَظَرِيَّاتُ عُقُولِهِمُ الَّتِي تَقِيسُ عَالَمَ الْغَيْبِ عَلَى عَالَمِ الشَّهَادَةِ ، وَقَدْ ظَهَرَ فِي هَذَا الْعَصْرِ مِنْ عُلُومِ الْمَادَّةِ مَا لَمْ يَكُنْ يَقْبَلُهُ عَقْلٌ مِنَ الْعُقُولِ الْمُقَيَّدَةِ بِتِلْكَ النَّظَرِيَّاتِ الْمُتَوَلِّدَةِ مِنَ الْفَلْسَفَةِ الْيُونَانِيَّةِ وَالْكَلَامِ الْجَهْمِيِّ ، فَكَيْفَ يَكُونُ عَالَمُ الْغَيْبِ الْإِلَهِيِّ مُقَيَّدًا بِهَا ؟ !
وَثَمَّ وَرَاءَ الْعَقْلِ عِلْمٌ يَدُقُّ عَنْ مَدَارِكِ غَايَاتِ الْعُقُولِ السَّلِيمَةِ
(
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=26وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ ) رَهِقَ الرَّجُلُ الشَّيْءَ ( كَتَعِبَ ) أَدْرَكَهُ وَرَهِقَهُ الشَّيْءُ كَالدِّينِ وَالذُّلُّ غَشِيَهُ ، وَغَلَبَ عَلَيْهِ حَتَّى غَطَّاهُ وَحَجَبَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=73وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا ) ( 18 : 73 ) لَا تُكَلِّفْنِي مَا يَعْسُرُ عَلَيَّ ، وَالْقَتَرُ : الدُّخَانُ السَّاطِعُ مِنَ الشِّوَاءِ وَالْحَطَبِ وَكُلُّ غَبَرَةٍ فِيهَا سَوَادٌ أَيْ لَا يَغْشَى وُجُوهَهُمْ فِي الْآخِرَةِ شَيْءٌ مِمَّا يَغْشَى وُجُوهَ الْكَفَرَةِ الْفَجَرَةِ مِنَ الْكُسُوفِ وَالظُّلْمَةِ وَالذِّلَّةِ ، كَمَا يَأْتِي قَرِيبًا فِي الْمُقَابَلَةِ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=26أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) أُولَئِكَ الْمَوْصُوفُونَ بِمَا ذُكِرَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ دَارِ السَّلَامِ وَالْإِكْرَامِ ، خَالِدُونَ مُقِيمُونَ فِيهَا لَا يَبْرَحُونَهَا وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا جَزَاءً وِفَاقًا ، لَا يُزَادُونَ عَلَى مَا يَسْتَحِقُّونَ بِسَيِّئَاتِهِمْ مِنَ الْعَذَابِ شَيْئًا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ أَيْ تَغْشَاهُمْ ذِلَّةُ الْفَضِيحَةِ وَكُسُوفُ الْخِزْيِ بِمَا يُظْهِرُهُ حِسَابُهُمْ مِنْ شِرْكٍ وَظُلْمٍ وَزُورٍ وَفُجُورٍ (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=27مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ ) مَا لَهُمْ مِنْ أَحَدٍ وَلَا مِنْ شَيْءٍ يَعْصِمُهُمْ وَيَمْنَعُهُمْ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ ، كَالَّذِينِ اتَّخَذُوهُمْ فِي الدُّنْيَا مِنَ الشُّرَكَاءِ ، وَزَعَمُوهُمْ مِنَ الْأَوْلِيَاءِ وَالشُّفَعَاءِ . وَانْتَحَلُوهُمْ مِنَ الْوَسَائِلِ وَالْوُسَطَاءِ ؛ لِأَنَّهُ الْيَوْمُ الَّذِي تَنْقَطِعُ فِيهِ الْأَسْبَابُ الَّتِي مَضَتْ بِهَا سُنَنُ اللَّهِ تَعَالَى فِي الدُّنْيَا ، فَأَنَّى تُفِيدُ فِيهِ الْمَزَاعِمُ الشِّرْكِيَّةُ الْوَهْمِيَّةُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=82&ayano=19يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ ) ( 82 : 19 )
[ ص: 288 ] أَوْ مَا لَهُمْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَنْ فَضْلِهِ مِنْ عَاصِمٍ يَحْفَظُهُمْ مِنْ عَذَابِهِ كَعَفْوِهِ وَمَغْفِرَتِهِ ؛ فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ ، كَالشُّفَعَاءِ الَّذِينَ يَشْفَعُونَ بِإِذْنِهِ لِمَنِ ارْتَضَى مِنْ عِبَادِهِ إِظْهَارًا لِكَرَامَتِهِمْ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الشَّفَاعَةَ الْخَاصَّةَ لَا نَصِيبَ فِيهَا لِمُنْتَحِلِي الشَّفَاعَةِ الشِّرْكِيَّةِ ، الَّذِينَ كَانُوا يَزْعُمُونَ فِي الدُّنْيَا أَنَّ لِشُفَعَائِهِمْ تَأْثِيرًا فِي مَشِيئَةِ اللَّهِ وَأَفْعَالِهِ ، حَتَّى يَحْمِلُوهُ عَلَى فِعْلِ مَا لَمْ يَكُنْ يَفْعَلُهُ لَوْلَا شَفَاعَتُهُمْ ، فَيَجْعَلُونَ ذَاتَهُ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالَهُ مَعْلُولَةً تَابِعَةً لِمَا يَطْلُبُونَهُ مِنْهُ ، وَأَمَّا شَفَاعَةُ الْإِيمَانِ الصَّحِيحَةُ فَهِيَ تَابِعَةٌ لِمَشِيئَتِهِ وَلِمَرْضَاتِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=28وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى ) ( 21 : 28 ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=27كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا ) أَيْ كَأَنَّمَا قُدَّ لِوُجُوهِهِمْ قِطَعٌ مِنْ أَدِيمِ اللَّيْلِ ، حَالَةَ كَوْنِهِ حَالِكًا مُظْلِمًا ، لَيْسَ فِيهِ بَصِيصٌ مِنْ نُورِ قَمَرٍ طَالِعٍ ، وَلَا نَجْمٍ ثَاقِبٍ ، فَأُغْشِيَتْهَا قِطْعَةً بَعْدَ قِطْعَةٍ ، فَصَارَتْ ظُلُمَاتٍ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ ، وَإِنَّهُ لَتَشْبِيهٌ عَظِيمٌ فِي بَلَاغَةِ الْمُبَالَغَةِ فِي خِذْلَانِهِمْ وَفَضِيحَتِهِمُ الَّتِي تَكْسِفُ نُورَ الْفِطْرَةِ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ سَوَادَ وُجُوهِهِمْ حَقِيقِيٌّ وَمَجَازِيٌّ (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=27أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) أَيْ أُولَئِكَ الْمَوْصُوفُونَ بِمَا ذَكَرَهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ ، خَالِدُونَ فِيهَا لَا يَبْرَحُونَهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ مَأْوًى سِوَاهَا كَمَا تَقَدَّمَ فِي آيَةٍ أُخْرَى . وَقَدْ يَدْخُلُهَا بَعْضُ عُصَاةِ الْمُؤْمِنِينَ فَيُعَاقَبُونَ عَلَى مَا اجْتَرَحُوا مِنَ السَّيِّئَاتِ ثُمَّ يَخْرُجُونَ مِنْهَا .
هَذَا الْوَصْفُ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَهْلِ النَّارِ لَهُ نَظِيرٌ فِي آخِرِ سُورَةِ الْأَعْمَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=80&ayano=38وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ nindex.php?page=tafseer&surano=80&ayano=39ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ nindex.php?page=tafseer&surano=80&ayano=40وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ nindex.php?page=tafseer&surano=80&ayano=41تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ nindex.php?page=tafseer&surano=80&ayano=42أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ ) ( 8 : 38 - 42 ) وَفِي سُورَةِ الْقِيَامَةِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=22وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ ) ( 75 : 22 - 25 ) وَهَذِهِ الْمُقَابَلَةُ فِي سُورَةِ الْقِيَامَةِ تُرَجِّحُ أَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى الْحُسْنَى فِي آيَةِ يُونُسَ هِيَ مَرْتَبَةُ النَّظَرِ إِلَى الرَّبِّ ، فَنَسْأَلُهُ تَعَالَى أَنْ يَجْعَلَنَا وَأَوْلَادَنَا وَأَهْلَ بَيْتِنَا وَإِخْوَانِنَا الصَّادِقِينَ مِنْ أَهْلِهَا .