nindex.php?page=treesubj&link=29550إقرار متقدمي الصوفية ومتأخريهم بوجوب اتباع السلف :
تواتر عن شيوخ الصوفية المتقدمين أن أصل طريقهم اتباع الكتاب والسنة وموافقة السلف كما تقدم آنفا وتجد مثل هذا في كلام الصوفية الشاذين الذين خلطوا البدع بالسنن ، وزعموا أنهم يأخذون علومهم عن الله الحي الذي لا يموت مباشرة ، وأن علماء التفسير والحديث يأخذون علومهم عن الميتين كالفقهاء والمتكلمين ، وهذا أساس الابتداع بل المروق من الدين . ومما نقله
الشعراني عن الشيخ
إبراهيم الدسوقي من الخلط بين الحق والباطل ما نصه :
( ( وكان - رضي الله عنه - يقول أسلم التفسير ما كان مرويا عن السلف ، وأنكره ما فتح به على القلوب في كل عصر ، ولولا محرك قلوبنا لما نطقت إلا بما ورد عن السلف ، فإذا حرك قلوبنا وارد استفتحنا باب ربنا وسألناه الفهم في كلامه فنتكلم في ذلك الوقت بقدر ما يفتحه على قلوبنا ، فسلموا لنا تسلموا ، فإننا فخارة فارغة ، والعلم علم الله تعالى ) ) ا ه .
أقول :
nindex.php?page=treesubj&link=29408من أين نعلم أو يعلمون هم أن خواطرهم التي يسمونها الواردات من الإلهام الإلهي لا من الوسواس الشيطاني ، وكيف نسلم لهم ما لا نعلم ، والإلهام الصحيح ليس بحجة كما تقدم ؟ ثم كيف لا ننكر عليهم ما تراه مخالفا للكتاب والسنة وآثار السلف ، وموافقا لإلحاد الباطنية أو بدع الخلف ، وإنا وإياهم متفقون على أنه هو الحق الذي لا يصح الخلاف فيه ؟
[ ص: 369 ] فثبت إذا أن أولياء الله تعالى الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، هم من عرفهم تعالى بقوله الحق : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=63الذين آمنوا وكانوا يتقون ) وأنهم درجات كما بينها الله تعالى في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=32ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير ) ( 35 : 32 ) فالظالم لنفسه : من يقصر في اتباع الكتاب ولو بترك بعض الفضائل ، والمقتصد : من يترك ما نهي عنه ، ويفعل ما أمر به من الواجبات القاصرة على نفسه ، والسابق بالخيرات : من يزيد على التقرب بالنوافل ، والتكمل بالفضائل ، والجمع بين التعلم والتعليم والتأدب والتأديب ، حتى يكون إماما للمتقين ، فهذه درجة المقربين من شهداء الله والصديقين وما قبلها درجة الصالحين من الأبرار أصحاب اليمين ، فراجع سورتي الواقعة والمطففين ، ففيهما بيان لقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=69ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ) ( 4 : 69 ) وهي تفسير لدعائك في كل ركعة بقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=6اهدنا الصراط المستقيم nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=7صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) ( 1 : 6 ، 7 ) .
وبهذا تقوم حجة الله على العالمين بأن
nindex.php?page=treesubj&link=28639هذا الدين تنزيل من رب العالمين ، وقد أكمله لنا قبل أن يقبض الله رسوله
محمدا خاتم النبيين - صلى الله عليه وسلم - ، وأنه لو صح شيء مما ابتدعه الناس فيه بفلسفتهم العقلية أو النفسية أو بما ادعوه من الكشف لما صحت شهادة الله بإكماله ، ولا أنه من عنده لا من عند أحد من خلقه ، وهذا كل غرضنا من هذا البحث ، وقد أظهر به الحق ولله الحمد .
nindex.php?page=treesubj&link=29550إِقْرَارُ مُتَقَدِّمِي الصُّوفِيَّةِ وَمُتَأَخَّرِيهِمْ بِوُجُوبِ اتِّبَاعِ السَّلَفِ :
تَوَاتَرَ عَنْ شُيُوخِ الصُّوفِيَّةِ الْمُتَقَدِّمِينَ أَنَّ أَصْلَ طَرِيقِهِمُ اتِّبَاعُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَمُوَافَقَةُ السَّلَفِ كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا وَتَجِدُ مِثْلَ هَذَا فِي كَلَامِ الصُّوفِيَّةِ الشَّاذِّينَ الَّذِينَ خَلَطُوا الْبِدَعَ بِالسُّنَنِ ، وَزَعَمُوا أَنَّهُمْ يَأْخُذُونَ عُلُومَهُمْ عَنِ اللَّهِ الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ مُبَاشَرَةً ، وَأَنَّ عُلَمَاءَ التَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ يَأْخُذُونَ عُلُومَهُمْ عَنِ الْمَيِّتِينَ كَالْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ ، وَهَذَا أَسَاسُ الِابْتِدَاعِ بَلِ الْمُرُوقِ مِنَ الدِّينِ . وَمِمَّا نَقَلَهُ
الشَّعَرَانِيِّ عَنِ الشَّيْخِ
إِبْرَاهِيمَ الدُّسُوقِيِّ مِنَ الْخَلْطِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ مَا نَصُّهُ :
( ( وَكَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقُولُ أَسْلَمُ التَّفْسِيرِ مَا كَانَ مَرْوِيًّا عَنِ السَّلَفِ ، وَأَنْكَرُهُ مَا فُتِحَ بِهِ عَلَى الْقُلُوبِ فِي كُلِّ عَصْرٍ ، وَلَوْلَا مُحَرِّكُ قُلُوبِنَا لَمَا نَطَقْتُ إِلَّا بِمَا وَرَدَ عَنِ السَّلَفِ ، فَإِذَا حَرَّكَ قُلُوبَنَا وَارِدٌ اسْتَفْتَحْنَا بَابَ رَبِّنَا وَسَأَلْنَاهُ الْفَهْمَ فِي كَلَامِهِ فَنَتَكَلَّمُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ بِقَدْرِ مَا يَفْتَحُهُ عَلَى قُلُوبِنَا ، فَسَلِّمُوا لَنَا تَسْلَمُوا ، فَإِنَّنَا فَخَّارَةٌ فَارِغَةٌ ، وَالْعِلْمُ عِلْمُ اللَّهِ تَعَالَى ) ) ا ه .
أَقُولُ :
nindex.php?page=treesubj&link=29408مِنْ أَيْنَ نَعْلَمُ أَوْ يَعْلَمُونَ هُمْ أَنَّ خَوَاطِرَهُمُ الَّتِي يُسَمُّونَهَا الْوَارِدَاتِ مِنَ الْإِلْهَامِ الْإِلَهِيِّ لَا مِنَ الْوَسْوَاسِ الشَّيْطَانِيِّ ، وَكَيْفَ نُسَلِّمُ لَهُمْ مَا لَا نَعْلَمُ ، وَالْإِلْهَامُ الصَّحِيحُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ كَمَا تَقَدَّمَ ؟ ثُمَّ كَيْفَ لَا نُنْكِرُ عَلَيْهِمْ مَا تَرَاهُ مُخَالِفًا لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَآثَارِ السَّلَفِ ، وَمُوَافِقًا لِإِلْحَادِ الْبَاطِنِيَّةِ أَوْ بِدَعِ الْخَلَفِ ، وَإِنَّا وَإِيَّاهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ هُوَ الْحَقُّ الَّذِي لَا يَصِحُّ الْخِلَافُ فِيهِ ؟
[ ص: 369 ] فَثَبَتَ إِذًا أَنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِينَ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ، هُمْ مَنْ عَرَّفَهُمْ تَعَالَى بِقَوْلِهِ الْحَقِّ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=63الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ) وَأَنَّهُمْ دَرَجَاتٌ كَمَا بَيَّنَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=32ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ) ( 35 : 32 ) فَالظَّالِمُ لِنَفْسِهِ : مَنْ يُقَصِّرُ فِي اتِّبَاعِ الْكِتَابِ وَلَوْ بِتَرْكِ بَعْضِ الْفَضَائِلِ ، وَالْمُقْتَصِدُ : مَنْ يَتْرُكُ مَا نُهِيَ عَنْهُ ، وَيَفْعَلُ مَا أُمِرَ بِهِ مِنَ الْوَاجِبَاتِ الْقَاصِرَةِ عَلَى نَفْسِهِ ، وَالسَّابِقُ بِالْخَيْرَاتِ : مَنْ يَزِيدُ عَلَى التَّقَرُّبِ بِالنَّوَافِلِ ، وَالتَّكَمُّلِ بِالْفَضَائِلِ ، وَالْجَمْعِ بَيْنَ التَّعَلُّمِ وَالتَّعْلِيمِ وَالتَّأَدُّبِ وَالتَّأْدِيبِ ، حَتَّى يَكُونَ إِمَامًا لِلْمُتَّقِينَ ، فَهَذِهِ دَرَجَةُ الْمُقَرَّبِينَ مِنْ شُهَدَاءِ اللَّهِ وَالصِّدِّيقِينِ وَمَا قَبْلَهَا دَرَجَةُ الصَّالِحِينَ مِنَ الْأَبْرَارِ أَصْحَابِ الْيَمِينِ ، فَرَاجِعْ سُورَتَيِ الْوَاقِعَةِ وَالْمُطَفِّفِينَ ، فَفِيهِمَا بَيَانٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=69وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ) ( 4 : 69 ) وَهِيَ تَفْسِيرٌ لِدُعَائِكَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=6اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=7صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ) ( 1 : 6 ، 7 ) .
وَبِهَذَا تَقُومُ حُجَّةُ اللَّهِ عَلَى الْعَالَمِينِ بِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28639هَذَا الدِّينَ تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، وَقَدْ أَكْمَلَهُ لَنَا قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ اللَّهُ رَسُولَهُ
مُحَمَّدًا خَاتَمَ النَّبِيِّينَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَأَنَّهُ لَوْ صَحَّ شَيْءٌ مِمَّا ابْتَدَعَهُ النَّاسُ فِيهِ بِفَلْسَفَتِهِمُ الْعَقْلِيَّةِ أَوِ النَّفْسِيَّةِ أَوْ بِمَا ادَّعَوْهُ مِنَ الْكَشْفِ لَمَا صَحَّتْ شَهَادَةُ اللَّهِ بِإِكْمَالِهِ ، وَلَا أَنَّهُ مِنْ عِنْدِهِ لَا مِنْ عِنْدِ أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ ، وَهَذَا كُلُّ غَرَضِنَا مِنْ هَذَا الْبَحْثِ ، وَقَدْ أُظْهِرَ بِهِ الْحَقُّ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ .