النجوى : السر بين الاثنين أو الجماعة ، تقول : ناجيت فلانا مناجاة ونجاء ، وهم ينتجون ويتناجون ، ونجوت فلانا أنجوه نجوى ؛ أي : ناجيته ، فنجوى مشتقة من نجوت الشيء أنجوه ؛ أي : خلصته وأفردته ، والنجوة من الأرض : المرتفع ؛ لانفراده بارتفاعه عما حوله ، فالنجوى : المسارة مصدر . وقد تسمى به الجماعة كما يقال : قوم عدل ، قال الله تعالى : ( وإذ هم نجوى ) [ الإسراء : 47 ] فعلى الأول يكون الاستثناء منقطعا ؛ أي : لكل من أمر بصدقة ، أو متصلا على تقدير إلا نجوى من أمر بصدقة ، وعلى الثاني يكون الاستثناء متصلا في موضع خفض على البدل من كثير ؛ أي : لا خير في كثير إلا فيمن أمر بصدقة ، وقد قال جماعة من المفسرين : إن النجوى كلام الجماعة المنفردة أو الاثنين ، سواء كان ذلك سرا أو جهرا ، وبه قال الزجاج ، قوله : ( بصدقة ) الظاهر أنها صدقة التطوع ، وقيل : إنها صدقة الفرض ، والمعروف صدقة التطوع ، والأول أولى ، والمعروف لفظ عام يشمل جميع أنواع البر .
وقال مقاتل : المعروف هنا القرض ، والأول أولى ، ومنه قول الحطيئة :
من يفعل الخير لا يعدم جوازيه لا يذهب العرف بين الله والناس
ومنه الحديث : كل معروف صدقة ، وإن من المعروف أن تلقى أخاك بوجه طلق ، وقيل : المعروف إغاثة الملهوف .والإصلاح بين الناس عام في الدماء والأعراض والأموال ، وفي كل شيء يقع التداعي فيه ، قوله : ( ومن يفعل ذلك ) إشارة إلى الأمور المذكورة ، جعل مجرد الأمر بها خيرا ، ثم رغب في فعلها بقوله : ( ومن يفعل ذلك ) لأن فعلها أقرب إلى الله من مجرد الأمر بها ؛ إذ خيرية الأمر بها إنما هي لكونه وسيلة إلى فعلها .
قوله : ( ابتغاء مرضاة الله ) علة للفعل ؛ لأن من فعلها لغير ذلك فهو غير مستحق لهذا المدح والجزاء ، بل قد يكون غير ناج من الوزر ، والأعمال بالنيات . ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى المشاققة : المعاداة والمخالفة ، وتبين الهدى ظهوره ، بأن يعلم صحة الرسالة بالبراهين الدالة على ذلك ثم يفعل المشاققة ( ويتبع غير سبيل المؤمنين ) أي : غير طريقهم ، وهو ما هم عليه من دين الإسلام والتمسك بأحكامه ( نوله ما تولى ) أي : نجعله واليا لما تولاه من الضلال ( ونصله جهنم ) قرأ عاصم وحمزة وأبو عمرو ( نوله ) ( ونصله ) بسكون الهاء في الموضعين ، وقرأ الباقون بكسرهما وهما لغتان ، وقرئ ( ونصله ) بفتح النون من صلاه ، وقد تقدم بيان ذلك .
وقد استدل جماعة من أهل العلم بهذه الآية على حجية الإجماع لقوله : ( ويتبع غير سبيل المؤمنين ) ولا حجة في ذلك عندي ؛ لأن المراد بغير سبيل المؤمنين هنا هو الخروج من دين الإسلام إلى غيره كما يفيده اللفظ ويشهد به السبب ، فلا تصدق على عالم من علماء هذه الملة الإسلامية اجتهد في بعض مسائل دين الإسلام فأداه اجتهاده إلى مخالفة من بعصره من المجتهدين ، فإنه إنما رام السلوك في سبيل المؤمنين ، وهو الدين القويم والملة الحنيفية ولم يتبع غير سبيلهم ، وقد أخرج عبد بن حميد ، والترمذي ، وابن ماجه وغيرهم ، عن أم حبيبة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : كلام ابن آدم كله عليه لا له إلا أمرا بمعروف أو نهيا عن منكر أو ذكرا لله عز وجل .
قال سفيان الثوري : هذا في كتاب الله [ ص: 330 ] لا خير في كثير من نجواهم الآية ، وقوله : يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا [ النبأ : 38 ] ، وقوله : والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر [ العصر : 1 - 3 ] وقد وردت أحاديث صحيحة في الصمت والتحذير من آفات اللسان والترغيب في حفظه ، وفي الحث على الإصلاح بين الناس .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن مقاتل بن حيان في قوله : ( ومن يفعل ذلك ) تصدق أو أقرض أو أصلح بين الناس . وأخرج أبو نصر السجزي في الإبانة ، عن أنس قال : جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إن الله أنزل علي القرآن يا أعرابي لا خير في كثير من نجواهم إلى قوله : فسوف نؤتيه أجرا عظيما يا أعرابي الأجر العظيم الجنة ، قال الأعرابي : الحمد لله الذي هدانا للإسلام .
وأخرج الترمذي ، والبيهقي في الأسماء والصفات ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : لا يجمع الله هذه الأمة على الضلالة أبدا ، ويد الله على الجماعة ، فمن شذ شذ في النار . وأخرجه الترمذي ، والبيهقي أيضا ، عن ابن عباس مرفوعا .


