[ ص: 398 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=104قل يا أيها الناس إن كنتم في شك من ديني فلا أعبد الذين تعبدون من دون الله ولكن أعبد الله الذي يتوفاكم وأمرت أن أكون من المؤمنين nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=105وأن أقم وجهك للدين حنيفا ولا تكونن من المشركين nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=106ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذا من الظالمين nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=107وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله يصيب به من يشاء من عباده وهو الغفور الرحيم ) .
هذه الآيات الأربع والآيتان اللتان بعدها ختم للسورة بالنداء العام ، في
nindex.php?page=treesubj&link=29617الدعوة إلى عقيدة الإسلام ، أجملت أمرا ونهيا وخبرا في خاتمتها ، كما فصلت في جملتها ، قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=104nindex.php?page=treesubj&link=28981قل ياأيها الناس إن كنتم في شك من ديني ) أي إن كنتم في شك من صحة ديني الذي دعوتكم إليه ، أو من ثباتي واستقامتي عليه ، وترجون تحويلي عنه (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=104فلا أعبد الذين تعبدون من دون الله ) أي فلا أعبد في وقت من الأوقات ، ولا حال من الأحوال ، أحدا من الذين تعبدونهم غير الله ، من ملك أو بشر ; أو كوكب أو شجر أو حجر ، مما اتخذتم من الأصنام والأوثان (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=104ولكن أعبد الله الذي يتوفاكم ) أي يقبضكم إليه بالموت ثم يبعثكم فيحاسبكم ويجزيكم ، ولا يفعل أحد غيره هذا ولا يقدر عليه ، وإنما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=104إن كنتم في شك من ديني ) وشرطه يدل على الشك في شكهم وهو - صلى الله عليه وسلم - لا يشك فيه ، لأنه نزل دينه منزلة ما لا ينبغي أن يشكوا فيه لشدة ظهوره ، وتألق نوره ، كما بينا مثله في تفسير : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=23وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله ) ( 2 : 23 ) الآية وما بعدها . ووصف الله بتوفيهم دون غيره من صفاته وأفعاله ، لتذكير كل منهم بما لا يشك فيه من عاقبة أمره ، وأنه سيكون كما وعده في الدنيا والآخرة (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=104وأمرت أن أكون من المؤمنين ) الذين وعدهم الله بالنجاة من عذابه ، وينصرهم على أعدائهم وأعدائه ، واستخلافهم في أرضه ، وإنه لإيجاز بليغ .
[ ص: 399 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=105وأن أقم وجهك للدين حنيفا ) أي أمرت بأن أكون من المؤمنين ، وبأن أقيم وجهي للدين القيم الذي لا عوج فيه حالة كوني حنيفا ، أي مائلا عن غيره من الشرك والباطل ، ولكن اختير هنا صيغة الطلب وفيما قبله الخبر ؛ ذلك بأن الخبر هو المناسب لعلاقة هذا الأمر بالماضي وهو أن يكون من جماعة المؤمنين ، الموعودين بما تقدم من سنة الله في النبيين ، والطلب هو المناسب لعلاقته هو وما عطف عليه من النهي بالحال والاستقبال ، من دعوة هذا الدين الموجهة إلى
أهل مكة وسائر الناس - ولا فرق بينهما في الإعراب كما حققه
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه وغيره - وإقامة الوجه للدين هنا وفي سورة الروم ( 30 - 43 ) عبارة عن التوجه فيه إلى الله تعالى وحده في الدعاء وغيره بدون التفات إلى غيره ، والمراد به توجه القلب ، وفي معناه: (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=79إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا ) ( 6 : 79 ) ومثله إسلام الوجه لله في سورة البقرة ( 2 : 112 ) وآل عمران ( 3 : 20 ) والنساء ( 4 : 125 ) وإسلامه إلى الله في سورة لقمان ( 31 : 22 ) وكذا توجيه الوجه الحسي إلى القبلة في آياتها وهو الأصل في اللغة ، والمراد به وجهة الإنسان ، فمن توجه قلبه في عبادة من العبادات ( ولا سيما مخ العبادة وروحها وهو الدعاء ) إلى غير الله فهو عابد له مشرك بالله ، وأكده بالنهي عن ضده معطوفا عليه فقال :
nindex.php?page=treesubj&link=28675_28981 ( nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=105ولا تكونن من المشركين ) أصحاب الديانات الوثنية الباطلة ، الذين يجعلون بينهم وبين الله تعالى حجابا من الوسطاء والأولياء والشفعاء يوجهون قلوبهم إليهم عند الشدة تصيبهم ، والحاجة التي تستعصي على كسبهم ، ووجوههم وجملتهم إلى صورهم وتماثيلهم في هياكلهم ، أو قبورهم في معابدهم ، ويدعونهم لقضاء حوائجهم إما بأنفسهم وإما بشفاعتهم ووساطتهم عند ربهم ، ثم بين هذا بالإشارة إلى سببه عند المشركين والنهي عن مثله معطوفا عليه فقال :
nindex.php?page=treesubj&link=28675_29431 ( nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=106ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك ) أي ولا تدع غيره تعالى ( دعاء عبادة ، وهو ما فيه معنى القربة والجري على غير المعتاد في طلب الناس بعضهم من بعض ) لا على سبيل الاستقلال ، ولا على سبيل الاشتراك بوساطة الشفعاء - ما لا ينفعك إن دعوته لا بنفسه ولا بوساطته ، ولا يضرك إن تركت دعاءه ولا إن دعوت غيره (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=106فإن فعلت فإنك إذا من الظالمين ) أي فإن فعلت هذا بأن دعوت غيره فإنك أيها الفاعل في هذه الحال من طغامة الظالمين لأنفسهم الظلم الأكبر ، وهو الشرك الذي فسر به النبي - صلى الله عليه وسلم - قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=13إن الشرك لظلم عظيم ) ( 31 : 13 ) فإنه لما كان
nindex.php?page=treesubj&link=19734_19738دعاء الله وحده هو أعظم العبادة ومخها - كما ورد في الحديث - كان دعاء غيره هو معظم الشرك ومخه ، كما كررنا التصريح به بتكرار تفسير الآيات الناهية عنه ، ومنها في هذه السورة قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=18ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله ) ( 218 ) وقوله: (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=49قل لا أملك لنفسي ضرا ولا نفعا إلا ما شاء الله ) ( 49 ) وقوله قبلهما : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=12وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما ) ( 12 )
[ ص: 400 ] وقوله في أهل الفلك ( السفينة ) المشركين عند إحاطة الخطر بهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=22دعوا الله مخلصين له الدين ) ( 22 ) .
والآيات في هذا المعنى كثيرة متفرقة في السور ، كررت لأجل انتزاع هذا الشرك الأكبر من قلوب الجمهور الأكبر ، وقد انتزع من قلوب الذين أخذوا دينهم من القرآن ، وكان جل عبادتهم تكرار تلاوته بالغدو والآصال ، والليل والنهار ، ثم عاد بقضه وقضيضه إلى الذين هجروا تدبر القرآن وهم يدعون الإسلام ، وأكثرهم يتلقون عقائدهم من الآباء والأمهات والمعاشرين ، وأكثر هؤلاء من الخرافيين الأميين ، الجاهلين ، وأكثر القارئين منهم على قلتهم يأخذونها من كتب مقلدة متأخري المتكلمين الجدلية والمتصوفة الخرافية ، ولا يكاد مسجد من مساجدهم يخلو من قبر مشرف مشيد ، توقد عليه السرج والمصابيح ، وقد لعن الرسول - صلى الله عليه وسلم - فاعليها ، ويتوجه إليه الرجال والنساء ، في كل صباح ومساء ، يدعون من دون الله من يعتقدون أنهم أحياء يقيمون فيها ، ويتقربون إليهم بالهدايا والنذور من الأميين ، وبعرائض الاستغاثة والدعاء من المتعلمين ، ليكشفوا عنهم الضر ، ويهبوا لهم ما يرجون من النفع ، ومن أمامهم وورائهم عمائم مكورة ، ولحى طويلة أو مقصرة ، يسمون شركهم الأكبر توسلا ، واستغاثتهم استشفاعا ، ونذورهم لغير الله صدقات مشروعة ، وطوافهم بالقبور المعبودة زيارات مقبولة ، ويتأولون هذه الآيات الكثيرة ، بل يحرفونها عن مواضعها ، بزعمهم أنها خاصة بعبادة الأصنام ، والنذور للأوثان ، والتعظيم للصلبان ، كأن الإشراك بالله جائز من بعض الناس ببعض المخلوقات دون بعض ، ومن البلاء الأكبر على الإسلام والمسلمين بمصر أن أصدرت لهم مشيخة الأزهر الرسمية في هذا العصر مجلة رسمية دينية ، تفتيهم بشرعية كل هذه البدع الشركية القبورية ، سمتها ( نور الإسلام ) وألف لهم أحد خطباء الفتنة كتابا في هذا واطأه عليه وأمضاه له سبعون عالما من علماء الأزهر بزعمه ، بل طبع في طرته خواتم بعضهم وتواقيع آخرين منهم بخطوطهم وذكر جميع أسمائهم ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، وبه وحده المستعان لإنقاذ الإسلام من هذا الطغيان ، ومنهم من يحتج على نفع هذا الدعاء لغير الله بالتجارب ، كما يحتج الهنود الوثنيون
والنصارى ، فهو مشترك الإلزام وقد أبطله الله بقوله :
(
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=107nindex.php?page=treesubj&link=28981_28786وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو ) هذه الآية مؤكدة لما قبلها داحضة لشبهة الذين يدعون غير الله بأنهم طالما استفادوا من دعائهم والاستغاثة بهم فشفيت أمراضهم ، وكبتت أعداؤهم ، وكشف الضر عنهم ، وأسدي الخير إليهم ، يقول تعالى لكل مخاطب بهذه الدعوة إلى توحيد الإسلام ، بكلام الله وتبليغ
محمد عليه أفضل الصلاة والسلام: (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=107وإن يمسسك الله )
[ ص: 401 ] أيها الإنسان ( بضر ) كمرض يصيبك بمخالفة سننه في حفظ الصحة ، أو نقص من الأموال والثمرات بأسبابه لك فيه عبرة ، أو ظلم يقع عليك من الحكام المستبدين ، أو غيرهم من الأعداء المعتدين (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=107فلا كاشف له إلا هو ) وقد جعل لكل شيء سببا يعرفه خلقه بتجاربهم ، ككشف الأمراض بمعرفة أسبابها ، وخواص العقاقير التي تداوى بها ، وتجارب الأعمال الجراحية التي يزاولها أهلها ، فعليك أن تطلبها من أسبابها ، وتكل أعمالها إلى أربابها ، وتأتي سائر البيوت من أبوابها ، مع الإيمان والشكر لمسخرها ، فإن جهلت الأسباب أو أعياك أمرها ، فتوجه إلى الله وحده ، وادعه مخلصا له الدين متوكلا عليه وحده ، يسخر لك ما شاء أو من شاء من خلقه ، أو يشفك من مرضك بمحض فضله ، كما ضرب لك الأمثال في هذه السورة وغيرها من كتابه (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=107وإن يردك بخير ) يهبه بتسخير أسبابه لك ، وبغير سبب ولا سعي منك ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=107فلا راد لفضله ) أي فلا أحد ولا شيء يرد فضله الذي تتعلق به إرادته ، فما شاء كان حتما ، فلا ترج الخير والنفع إلا من فضله ، ولا تخف رد ما يريده لك من أحد غيره (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=107يصيب به من يشاء من عباده ) يصيب بالخير من يشاء من عباده بكسب وبغير كسب وبسبب مما قدره في السنن العامة وبغير سبب ، ففضله تعالى على عباده عام بعموم رحمته ، بخلاف الضر فإنه لا يقع إلا بسبب من الأسباب الخاصة بكسب العبد ، أو العامة في نظام الخلق ، فالأول معلوم كالأمراض التي تعرض بترك أسباب الصحة والوقاية جهلا أو تقصيرا ، وفساد العمران وسقوط الدول الذي يقع بترك العدل ، وكثرة الفسق والظلم ، والثاني كالضرر الذي يعرض من كثرة الأمطار ، وطغيان البحار والأنهار ، وزلازل الأرض وصواعق السماء (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=107وهو الغفور الرحيم ) ولولا مغفرته الواسعة ورحمته العامة لأهلك جميع الناس بذنوبهم في الدنيا قبل الآخرة (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=30وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير ) ( 42 : 30 ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=45ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ) ( 35 : 45 ) .
[ ص: 398 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=104قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مَنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=105وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلَا تَكُونُنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=106وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=107وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) .
هَذِهِ الْآيَاتُ الْأَرْبَعُ وَالْآيَتَانِ اللَّتَانِ بَعْدَهَا خَتْمٌ لِلسُّورَةِ بِالنِّدَاءِ الْعَامِّ ، فِي
nindex.php?page=treesubj&link=29617الدَّعْوَةِ إِلَى عَقِيدَةِ الْإِسْلَامِ ، أَجْمَلَتْ أَمْرًا وَنَهْيًا وَخَبَرًا فِي خَاتِمَتِهَا ، كَمَا فَصَّلَتْ فِي جُمْلَتِهَا ، قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=104nindex.php?page=treesubj&link=28981قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي ) أَيْ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ صِحَّةِ دِينِيَ الَّذِي دَعَوْتُكُمْ إِلَيْهِ ، أَوْ مِنْ ثَبَاتِي وَاسْتِقَامَتِي عَلَيْهِ ، وَتَرْجُونَ تَحْوِيلِي عَنْهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=104فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ) أَيْ فَلَا أَعْبُدُ فِي وَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ ، وَلَا حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ ، أَحَدًا مِنَ الَّذِينَ تَعْبُدُونَهُمْ غَيْرَ اللَّهِ ، مَنْ مَلَكٍ أَوْ بَشَرٍ ; أَوْ كَوْكَبٍ أَوْ شَجَرٍ أَوْ حَجَرٍ ، مِمَّا اتَّخَذْتُمْ مِنَ الْأَصْنَامِ وَالْأَوْثَانِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=104وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ ) أَيْ يَقْبِضُكُمْ إِلَيْهِ بِالْمَوْتِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فَيُحَاسِبُكُمْ وَيَجْزِيكُمْ ، وَلَا يَفْعَلُ أَحَدٌ غَيْرُهُ هَذَا وَلَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ ، وَإِنَّمَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=104إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي ) وَشَرْطُهُ يَدُلُّ عَلَى الشَّكِّ فِي شَكِّهِمْ وَهُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَشُكُّ فِيهِ ، لِأَنَّهُ نَزَلَّ دِينَهُ مَنْزِلَةَ مَا لَا يَنْبَغِي أَنْ يَشُكُّوا فِيهِ لِشِدَّةِ ظُهُورِهِ ، وَتَأَلُّقِ نُورِهِ ، كَمَا بَيَّنَّا مِثْلَهُ فِي تَفْسِيرِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=23وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ ) ( 2 : 23 ) الْآيَةَ وَمَا بَعْدَهَا . وَوَصْفُ اللَّهِ بِتَوَفِّيهِمْ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ صِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ ، لِتَذْكِيرِ كُلٍّ مِنْهُمْ بِمَا لَا يَشُكُّ فِيهِ مِنْ عَاقِبَةِ أَمْرِهِ ، وَأَنَّهُ سَيَكُونُ كَمَا وَعَدَهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=104وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) الَّذِينَ وَعَدَهُمُ اللَّهُ بِالنَّجَاةِ مِنْ عَذَابِهِ ، وَيَنْصُرُهُمْ عَلَى أَعْدَائِهِمْ وَأَعْدَائِهِ ، وَاسْتِخْلَافِهِمْ فِي أَرْضِهِ ، وَإِنَّهُ لَإِيجَازٌ بَلِيغٌ .
[ ص: 399 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=105وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ) أَيْ أُمِرْتُ بِأَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ، وَبِأَنْ أُقِيمَ وَجْهِيَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ الَّذِي لَا عِوَجَ فِيهِ حَالَةَ كَوْنِي حَنِيفًا ، أَيْ مَائِلًا عَنْ غَيْرِهِ مِنَ الشِّرْكِ وَالْبَاطِلِ ، وَلَكِنِ اخْتِيرَ هُنَا صِيغَةُ الطَّلَبِ وَفِيمَا قَبْلَهُ الْخَبَرُ ؛ ذَلِكَ بِأَنَّ الْخَبَرَ هُوَ الْمُنَاسِبُ لِعَلَاقَةِ هَذَا الْأَمْرِ بِالْمَاضِي وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مِنْ جَمَاعَةِ الْمُؤْمِنِينَ ، الْمَوْعُودِينَ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ سُنَّةِ اللَّهِ فِي النَّبِيِّينَ ، وَالطَّلَبُ هُوَ الْمُنَاسِبُ لِعَلَاقَتِهِ هُوَ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ مِنَ النَّهْيِ بِالْحَالِ وَالِاسْتِقْبَالِ ، مِنْ دَعْوَةِ هَذَا الدِّينِ الْمُوَجَّهَةِ إِلَى
أَهْلِ مَكَّةَ وَسَائِرِ النَّاسِ - وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي الْإِعْرَابِ كَمَا حَقَّقَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ وَغَيْرُهُ - وَإِقَامَةُ الْوَجْهِ لِلدِّينِ هُنَا وَفِي سُورَةِ الرُّومِ ( 30 - 43 ) عِبَارَةٌ عَنِ التَّوَجُّهِ فِيهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَحْدَهُ فِي الدُّعَاءِ وَغَيْرِهِ بِدُونِ الْتِفَاتٍ إِلَى غَيْرِهِ ، وَالْمُرَادُ بِهِ تَوَجُّهُ الْقَلْبِ ، وَفِي مَعْنَاهُ: (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=79إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا ) ( 6 : 79 ) وَمِثْلُهُ إِسْلَامُ الْوَجْهِ لِلَّهِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ ( 2 : 112 ) وَآلِ عِمْرَانَ ( 3 : 20 ) وَالنِّسَاءِ ( 4 : 125 ) وَإِسْلَامُهُ إِلَى اللَّهِ فِي سُورَةِ لُقْمَانَ ( 31 : 22 ) وَكَذَا تَوْجِيهُ الْوَجْهِ الْحِسِّيِّ إِلَى الْقِبْلَةِ فِي آيَاتِهَا وَهُوَ الْأَصْلُ فِي اللُّغَةِ ، وَالْمُرَادُ بِهِ وِجْهَةُ الْإِنْسَانِ ، فَمَنْ تَوَجَّهَ قَلْبُهُ فِي عِبَادَةٍ مِنَ الْعِبَادَاتِ ( وَلَا سِيَّمَا مُخِّ الْعِبَادَةِ وَرُوحِهَا وَهُوَ الدُّعَاءُ ) إِلَى غَيْرِ اللَّهِ فَهُوَ عَابِدٌ لَهُ مُشْرِكٌ بِاللَّهِ ، وَأَكَّدَهُ بِالنَّهْيِ عَنْ ضِدِّهِ مَعْطُوفًا عَلَيْهِ فَقَالَ :
nindex.php?page=treesubj&link=28675_28981 ( nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=105وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) أَصْحَابِ الدِّيَانَاتِ الْوَثَنِيَّةِ الْبَاطِلَةِ ، الَّذِينَ يَجْعَلُونَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى حِجَابًا مِنَ الْوُسَطَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ وَالشُّفَعَاءِ يُوَجِّهُونَ قُلُوبَهُمْ إِلَيْهِمْ عِنْدَ الشِّدَّةِ تُصِيبُهُمْ ، وَالْحَاجَةِ الَّتِي تَسْتَعْصِي عَلَى كَسْبِهِمْ ، وَوُجُوهَهُمْ وَجُمْلَتَهُمْ إِلَى صُوَرِهِمْ وَتَمَاثِيلِهِمْ فِي هَيَاكِلِهِمْ ، أَوْ قُبُورِهِمْ فِي مَعَابِدِهِمْ ، وَيَدْعُونَهُمْ لِقَضَاءِ حَوَائِجِهِمْ إِمَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِمَّا بِشَفَاعَتِهِمْ وَوَسَاطَتِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ ، ثُمَّ بَيَّنَ هَذَا بِالْإِشَارَةِ إِلَى سَبَبِهِ عِنْدَ الْمُشْرِكِينَ وَالنَّهْيِ عَنْ مَثَلِهِ مَعْطُوفًا عَلَيْهِ فَقَالَ :
nindex.php?page=treesubj&link=28675_29431 ( nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=106وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ ) أَيْ وَلَا تَدْعُ غَيْرَهُ تَعَالَى ( دُعَاءَ عِبَادَةٍ ، وَهُوَ مَا فِيهِ مَعْنَى الْقُرْبَةِ وَالْجَرْيِ عَلَى غَيْرِ الْمُعْتَادِ فِي طَلَبِ النَّاسِ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ ) لَا عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِقْلَالِ ، وَلَا عَلَى سَبِيلِ الِاشْتِرَاكِ بِوَسَاطَةِ الشُّفَعَاءِ - مَا لَا يَنْفَعُكَ إِنْ دَعْوَتَهُ لَا بِنَفْسِهِ وَلَا بِوَسَاطَتِهِ ، وَلَا يَضُرُّكَ إِنْ تَرَكْتَ دُعَاءَهُ وَلَا إِنْ دَعَوْتَ غَيْرَهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=106فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ ) أَيْ فَإِنْ فَعَلْتَ هَذَا بِأَنْ دَعَوْتَ غَيْرَهُ فَإِنَّكَ أَيُّهَا الْفَاعِلُ فِي هَذِهِ الْحَالِ مِنْ طَغَامَةِ الظَّالِمِينَ لِأَنْفُسِهِمُ الظُّلْمَ الْأَكْبَرَ ، وَهُوَ الشِّرْكُ الَّذِي فَسَّرَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْلَهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=13إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ) ( 31 : 13 ) فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ
nindex.php?page=treesubj&link=19734_19738دُعَاءُ اللَّهِ وَحْدَهُ هُوَ أَعْظَمُ الْعِبَادَةِ وَمُخُّهَا - كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ - كَانَ دُعَاءُ غَيْرِهِ هُوَ مُعْظَمُ الشِّرْكِ وَمُخُّهُ ، كَمَا كَرَّرْنَا التَّصْرِيحَ بِهِ بِتَكْرَارِ تَفْسِيرِ الْآيَاتِ النَّاهِيَةِ عَنْهُ ، وَمِنْهَا فِي هَذِهِ السُّورَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=18وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ ) ( 218 ) وَقَوْلُهُ: (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=49قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ) ( 49 ) وَقَوْلُهُ قَبْلَهُمَا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=12وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا ) ( 12 )
[ ص: 400 ] وَقَوْلُهُ فِي أَهْلِ الْفُلْكِ ( السَّفِينَةِ ) الْمُشْرِكِينَ عِنْدَ إِحَاطَةِ الْخَطَرِ بِهِمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=22دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) ( 22 ) .
وَالْآيَاتُ فِي هَذَا الْمَعْنَى كَثِيرَةٌ مُتَفَرِّقَةٌ فِي السُّورِ ، كُرِّرَتْ لِأَجْلِ انْتِزَاعِ هَذَا الشِّرْكِ الْأَكْبَرِ مِنْ قُلُوبِ الْجُمْهُورِ الْأَكْبَرِ ، وَقَدِ انْتُزِعَ مِنْ قُلُوبِ الَّذِينَ أَخَذُوا دِينَهُمْ مِنَ الْقُرْآنِ ، وَكَانَ جُلَّ عِبَادَتِهِمْ تَكْرَارُ تِلَاوَتِهِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ ، وَاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ، ثُمَّ عَادَ بِقَضِّهِ وَقَضِيضِهِ إِلَى الَّذِينَ هَجَرُوا تَدَبُّرَ الْقُرْآنِ وَهُمْ يَدَّعُونَ الْإِسْلَامَ ، وَأَكْثَرُهُمْ يَتَلَقَّوْنَ عَقَائِدَهُمْ مِنَ الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ وَالْمُعَاشِرِينَ ، وَأَكْثَرُ هَؤُلَاءِ مِنَ الْخُرَافِيَّيْنِ الْأُمِّيَّيْنِ ، الْجَاهِلِينَ ، وَأَكْثَرُ الْقَارِئِينَ مِنْهُمْ عَلَى قِلَّتِهِمْ يَأْخُذُونَهَا مِنْ كُتُبِ مُقَلِّدَةِ مُتَأَخَّرِي الْمُتَكَلِّمِينَ الْجَدَلِيَّةِ وَالْمُتَصَوِّفَةِ الْخُرَافِيَّةِ ، وَلَا يَكَادُ مَسْجِدٌ مِنْ مَسَاجِدِهِمْ يَخْلُو مِنْ قَبْرٍ مُشْرِفٍ مَشِيدٍ ، تُوقَدُ عَلَيْهِ السُّرُجُ وَالْمَصَابِيحُ ، وَقَدْ لَعَنَ الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاعِلِيهَا ، وَيَتَوَجَّهُ إِلَيْهِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ ، فِي كُلِّ صَبَاحٍ وَمَسَاءٍ ، يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُمْ أَحْيَاءٌ يُقِيمُونَ فِيهَا ، وَيَتَقَرَّبُونَ إِلَيْهِمْ بِالْهَدَايَا وَالنُّذُورِ مِنَ الْأُمِّيِّينَ ، وَبِعَرَائِضِ الِاسْتِغَاثَةِ وَالدُّعَاءِ مِنَ الْمُتَعَلِّمِينَ ، لِيَكْشِفُوا عَنْهُمُ الضُّرَّ ، وَيَهَبُوا لَهُمْ مَا يَرْجُونَ مِنَ النَّفْعِ ، وَمِنْ أَمَامِهِمْ وَوَرَائِهِمْ عَمَائِمُ مُكَوَّرَةٌ ، وَلِحًى طَوِيلَةٌ أَوْ مُقَصَّرَةٌ ، يُسَمُّونَ شِرْكَهُمُ الْأَكْبَرَ تَوَسُّلًا ، وَاسْتِغَاثَتَهُمُ اسْتِشْفَاعًا ، وَنُذُورَهُمْ لِغَيْرِ اللَّهِ صَدَقَاتٍ مَشْرُوعَةً ، وَطَوَافَهُمْ بِالْقُبُورِ الْمَعْبُودَةِ زِيَارَاتٍ مَقْبُولَةً ، وَيَتَأَوَّلُونَ هَذِهِ الْآيَاتِ الْكَثِيرَةَ ، بَلْ يُحَرِّفُونَهَا عَنْ مَوَاضِعِهَا ، بِزَعْمِهِمْ أَنَّهَا خَاصَّةٌ بِعِبَادَةِ الْأَصْنَامِ ، وَالنُّذُورِ لِلْأَوْثَانِ ، وَالتَّعْظِيمِ لِلصُّلْبَانِ ، كَأَنَّ الْإِشْرَاكَ بِاللَّهِ جَائِزٌ مِنْ بَعْضِ النَّاسِ بِبَعْضِ الْمَخْلُوقَاتِ دُونَ بَعْضٍ ، وَمِنَ الْبَلَاءِ الْأَكْبَرِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ بِمِصْرَ أَنْ أَصْدَرَتْ لَهُمْ مَشْيَخَةُ الْأَزْهَرِ الرَّسْمِيَّةُ فِي هَذَا الْعَصْرِ مَجَلَّةً رَسْمِيَّةً دِينِيَّةً ، تُفْتِيهِمْ بِشَرْعِيَّةِ كُلِّ هَذِهِ الْبِدَعِ الشَّرِكِيَّةِ الْقُبُورِيَّةِ ، سَمَّتْهَا ( نُورَ الْإِسْلَامِ ) وَأَلَّفَ لَهُمْ أَحَدُ خُطَبَاءِ الْفِتْنَةِ كِتَابًا فِي هَذَا وَاطَأَهُ عَلَيْهِ وَأَمْضَاهُ لَهُ سَبْعُونَ عَالِمًا مِنْ عُلَمَاءِ الْأَزْهَرِ بِزَعْمِهِ ، بَلْ طَبَعَ فِي طُرَّتِهِ خَوَاتِمَ بَعْضِهِمْ وَتَوَاقِيعَ آخَرِينَ مِنْهُمْ بِخُطُوطِهِمْ وَذَكَرَ جَمِيعَ أَسْمَائِهِمْ ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ، وَبِهِ وَحْدُهُ الْمُسْتَعَانُ لِإِنْقَاذِ الْإِسْلَامِ مِنْ هَذَا الطُّغْيَانِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَحْتَجُّ عَلَى نَفْعِ هَذَا الدُّعَاءِ لِغَيْرِ اللَّهِ بِالتَّجَارِبِ ، كَمَا يَحْتَجُّ الْهُنُودُ الْوَثَنِيُّونَ
وَالنَّصَارَى ، فَهُوَ مُشْتَرَكُ الْإِلْزَامِ وَقَدْ أَبْطَلَهُ اللَّهُ بِقَوْلِهِ :
(
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=107nindex.php?page=treesubj&link=28981_28786وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ ) هَذِهِ الْآيَةُ مُؤَكِّدَةٌ لِمَا قَبْلَهَا دَاحِضَةٌ لِشُبْهَةِ الَّذِينَ يَدْعُونَ غَيْرَ اللَّهِ بِأَنَّهُمْ طَالَمَا اسْتَفَادُوا مِنْ دُعَائِهِمْ وَالِاسْتِغَاثَةِ بِهِمْ فَشُفِيَتْ أَمْرَاضُهُمْ ، وَكُبِتَتْ أَعْدَاؤُهُمْ ، وَكُشِفَ الضُّرُّ عَنْهُمْ ، وَأُسْدِيَ الْخَيْرُ إِلَيْهِمْ ، يَقُولُ تَعَالَى لِكُلِّ مُخَاطَبٍ بِهَذِهِ الدَّعْوَةِ إِلَى تَوْحِيدِ الْإِسْلَامِ ، بِكَلَامِ اللَّهِ وَتَبْلِيغِ
مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ: (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=107وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ )
[ ص: 401 ] أَيُّهَا الْإِنْسَانُ ( بِضُرٍّ ) كَمَرَضٍ يُصِيبُكَ بِمُخَالَفَةِ سُنَنِهِ فِي حِفْظِ الصِّحَّةِ ، أَوْ نَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالثَّمَرَاتِ بِأَسْبَابِهِ لَكَ فِيهِ عِبْرَةٌ ، أَوْ ظُلْمٍ يَقَعُ عَلَيْكَ مِنَ الْحُكَّامِ الْمُسْتَبِدِّينَ ، أَوْ غَيْرِهِمْ مِنَ الْأَعْدَاءِ الْمُعْتَدِينَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=107فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ ) وَقَدْ جَعَلَ لِكُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا يَعْرِفُهُ خَلْقُهُ بِتَجَارِبِهِمْ ، كَكَشْفِ الْأَمْرَاضِ بِمَعْرِفَةِ أَسْبَابِهَا ، وَخَوَاصِّ الْعَقَاقِيرِ الَّتِي تُدَاوَى بِهَا ، وَتَجَارِبِ الْأَعْمَالِ الْجِرَاحِيَّةِ الَّتِي يُزَاوِلُهَا أَهْلُهَا ، فَعَلَيْكَ أَنْ تَطْلُبَهَا مِنْ أَسْبَابِهَا ، وَتَكِلَ أَعْمَالَهَا إِلَى أَرْبَابِهَا ، وَتَأْتِيَ سَائِرَ الْبُيُوتِ مِنْ أَبْوَابِهَا ، مَعَ الْإِيمَانِ وَالشُّكْرِ لِمُسَخِّرِهَا ، فَإِنْ جَهِلْتَ الْأَسْبَابَ أَوْ أَعْيَاكَ أَمْرُهَا ، فَتَوَجَّهْ إِلَى اللَّهِ وَحْدَهُ ، وَادْعُهُ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ مُتَوَكِّلًا عَلَيْهِ وَحْدَهُ ، يُسَخِّرْ لَكَ مَا شَاءَ أَوْ مَنْ شَاءَ مِنْ خَلْقِهِ ، أَوْ يَشْفِكَ مِنْ مَرَضِكَ بِمَحْضِ فَضْلِهِ ، كَمَا ضَرَبَ لَكَ الْأَمْثَالَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ كِتَابِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=107وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ ) يَهَبْهُ بِتَسْخِيرِ أَسْبَابِهِ لَكَ ، وَبِغَيْرِ سَبَبٍ وَلَا سَعْيٍ مِنْكَ ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=107فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ ) أَيْ فَلَا أَحَدَ وَلَا شَيْءَ يَرُدُّ فَضْلَهُ الَّذِي تَتَعَلَّقُ بِهِ إِرَادَتُهُ ، فَمَا شَاءَ كَانَ حَتْمًا ، فَلَا تَرْجُ الْخَيْرَ وَالنَّفْعَ إِلَّا مِنْ فَضْلِهِ ، وَلَا تَخَفْ رَدَّ مَا يُرِيدُهُ لَكَ مِنْ أَحَدٍ غَيْرِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=107يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ) يُصِيبُ بِالْخَيْرِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ بِكَسْبٍ وَبِغَيْرِ كَسْبٍ وَبِسَبَبٍ مِمَّا قَدَّرَهُ فِي السُّنَنِ الْعَامَّةِ وَبِغَيْرِ سَبَبٍ ، فَفَضْلُهُ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ عَامٌّ بِعُمُومِ رَحْمَتِهِ ، بِخِلَافِ الضُّرِّ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ إِلَّا بِسَبَبٍ مِنَ الْأَسْبَابِ الْخَاصَّةِ بِكَسْبِ الْعَبْدِ ، أَوِ الْعَامَّةِ فِي نِظَامِ الْخَلْقِ ، فَالْأَوَّلُ مَعْلُومٌ كَالْأَمْرَاضِ الَّتِي تَعْرِضُ بِتَرْكِ أَسْبَابِ الصِّحَّةِ وَالْوِقَايَةِ جَهْلًا أَوْ تَقْصِيرًا ، وَفَسَادِ الْعُمْرَانِ وَسُقُوطِ الدُّوَلِ الَّذِي يَقَعُ بِتَرْكِ الْعَدْلِ ، وَكَثْرَةِ الْفِسْقِ وَالظُّلْمِ ، وَالثَّانِي كَالضَّرَرِ الَّذِي يَعْرِضُ مِنْ كَثْرَةِ الْأَمْطَارِ ، وَطُغْيَانِ الْبِحَارِ وَالْأَنْهَارِ ، وَزَلَازِلِ الْأَرْضِ وَصَوَاعِقِ السَّمَاءِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=107وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) وَلَوْلَا مَغْفِرَتُهُ الْوَاسِعَةُ وَرَحْمَتُهُ الْعَامَّةُ لَأَهْلَكَ جَمِيعَ النَّاسِ بِذُنُوبِهِمْ فِي الدُّنْيَا قَبْلَ الْآخِرَةِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=30وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ) ( 42 : 30 ) (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=45وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ ) ( 35 : 45 ) .