(
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=65nindex.php?page=treesubj&link=28981ولا يحزنك قولهم إن العزة لله جميعا هو السميع العليم nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=66ألا إن لله من في السماوات ومن في الأرض وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=67هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون ) .
[ ص: 370 ] بعد أن بين الله تعالى لرسوله حال أوليائه وصفتهم وما بشرهم به في الحياة الدنيا وفي الآخرة وكونه لا تبديل لكلماته فيما بشرهم ووعدهم ، كما أنه لا تبديل لها فيما أوعد به أعداءه المشركين وكان هذا يتضمن الوعد بنصره ونصر من آمن له وهم أولياء الله وأنصار دينه على ضعفهم وفقرهم ، وكانت العزة أي القوة والغلبة في
مكة لا تزال للمشركين بكثرتهم التي يعبرون عنها بقولهم : وإنما العزة للكاثر ، وكانوا لغرورهم بكثرتهم وثروتهم يكذبون بوعد الله وكان ذلك يحزنه - صلى الله عليه وسلم - بالطبع كما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=33قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ) ( 6 : 33 ) الآية . قال تعالى مسليا له ومؤكدا وعده له ولأوليائه ، ووعيده لأعدائهم وأعدائه .
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=65ولا يحزنك قولهم نهاه عن الحزن والغم من قولهم الذي يقولونه في تكذيبه الذي تقدم مفصلا في هذه السورة ، فحذف مقول القول للعلم به وبين له سبب هذا النهي بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=65إن العزة لله جميعا ) أي إن الغلبة والقوة والمنعة لله جميعها لا يملك أحد من دونه شيئا منها ، فهو يهبها لمن يشاء ويحرمها من يشاء ، وليست للكثرة دائما كما يدعون ، فكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله ، وقد وعد بها رسله والذين آمنوا بهم واتبعوهم من أوليائه ، كما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=21كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز ) ( 58 : 21 ) و (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=51إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد ) ( 40 : 51 ) و (
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=8ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ) ( 63 : 8 ) فعزته تعالى ذاتية له ، وعزة رسوله والمؤمنين به ومنه عز وجل ، كما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=26وتعز من تشاء وتذل من تشاء ) ( 3 : 26 ) وقرأ
نافع ( يحزنك ) بضم الياء من أحزنه وهي لغة ، وقرئ ( أن العزة ) بفتح الهمزة أن لحذف لامها ، وهي للتعليل الذي تدل عليه قراءة الجمهور بالكسر على الاستئناف البياني ( هو السميع ) لما يقولون من تكذيب بالحق وادعاء للشرك ( العليم ) بما يفعلونه من إيذاء وكيد ومكر ، فهو يذلهم ويحبط أعمالهم ، وهذا استئناف آخر في تقرير مضمون الأول وهو تسليته - صلى الله عليه وسلم - وتأكيد وعده بالعزة ووعيد تكذيبه ، ثم استدل على كون العزة له جميعا والجزاء بيده بقوله مستأنفا أيضا ومفتتحا بأداة التنبه :
nindex.php?page=treesubj&link=28981 ( nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=66ألا إن لله من في السماوات ومن في الأرض ) من عابد ومعبود فهو ربهم ومالكهم وهم عبيده المربوبون المملوكون له (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=66وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء ) له في ربوبيته وملكه ، أي إن هؤلاء المشركين الذين يعبدون غير الله بدعائهم في الشدائد ، واستغاثتهم في النوازل ، والتقرب إليهم بالنذور والقرابين والوسائل لا يتبعون شركاء له في تدبير أمور عباده ينفعونهم أو يكشفون الضر عنهم ، إذ لا شركاء له (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=66إن يتبعون إلا الظن ) أي ما يتبعون في الحقيقة إلا ظنهم أن هؤلاء الذين يدعونهم أولياء لله وشفعاء عنده ، فهم يتوسلون بهم وبتماثيلهم إليه ، لأنهم يقيسونه على ملوكهم الظالمين المتكبرين ، الذين لا يصل إليهم أحد
[ ص: 371 ] من رعاياهم إلا بوسائل حجابه ووسائطه ووزرائه (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=66وإن هم إلا يخرصون ) أي وما هم في اتباع هذا الظن الذي لا يغني من الحق شيئا ، إلا يخرصون خرصا ، أي يحزرون حزرا ، أو يكذبون كذبا ، أصل الخرص : الحزر والتقدير للشيء الذي لا يجري على قياس من وزن أو كيل أو ذراع ، بل هو كخرص الثمر على الشجر والحب في الزرع ، ولكثرة الخطأ فيه أطلق على لازمه الغالب وهو الكذب ، فالظن الذي يبنى عليه يكون من أضعف الظن وأبعده عن الحق ، مثاله ما ذكرناه آنفا من قياس الرب في تدبير أمور عباده على الملوك ، وهذا قياس شيطاني سمعته من جميع طبقات الجاهلين لعقائد الإسلام ، وتوحيد الرحمن ، حتى من يلقبون بالعلماء والباشوات ، ومثله قولهم في وسائلهم الذين يسمونهم الأولياء : إن الله يحبهم ، وكل من يحب أحدا فإنه يقبل وساطته وشفاعته ، فيقيسون تأثير عباد الله الصالحين عنده تعالى ، على تأثير أصدقاء الملوك والوجهاء ومعشوقيهم في قبولهم منهم جميع ما يطلبونه ، ويجهلون أن
nindex.php?page=treesubj&link=28708_29723أفعال الله تعالى إنما تجري بمقتضى مشيئته الأزلية على وفق علمه الذاتي المحيط وحكمته البالغة العادلة ، وأن
nindex.php?page=treesubj&link=28708صفاته تعالى كاملة أزلية لا تؤثر فيها الحوادث وأن جميع أوليائه وأنبيائه وملائكته عبيد مملوكون له : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=57أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا ) ( 17 : 57 ) أي إن أقرب أولئك الذين يدعونهم ويتوسلون إليه تعالى بهم كالمسيح والملائكة ومن دونهم هم يتوسلون إليه راجين خائفين ، لا كأعوان الملوك الذين لا يقوم أمر ملكهم بدونهم ، ومعشوقيهم الذين لا يتم تمتعهم الشهواني إلا بهم .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=67nindex.php?page=treesubj&link=28981هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا ) هذا استدلال على مضمون ما قبله من نفي وجود شركاء له في الخلق والتقدير ، ولا بالشفاعة عنده في التصرف والتدبير ؛ أي هو الذي جعل لكم الوقت قسمين بمقتضى علمه ومشيئته بدون مساعد ولا شفيع ، بل بمحض الحكمة البالغة والرحمة الشاملة : أحدهما الليل جعله مظلما لأجل أن تسكنوا فيه بعد طول الحركة والتقلب في الأرض ، تستريحون من التعب في طلب الرزق ، وثانيهما النهار جعله مضيئا ذا إبصار لتنتشروا في الأرض ، وتقوموا بجميع أعمال العمران والكسب ، والشكر للرب ، فالمبصر هنا معطى الإبصار سببه حسيا كان أو معنويا ، فالأول قوله تعالى (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=12وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ) ( 17 : 12 ) الآية . والثاني قوله في هذه السورة أيضا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=59وآتينا ثمود الناقة مبصرة ) ( 17 : 59 ) أي آية مفيدة للبصيرة والحجة على صدق رسولهم ، ومثله قوله في سورة النمل : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=13فلما جاءتهم آياتنا مبصرة قالوا هذا سحر مبين ) ( 27 : 13 ) .
وقال
قطرب : تقول العرب : أظلم الليل وأبصر النهار وأضاء بمعنى صار ذا ظلمة وذا إبصار
[ ص: 372 ] وذا ضياء ا ه . وقد تكرر التذكير في التنزيل بآيات الله في الليل والنهار من خلقهما وتقديرهما ومنافع الناس فيهما ، وفي هذه الآية احتباك وهو أنه حذف من كل من آيتي الليل والنهار ما أثبت مقابله في الأخرى والعكس ، وفي قوله تعالى :
nindex.php?page=treesubj&link=28981 ( nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=67إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون ) مثله ، أي إن فيما ذكر لدلائل بينات ، وآيات أي آيات ، على وحدانيته في الذات والصفات لقوم يسمعون ما يتلى عليهم من التذكير بحكمه تعالى ونعمه فيها سماع فقه وتدبر ، ويبصرون ما في الكائنات من السنن الحكيمة إبصار تأمل ، ذكر الآيات السمعية المناسبة لليل الذي قدم ذكره ، وهي تدل على الآيات البصرية المناسبة للنهار وتذكير بها ، وهو أبلغ الإيجاز ، وقد جمع بينهما في مقام الإطناب من سورة القصص بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=71قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=72قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه أفلا تبصرون nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=73ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون ) ( 28 : 71 - 73 ) وأحسن بذلك الإطناب تفسيرا لما هنا من الإيجاز ، ولكل منهما موقعه من بلاغة الإعجاز .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=65nindex.php?page=treesubj&link=28981وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=66أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكَاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=67هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لِآيَّاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ ) .
[ ص: 370 ] بَعْدَ أَنْ بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى لِرَسُولِهِ حَالَ أَوْلِيَائِهِ وَصِفَتَهُمْ وَمَا بَشَّرَهُمْ بِهِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَكَوْنَهُ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِهِ فِيمَا بَشَّرَهُمْ وَوَعَدَهُمْ ، كَمَا أَنَّهُ لَا تَبْدِيلَ لَهَا فِيمَا أَوْعَدَ بِهِ أَعْدَاءَهُ الْمُشْرِكِينَ وَكَانَ هَذَا يَتَضَمَّنُ الْوَعْدَ بِنَصْرِهِ وَنَصْرِ مَنْ آمَنَ لَهُ وَهُمْ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ وَأَنْصَارُ دِينِهِ عَلَى ضَعْفِهِمْ وَفَقْرِهِمْ ، وَكَانَتِ الْعِزَّةُ أَيِ الْقُوَّةُ وَالْغَلَبَةُ فِي
مَكَّةَ لَا تَزَالُ لِلْمُشْرِكِينَ بِكَثْرَتِهِمُ الَّتِي يُعَبِّرُونَ عَنْهَا بِقَوْلِهِمْ : وَإِنَّمَا الْعِزَّةُ لِلْكَاثِرِ ، وَكَانُوا لِغُرُورِهِمْ بِكَثْرَتِهِمْ وَثَرْوَتِهِمْ يُكَذِّبُونَ بِوَعْدِ اللَّهِ وَكَانَ ذَلِكَ يُحْزِنُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالطَّبْعِ كَمَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=33قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ ) ( 6 : 33 ) الْآيَةَ . قَالَ تَعَالَى مُسَلِّيًا لَهُ وَمُؤَكَّدًا وَعْدَهُ لَهُ وَلِأَوْلِيَائِهِ ، وَوَعِيدَهُ لِأَعْدَائِهِمْ وَأَعْدَائِهِ .
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=65وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ نَهَاهُ عَنِ الْحُزْنِ وَالْغَمِّ مِنْ قَوْلِهِمُ الَّذِي يَقُولُونَهُ فِي تَكْذِيبِهِ الَّذِي تَقَدَّمَ مُفَصَّلًا فِي هَذِهِ السُّورَةِ ، فَحَذَفَ مَقُولَ الْقَوْلِ لِلْعِلْمِ بِهِ وَبَيَّنَ لَهُ سَبَبَ هَذَا النَّهْيِ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=65إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا ) أَيْ إِنَّ الْغَلَبَةَ وَالْقُوَّةَ وَالْمَنَعَةَ لِلَّهِ جَمِيعَهَا لَا يَمْلِكُ أَحَدٌ مِنْ دُونِهِ شَيْئًا مِنْهَا ، فَهُوَ يَهَبُهَا لِمَنْ يَشَاءُ وَيَحْرِمُهَا مَنْ يَشَاءُ ، وَلَيْسَتْ لِلْكَثْرَةِ دَائِمًا كَمَا يَدَّعُونَ ، فَكَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ، وَقَدْ وَعَدَ بِهَا رُسُلَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِمْ وَاتَّبَعُوهُمْ مِنْ أَوْلِيَائِهِ ، كَمَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=21كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ) ( 58 : 21 ) وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=51إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ) ( 40 : 51 ) وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=8وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ) ( 63 : 8 ) فَعِزَّتُهُ تَعَالَى ذَاتِيَّةٌ لَهُ ، وَعِزَّةُ رَسُولِهِ وَالْمُؤْمِنِينَ بِهِ وَمِنْهُ عَزَّ وَجَلَّ ، كَمَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=26وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ ) ( 3 : 26 ) وَقَرَأَ
نَافِعٌ ( يُحْزِنْكَ ) بِضَمِّ الْيَاءِ مَنْ أَحْزَنَهُ وَهِيَ لُغَةٌ ، وَقُرِئَ ( أَنَّ الْعِزَّةَ ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ أَنَّ لِحَذْفِ لَامِهَا ، وَهِيَ لِلتَّعْلِيلِ الَّذِي تَدُلُّ عَلَيْهِ قِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ بِالْكَسْرِ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ الْبَيَانِيِّ ( هُوَ السَّمِيعُ ) لِمَا يَقُولُونَ مِنْ تَكْذِيبٍ بِالْحَقِّ وَادِّعَاءٍ لِلشِّرْكِ ( الْعَلِيمُ ) بِمَا يَفْعَلُونَهُ مِنْ إِيذَاءٍ وَكَيْدٍ وَمَكْرٍ ، فَهُوَ يُذِلُّهُمْ وَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ ، وَهَذَا اسْتِئْنَافٌ آخَرُ فِي تَقْرِيرِ مَضْمُونِ الْأَوَّلِ وَهُوَ تَسْلِيَتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَأْكِيدُ وَعْدِهِ بِالْعِزَّةِ وَوَعِيدَ تَكْذِيبِهِ ، ثُمَّ اسْتَدَلَّ عَلَى كَوْنِ الْعِزَّةِ لَهُ جَمِيعًا وَالْجَزَاءِ بِيَدِهِ بِقَوْلِهِ مُسْتَأْنِفًا أَيْضًا وَمُفْتَتِحًا بِأَدَاةِ التَّنَبُّهِ :
nindex.php?page=treesubj&link=28981 ( nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=66أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ ) مِنْ عَابِدٍ وَمَعْبُودٍ فَهُوَ رَبُّهُمْ وَمَالِكُهُمْ وَهُمْ عَبِيدُهُ الْمَرْبُوبُونَ الْمَمْلُوكُونَ لَهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=66وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكَاءَ ) لَهُ فِي رُبُوبِيَّتِهِ وَمُلْكِهِ ، أَيْ إِنَّ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ يَعْبُدُونَ غَيْرَ اللَّهِ بِدُعَائِهِمْ فِي الشَّدَائِدِ ، وَاسْتِغَاثَتِهِمْ فِي النَّوَازِلِ ، وَالتَّقَرُّبِ إِلَيْهِمْ بِالنُّذُورِ وَالْقَرَابِينِ وَالْوَسَائِلِ لَا يَتَّبِعُونَ شُرَكَاءَ لَهُ فِي تَدْبِيرِ أُمُورِ عِبَادِهِ يَنْفَعُونَهُمْ أَوْ يَكْشِفُونَ الضُّرَّ عَنْهُمْ ، إِذْ لَا شُرَكَاءَ لَهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=66إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ ) أَيْ مَا يَتَّبِعُونَ فِي الْحَقِيقَةِ إِلَّا ظَنَّهُمْ أَنَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَدْعُونَهُمْ أَوْلِيَاءَ لِلَّهِ وَشُفَعَاءَ عِنْدَهُ ، فَهُمْ يَتَوَسَّلُونَ بِهِمْ وَبِتَمَاثِيلِهِمْ إِلَيْهِ ، لِأَنَّهُمْ يَقِيسُونَهُ عَلَى مُلُوكِهِمُ الظَّالِمِينَ الْمُتَكَبِّرِينَ ، الَّذِينَ لَا يَصِلُ إِلَيْهِمْ أَحَدٌ
[ ص: 371 ] مِنْ رَعَايَاهُمْ إِلَّا بِوَسَائِلِ حُجَّابِهِ وَوُسَائِطِهِ وَوُزَرَائِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=66وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ ) أَيْ وَمَا هُمْ فِي اتِّبَاعِ هَذَا الظَّنِّ الَّذِي لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا ، إِلَّا يَخْرُصُونَ خَرْصًا ، أَيْ يَحْزِرُونَ حَزْرًا ، أَوْ يَكْذِبُونَ كَذِبًا ، أَصْلُ الْخَرَصِ : الْحَزْرُ وَالتَّقْدِيرُ لِلشَّيْءِ الَّذِي لَا يَجْرِي عَلَى قِيَاسٍ مِنْ وَزْنٍ أَوْ كَيْلٍ أَوْ ذِرَاعٍ ، بَلْ هُوَ كَخَرَصِ الثَّمَرِ عَلَى الشَّجَرِ وَالْحَبِّ فِي الزَّرْعِ ، وَلِكَثْرَةِ الْخَطَأِ فِيهِ أُطْلِقَ عَلَى لَازِمِهِ الْغَالِبِ وَهُوَ الْكَذِبُ ، فَالظَّنُّ الَّذِي يُبْنَى عَلَيْهِ يَكُونُ مِنْ أَضْعَفِ الظَّنِّ وَأَبَعْدِهِ عَنِ الْحَقِّ ، مِثَالُهُ مَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا مِنْ قِيَاسِ الرَّبِّ فِي تَدْبِيرِ أُمُورِ عِبَادِهِ عَلَى الْمُلُوكِ ، وَهَذَا قِيَاسٌ شَيْطَانِيٌّ سَمِعْتُهُ مِنْ جَمِيعِ طَبَقَاتِ الْجَاهِلِينَ لِعَقَائِدِ الْإِسْلَامِ ، وَتَوْحِيدِ الرَّحْمَنِ ، حَتَّى مَنْ يُلَقَّبُونَ بِالْعُلَمَاءِ وَالْبَاشَوَاتِ ، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُمْ فِي وَسَائِلِهِمُ الَّذِينَ يُسَمُّونَهُمُ الْأَوْلِيَاءَ : إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّهُمْ ، وَكُلُّ مَنْ يُحِبُّ أَحَدًا فَإِنَّهُ يَقَبْلُ وَسَاطَتَهُ وَشَفَاعَتَهُ ، فَيَقِيسُونَ تَأْثِيرَ عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ عِنْدَهُ تَعَالَى ، عَلَى تَأْثِيرِ أَصْدِقَاءِ الْمُلُوكِ وَالْوُجَهَاءِ وَمَعْشُوقِيهِمْ فِي قَبُولِهِمْ مِنْهُمْ جَمِيعَ مَا يَطْلُبُونَهُ ، وَيَجْهَلُونَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28708_29723أَفْعَالَ اللَّهِ تَعَالَى إِنَّمَا تَجْرِي بِمُقْتَضَى مَشِيئَتِهِ الْأَزَلِيَّةِ عَلَى وَفْقِ عِلْمِهِ الذَّاتِيِّ الْمُحِيطِ وَحِكْمَتِهِ الْبَالِغَةِ الْعَادِلَةِ ، وَأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28708صِفَاتِهِ تَعَالَى كَامِلَةٌ أَزَلِيَّةٌ لَا تُؤَثِّرُ فِيهَا الْحَوَادِثُ وَأَنَّ جَمِيعَ أَوْلِيَائِهِ وَأَنْبِيَائِهِ وَمَلَائِكَتِهِ عَبِيدٌ مَمْلُوكُونَ لَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=57أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا ) ( 17 : 57 ) أَيْ إِنَّ أَقْرَبَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَهُمْ وَيَتَوَسَّلُونَ إِلَيْهِ تَعَالَى بِهِمْ كَالْمَسِيحِ وَالْمَلَائِكَةِ وَمَنْ دُونَهَمْ هُمْ يَتَوَسَّلُونَ إِلَيْهِ رَاجِينَ خَائِفِينَ ، لَا كَأَعْوَانِ الْمُلُوكِ الَّذِينَ لَا يَقُومُ أَمْرُ مَلِكِهِمْ بِدُونِهِمْ ، وَمَعْشُوقِيهِمُ الَّذِينَ لَا يَتِمُّ تَمَتُّعُهُمُ الشَّهْوَانِيُّ إِلَّا بِهِمْ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=67nindex.php?page=treesubj&link=28981هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا ) هَذَا اسْتِدْلَالٌ عَلَى مَضْمُونِ مَا قَبْلَهُ مِنْ نَفْيِ وُجُودِ شُرَكَاءَ لَهُ فِي الْخَلْقِ وَالتَّقْدِيرِ ، وَلَا بِالشَّفَاعَةِ عِنْدَهُ فِي التَّصَرُّفِ وَالتَّدْبِيرِ ؛ أَيْ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْوَقْتَ قَسَمَيْنِ بِمُقْتَضَى عِلْمِهِ وَمَشِيئَتِهِ بِدُونِ مُسَاعِدٍ وَلَا شَفِيعٍ ، بَلْ بِمَحْضِ الْحِكْمَةِ الْبَالِغَةِ وَالرَّحْمَةِ الشَّامِلَةِ : أَحَدُهُمَا اللَّيْلُ جَعَلَهُ مُظْلِمًا لِأَجْلِ أَنْ تَسْكُنُوا فِيهِ بَعْدَ طُولِ الْحَرَكَةِ وَالتَّقَلُّبِ فِي الْأَرْضِ ، تَسْتَرِيحُونَ مِنَ التَّعَبِ فِي طَلَبِ الرِّزْقِ ، وَثَانِيهِمَا النَّهَارُ جَعَلَهُ مُضِيئًا ذَا إِبْصَارٍ لِتَنْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ ، وَتَقُومُوا بِجَمِيعِ أَعْمَالِ الْعُمْرَانِ وَالْكَسْبِ ، وَالشُّكْرِ لِلرَّبِّ ، فَالْمُبْصِرُ هُنَا مُعْطَى الْإِبْصَارِ سَبَبَهُ حِسِّيًّا كَانَ أَوْ مَعْنَوِيًّا ، فَالْأَوَّلُ قَوْلُهُ تَعَالَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=12وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ ) ( 17 : 12 ) الْآيَةَ . وَالثَّانِي قَوْلُهُ فِي هَذِهِ السُّورَةِ أَيْضًا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=59وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً ) ( 17 : 59 ) أَيْ آيَةً مُفِيدَةً لِلْبَصِيرَةِ وَالْحُجَّةِ عَلَى صِدْقِ رَسُولِهِمْ ، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ فِي سُورَةِ النَّمْلِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=13فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ ) ( 27 : 13 ) .
وَقَالَ
قُطْرُبٌ : تَقُولُ الْعَرَبُ : أَظْلَمَ اللَّيْلُ وَأَبْصَرَ النَّهَارُ وَأَضَاءَ بِمَعْنَى صَارَ ذَا ظُلْمَةٍ وَذَا إِبْصَارٍ
[ ص: 372 ] وَذَا ضِيَاءٍ ا ه . وَقَدْ تَكَرَّرَ التَّذْكِيرُ فِي التَّنْزِيلِ بِآيَاتِ اللَّهِ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنْ خَلْقِهِمَا وَتَقْدِيرِهِمَا وَمَنَافِعِ النَّاسِ فِيهِمَا ، وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ احْتِبَاكٌ وَهُوَ أَنَّهُ حَذَفَ مِنْ كُلٍّ مِنْ آيَتَيِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَا أَثْبَتَ مُقَابِلَهُ فِي الْأُخْرَى وَالْعَكْسُ ، وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=treesubj&link=28981 ( nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=67إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ ) مِثْلُهُ ، أَيْ إِنَّ فِيمَا ذُكِرَ لَدَلَائِلَ بَيِّنَاتٍ ، وَآيَاتٍ أَيَّ آيَاتٍ ، عَلَى وَحْدَانِيَّتِهِ فِي الذَّاتِ وَالصِّفَاتِ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ مَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ مِنَ التَّذْكِيرِ بِحِكَمِهِ تَعَالَى وَنَعَمِهِ فِيهَا سَمَاعَ فِقْهٍ وَتَدَبُّرٍ ، وَيُبْصِرُونَ مَا فِي الْكَائِنَاتِ مِنَ السُّنَنِ الْحَكِيمَةِ إِبْصَارَ تَأَمُّلٍ ، ذَكَرَ الْآيَاتِ السَّمْعِيَّةَ الْمُنَاسِبَةَ لِلَّيْلِ الَّذِي قَدَّمَ ذِكْرَهُ ، وَهِيَ تَدُلُّ عَلَى الْآيَاتِ الْبَصَرِيَّةِ الْمُنَاسِبَةِ لِلنَّهَارِ وَتَذْكِيرٌ بِهَا ، وَهُوَ أَبْلَغُ الْإِيجَازِ ، وَقَدْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي مَقَامِ الْإِطْنَابِ مِنْ سُورَةِ الْقَصَصِ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=71قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=72قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=73وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) ( 28 : 71 - 73 ) وَأَحْسِنْ بِذَلِكَ الْإِطْنَابِ تَفْسِيرًا لِمَا هُنَا مِنَ الْإِيجَازِ ، وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا مَوْقِعُهُ مِنْ بَلَاغَةِ الْإِعْجَازِ .