أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون     [ ص: 28 ] هذا كلام مستأنف استئنافا بيانيا ، كأنه قيل : كيف حال هؤلاء الجامعين بين التقوى والإيمان بالغيب والإتيان بالفرائض والإيمان بما أنزل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلى من قبله من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فقيل :  أولئك على هدى  ويمكن أن يكون هذا خبرا عن الذين يؤمنون بالغيب إلخ فيكون متصلا بما قبله .  
قال في الكشاف : ومعنى الاستعلاء في قوله : على هدى مثل لتمكنهم من الهدى واستقرارهم عليه وتمسكهم به ، شبهت حالهم حال من اعتلى الشيء وركبه ، ونحوه : هو على الحق وعلى الباطل .  
وقد صرحوا بذلك في قوله : جعل الغواية مركبا وامتطى الجهل واقتعد عازب الهوى انتهى .  
وقد أطال المحققون الكلام على هذا بما لا يتسع له المقام ، واشتهر الخلاف في ذلك بين المحقق  السعد  والمحقق الشريف     . 
واختلف من بعدهم في ترجيح الراجح من القولين ، وقد جمعت في ذلك رسالة سميتها [ الطود المنيف في ترجيح ما قاله  السعد  على ما قاله الشريف     ] فليرجع إليها من أراد أن يتضح له المقام ويجمع بين أطراف الكلام على التمام .  
وقال  ابن جرير     : إن معنى أولئك على هدى من ربهم  على نور من ربهم وبرهان واستقامة وسداد بتسديد الله إياهم وتوفيقه لهم ، والمفلحون أي المنجحون المدكرون ما طلبوا عند الله بأعمالهم وإيمانهم بالله وكتبه ورسله .  
هذا معنى كلامه . 
والفلاح أصله في اللغة : الشق والقطع ، قاله  أبو عبيد     : ويقال الذي شقت شفته أفلح ، ومنه سمي الأكار فلاحا لأنه شق الأرض بالحرث ، فكأن المفلح قد قطع المصاعب حتى نال مطلوبه .  
قال القرطبي     : وقد يستعمل في الفوز والبقاء وهو أصله أيضا في اللغة ، فمعنى  أولئك هم المفلحون  الفائزون بالجنة والباقون . 
وقال في الكشاف : المفلح الفائز بالبغية ، كأنه الذي انفتحت له وجوه الظفر ولم تستغلق عليه انتهى .  
وقد استعمل الفلاح في السحور ، ومنه الحديث الذي أخرجه  أبو داود     " حتى كاد يفوتنا الفلاح مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم     " . 
قلت : وما الفلاح ؟ قال : السحور . 
فكأن معنى الحديث : أن السحور به بقاء الصوم فلهذا سمي فلاحا .  
وفي تكرير اسم الإشارة دلالة على أن كلا من الهدى والفلاح مستقل بتميزهم به عن غيرهم ، بحيث لو انفرد أحدهما لكفى تميزا على حياله .  
وفائدة ضمير الفصل الدلالة على اختصاص المسند إليه بالمسند دون غيره .  
وقد روى  السدي  عن أبي مالك  وأبي صالح  عن  ابن عباس ،  وعن  مرة الهمداني  عن  ابن مسعود ،  وعن أناس من الصحابة أن الذين يؤمنون بالغيب       : هم المؤمنون من العرب - الذين يؤمنون بما أنزل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وما أنزل إلى من قبله : هم ، والمؤمنون من  أهل الكتاب     . ثم جمع الفريقين فقال : أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون   وقد قدمنا الإشارة إلى هذا وإلى ما هو أرجح منه كما هو منقول عن  مجاهد  وأبي العالية   والربيع بن أنس  وقتادة     . 
وأخرج  ابن أبي حاتم  من حديث  عبد الله بن عمرو  عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : قيل : يا رسول الله إنا نقرأ من القرآن فنرجو ونقرأ فنكاد أن نيأس أو كما قال : فقال : ألا أخبركم عن أهل الجنة وأهل النار ؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، قال :  الم  ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين   إلى قوله : المفلحون    [ البقرة : 1 - 5 ] هؤلاء أهل الجنة ، قالوا : إنا نرجو أن نكون هؤلاء ، ثم قال :  إن الذين كفروا سواء عليهم    [ البقرة : 6 ] إلى قوله :  عظيم  ، هؤلاء أهل النار ، قالوا : ألسنا هم يا رسول الله ؟ قال : أجل     . 
وقد ورد في فضل هذه الآيات الشريفة أحاديث : منها ما أخرجه  عبد الله بن أحمد  في زوائد المسند والحاكم  والبيهقي  عن  أبي بن كعب  قال : كنت عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فجاء أعرابي فقال : يا نبي الله إن لي أخا وبه وجع فقال : وما وجعه ؟ قال : به لمم ، قال : فائتني به ، فوضعه بين يديه ، فعوذه النبي بفاتحة الكتاب وأربع آيات من أول سورة البقرة ، وهاتين الآيتين  وإلهكم إله واحد    [ البقرة : 163 ] وآية الكرسي وثلاث آيات من آخر سورة البقرة ، وآية من آل عمران  شهد الله أنه لا إله إلا هو    [ آل عمران : 18 ] ، وآية من الأعراف  إن ربكم الله    [ الأعراف : 54 ] ، وآخر سورة المؤمنين  فتعالى الله الملك الحق    [ المؤمنون : 114 ] ، وآية من سورة الجن  وأنه تعالى جد ربنا    [ الجن : 3 ] ، وعشر آيات من أول الصافات ، وثلاث آيات من آخر سورة الحشر ، وقل هو الله أحد والمعوذتين ، فقام الرجل كأنه لم يشتك قط     . 
وأخرج نحوه  ابن السني  في عمل اليوم والليلة من طريق عبد الرحمن بن أبي يعلى   عن رجل عن أبي  مثله . 
وأخرج الدارمي   وابن الضريس  عن  ابن مسعود  قال : من قرأ أربع آيات من أول سورة البقرة وآية الكرسي وآيتين بعد آية الكرسي وثلاثا من آخر سورة البقرة لم يقربه ولا أهله يومئذ شيطان ، ولا شيء يكرهه في أهله ولا ماله ، ولا تقرأ على مجنون إلا أفاق   . 
وأخرج الدارمي  وابن المنذر   والطبراني  عنه قال : " من قرأ عشر آيات من سورة البقرة في ليلة لم يدخل ذلك البيت شيطان تلك الليلة حتى يصبح     : أربع من أولها ، وآية الكرسي ، وآيتان بعدها ، وثلاث خواتمها أولها  لله ما في السماوات    [ البقرة : 284 ]     " . 
وأخرج  سعيد بن منصور   والدارمي  والبيهقي  عن المغيرة بن سبيع ،  وكان من أصحاب  عبد الله بن مسعود  بنحوه . 
وأخرج  الطبراني  والبيهقي  عن  ابن عمر  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إذا مات أحدكم فلا تحبسوه ، وأسرعوا به إلى قبره ، وليقرأ عند رأسه بفاتحة البقرة وعند رجليه بخاتمة سورة البقرة  وقد ورد في ذلك غير هذا . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					