قوله : يوم يأتي بعض آيات ربك .
قرأ ابن عمر وابن الزبير " يوم تأتي " بالفوقية ، وقرأ الباقون بالتحتية .
قال المبرد : التأنيث على المجاورة لمؤنث لا على الأصل ومنه قول جرير :
لما أتى خبر الزبير تواضعت سور المدينة والجبال الخشع
وقرأ ابن سيرين : لا تنفع بالفوقية .قال أبو حاتم ، : إن هذا غلط عن ابن سيرين .
وقد قال الناس : في هذا شيء دقيق من النحو ذكره نفطويه ، وذلك أن الإيمان والنفس كل واحد منهما مشتمل على الآخر ، فأنث الإيمان إذ هو من النفس .
قال النحاس : وفيه وجه آخر وهو أن يؤنث الإيمان ، لأنه مصدر كما يذكر المصدر المؤنث مثل فمن جاءه موعظة من ربه ( البقرة : 275 ) .
معنى يوم يأتي بعض آيات ربك يوم يأتي الآيات التي اقترحوها ، وهي التي تضطرهم إلى الإيمان لا ينفع نفسا إيمانها أو ما هو أعم من ذلك فيدخل فيه ما ينتظرونه ، وقيل : هي الآيات التي هي علامات القيامة المذكورة في الأحاديث الثابتة عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ، فهي التي إذا جاءت لا ينفع نفسا إيمانها .
قوله : لم تكن آمنت من قبل أي من قبل إتيان بعض الآيات ، فأما التي قد كانت آمنت من قبل مجيء بعض الآيات فإيمانها ينفعها ، وجملة لم تكن آمنت من قبل في محل نصب على أنها صفة نفسا .
قوله : أو كسبت في إيمانها خيرا معطوف على آمنت والمعنى : أنه لا ينفع نفسا إيمانها عند حضور الآيات متصفة بأنها لم تكن آمنت من قبل ، أو آمنت من قبل ولكن لم تكسب في إيمانها خيرا ، فحصل من هذا أنه لا ينفع إلا الجمع بين الإيمان من قبل مجيء بعض الآيات مع كسب الخير في الإيمان ، فمن آمن من قبل فقط ولم يكسب خيرا في إيمانه أو كسب خيرا ولم يؤمن فإن ذلك غير نافعه ، وهذا التركيب هو كقولك : لا أعطي رجلا اليوم أتاني لم يأتني بالأمس أو لم يمدحني في إتيانه إلي بالأمس ، فإن المستفاد من هذا أنه لا يستحق العطاء إلا رجل أتاه بالأمس ومدحه في إتيانه إليه بالأمس ، ثم أمره الله سبحانه أن يقول لهم : انتظروا ما تريدون إتيانه إنا منتظرون له ، وهذا تهديد شديد ووعيد عظيم ، وهو يقوي ما قيل : في تفسير يوم يأتي بعض آيات ربك أنها الآيات التي اقترحوها من إتيان الملائكة وإتيان العذاب لهم من قبل الله كما تقدم بيانه .
وقد أخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن ابن مسعود هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة قال : عند الموت أو يأتي ربك قال : يوم القيامة .
وأخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن قتادة ، في تفسير الآية مثله .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن مقاتل أو يأتي ربك قال : يوم القيامة في ظلل من الغمام .
وأخرج أحمد ، وعبد بن حميد ، في مسنده والترمذي ، وأبو يعلى ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، وابن مردويه ، عن أبي سعيد الخدري عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في قوله : يوم يأتي بعض آيات ربك قال : طلوع الشمس من مغربها .
قال الترمذي ، : غريب .
ورواه ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، عن أبي سعيد موقوفا .
وأخرجه الطبراني وابن عدي وابن مردويه ، من حديث أبي هريرة مرفوعا .
وأخرجه سعيد بن منصور ، وابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، ونعيم بن حماد والطبراني عن ابن مسعود موقوفا .
فإذا ثبت رفع هذا التفسير النبوي من وجه صحيح لا قادح فيه فهو واجب التقديم له متحتم الأخذ به ، ويؤيده ما ثبت في الصحيحين وغيرهما ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها ، فإذا طلعت ورآها الناس آمنوا أجمعون فذلك حين لا ينفع نفسا إيمانها ، ثم قرأ الآية .
وأخرج مسلم وأبو داود والترمذي ، والنسائي ، وغيرهم عن أبي ذر مرفوعا نحوه .
وأخرج ابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، عن ابن عباس ، مرفوعا نحوه أيضا .
وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن السدي ، في قوله : أو كسبت في إيمانها خيرا يقول : كسبت في تصديقها عملا صالحا ، هؤلاء أهل القبلة وإن كانت مصدقة لم تعمل قبل ذلك خيرا فعملت بعد أن رأت الآية لم يقبل منها ، وإن عملت قبل الآية خيرا ، ثم عملت بعد الآية خيرا قبل منها .
وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن مقاتل في قوله : أو كسبت في إيمانها خيرا قال : يعني المسلم الذي لم يعمل في إيمانه خيرا وكان قبل الآية مقيما على الكبائر .
والآيات التي هي علامات القيامة قد وردت الأحاديث المتكاثرة في بيانها وتعدادها ، وهي مذكورة في كتب السنة .


