أرى مر السنين أخذن مني كما أخذ السرار من الهلال
بكسر النون من السنين .قال النحاس : وأنشد سيبويه هذا البيت بفتح النون .
أقول :
قد ورد ما لا احتمال فيه وهو قول الشاعر :
وماذا تزدري الأقوام مني وقد جاوزت حد الأربعين
أخو الخمسين مجتمع أشدي وتجذبني مداورة السنين
وأول هذه الأبيات :
أنا ابن جلا وطلاع الثنايا متى أضع العمامة تعرفوني
ورجال مكة مسنتون عجاف
ونقص من الثمرات بسبب عدم نزول المطر وكثرة العاهات لعلهم يذكرون فيتعظون ويرجعون عن غوايتهم .قوله : فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه أي الخصلة الحسنة من الخصب بكثرة المطر وصلاح الثمرات ورخاء الأسعار قالوا لنا هذه أي أعطيناها باستحقاق ، وهي مختصة بنا وإن تصبهم سيئة أي خصلة سيئة من الجدب والقحط وكثرة الأمراض ونحوها من البلاء يطيروا بموسى ومن معه أي يتشاءموا بموسى ومن معه من المؤمنين به ، والأصل يتطيروا أدغمت التاء في الطاء .
وقرأ طلحة " تطيرنا " على أنه فعل ماض ، وقد كانت العرب تتطير بأشياء من الطيور والحيوانات ، ثم استعمل بعد ذلك في كل من تشاءم بشيء ، ومثل هذا قوله تعالى : وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك ( النساء : 78 ) قيل : ووجه تعريف الحسنة أنها كثيرة الوقوع ، ووجه تنكير السيئة ندرة وقوعها .
قوله : ألا إنما طائرهم عند الله أي سبب خيرهم وشرهم بجميع ما ينالهم من خصب وقحط هو من عند الله ليس بسبب موسى ومن معه ، وكان هذا الجواب على نمط ما يعتقدونه وبما يفهمونه ، ولهذا عبر بالطائر عن الخير والشر الذي يجري بقدر الله وحكمته ومشيئته ولكن أكثرهم لا يعلمون بهذا بل ينسبون الخير والشر إلى غير الله جهلا منهم .
وقرأ الحسن " طيرهم " .
قوله : وقالوا مهما تأتنا به من آية لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين قال الخليل : أصل مهما ما الشرطية زيدت عليه ما التي للتوكيد كما تزاد في سائر الحروف مثل : حيثما وأينما وكيفما ومتى ما ، ولكنهم كرهوا اجتماع المثلين فأبدلوا ألف الأولى هاء .
وقال الكسائي : أصله مه : أي اكفف ما تأتينا به من آية ، وزيدت عليها ما الشرطية ، وقيل : هي كلمة مفردة يجازي بها ، ومحل مهما الرفع على الابتداء ، أو النصب بفعل يفسره ما بعدها ، و من آية لبيان مهما ، وسموها آية استهزاء بموسى كما يفيده ما بعده ، وهو لتسحرنا بها أي لتصرفنا عما نحن عليه كما يفعله السحرة بسحرهم ، والضمير في به عائد إلى مهما ، والضمير [ ص: 495 ] في بها عائد إلى آية ، وقيل : إنهما جميعا عائدان إلى مهما ، وتذكير الأول باعتبار اللفظ ، وتأنيث الثاني باعتبار المعنى فما نحن لك بمؤمنين جواب الشرط : أي فما نحن لك بمصدقين : أخبروا عن أنفسهم أنهم لا يؤمنون بشيء مما يجيء به من الآيات التي هي في زعمهم من السحر .
فعند ذلك نزلت بهم العقوبة من الله عز وجل المبينة بقوله : فأرسلنا عليهم الطوفان وهو المطر الشديد .
قال الأخفش : واحده طوفانة ، وقيل : هو مصدر كالرجحان والنقصان فلا واحد له ، وقيل : الطوفان : الموت .
وقال النحاس : الطوفان في اللغة ما كان مهلكا من موت أو سيل : أي ما يطيف بهم فيهلكهم والجراد هو الحيوان المعروف أرسله الله لأكل زروعهم فأكلها والقمل قيل : هي الدباء ، والدباء الجراد قبل أن تطير ، وقيل : هي السوس ، وقيل : البراغيث ، وقيل : دواب سود صغار ، وقيل : ضرب من القردان ، وقيل : الجعلان .
قال النحاس : يجوز أن تكون هذه الأشياء كلها أرسلت عليهم .
وقرأ الحسن " القمل " بفتح القاف وإسكان الميم .
وقرأ الباقون بضم القاف وفتح الميم مشددة .
وقد فسر عطاء الخراساني القمل بالقمل والضفادع جمع ضفدع وهو الحيوان المعروف الذي يكون في الماء والدم روي أنه سال النيل عليهم دما ، وقيل : هو الرعاف .
قوله : آيات مفصلات أي مبينات .
قال الزجاج : هو منصوب على الحال .
والمعنى : أرسلنا عليهم هذه الأشياء حال كونها آيات بينات ظاهرات فاستكبروا أي ترفعوا عن الإيمان بالله وكانوا قوما مجرمين لا يهتدون إلى حق ولا ينزعون عن باطل .
قوله : ولما وقع عليهم الرجز أي العذاب بهذه الأمور التي أرسلها الله عليهم ، وقرئ بضم الراء وهما لغتان ، وقيل : كان هذا الرجز طاعونا مات به من القبط في يوم واحد سبعون ألفا قالوا ياموسى ادع لنا ربك بما عهد عندك أي بما استودعك من العلم ، أو بما اختصك به من النبوة ، أو بما عهد إليك أن تدعو به فيجيبك ، والباء متعلقة بادع على معنى أسعفنا إلى ما نطلب من الدعاء بحق ما عندك من عهد الله ، أو ادع لنا متوسلا إليه بعهده عندك ، وقيل : إن الباء للقسم ، وجوابه لنؤمنن : أي أقسمنا بعهد الله عندك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك على أن جواب الشرط ساد مسد جواب القسم ، وعلى أن الباء ليست للقسم تكون اللام في لئن كشفت عنا الرجز جواب قسم محذوف ، و لنؤمنن جواب الشرط ساد مسد جواب القسم ولنرسلن معك بني إسرائيل معطوف على لنؤمنن .
وقد كانوا حابسين لبني إسرائيل عندهم يمتهنونهم في الأعمال فوعدوه بإرسالهم معه .
فلما كشفنا عنهم الرجز إلى أجل هم بالغوه أي رفعنا عنهم العذاب عند أن رجعوا إلى موسى وسألوه بما سألوه ، لكن لا رفعا مطلقا ، بل رفعا مقيدا بغاية هي الأجل المضروب لإهلاكهم بالغرق ، وجواب لما إذا هم ينكثون أي ينقضون ما عقدوه على أنفسهم .
وإذا هي الفجائية : أي فاجئوا النكث وبادروه .
فانتقمنا منهم أي أردنا الانتقام منهم لما نكثوا بسبب ما تقدم لهم من الذنوب المتعددة فأغرقناهم في اليم أي في البحر ، قيل : هو الذي لا يدرك قعره ، وقيل : هو لجته وأوسطه ، وجملة بأنهم كذبوا بآياتنا تعليل للإغراق وكانوا عنها غافلين معطوف على كذبوا : أي كانوا غافلين عن النقمة المدلول عليها بانتقمنا ، أو عن الآيات التي لم يؤمنوا بها بل كذبوا بها وكانوا في تكذيبهم بمنزلة الغافلين عنها .
والثاني أولى لأن الجملتين تعليل للإغراق .
وقد أخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن ابن مسعود ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين قال : السنين الجوع .
وأخرج ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن مجاهد قال : السنين الجوائح ونقص من الثمرات دون ذلك .
وأخرج الحكيم الترمذي ، في نوادر الأصول وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس ، قال : لما أخذ الله آل فرعون بالسنين يبس كل شيء لهم ، وذهبت مواشيهم حتى يبس نيل مصر ، واجتمعوا إلى فرعون ، فقالوا : إن كنت كما تزعم فائتنا في نيل مصر بماء ، قال : غدوة يصبحكم الماء فلما خرجوا من عنده قال : أي شيء صنعت إن لم أقدر على أن أجري في نيل مصر ماء غدوة كذبوني ؟ فلما كان جوف الليل قام فاغتسل ولبس مدرعة صوف ثم خرج حافيا حتى أتى نيل مصر فقال : اللهم إنك تعلم أني أعلم أنك تقدر على أن تملأ نيل مصر ماء فاملأه ماء ، فما علم إلا بجزر الماء يقبل ، فخرج وأقبل النيل يزخ بالماء لما أراد الله بهم من الهلكة .
وأخرج ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن مجاهد في قوله : فإذا جاءتهم الحسنة قال : العافية والرخاء قالوا لنا هذه نحن أحق بها وإن تصبهم سيئة قال : بلاء وعقوبة يطيروا بموسى قال : يتشاءموا به .
وأخرج ابن جرير ، عن ابن عباس ، في قوله : ألا إنما طائرهم عند الله قال : الأمر من قبل الله .
وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، وابن مردويه ، عن عائشة قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : الطوفان الموت .
قال ابن كثير : هو حديث غريب .
وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وأبو الشيخ ، عن ابن عباس ، قال : الطوفان الغرق .
وأخرج هؤلاء عن مجاهد قال : الطوفان الموت على كل حال .
وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن ابن عباس ، قال : الطوفان : مطروا دائما بالليل والنهار ثمانية أيام ، والقمل : الجراد الذي له أجنحة .
وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عنه قال : الطوفان أمر من أمر ربك ، ثم قرأ : فطاف عليها طائف من ربك ( القلم : 19 ) .
وأخرج ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن مجاهد قال : الطوفان : الماء والطاعون والجراد .
قال : يأكل مسامير أرتجهم : يعني أبوابهم وثيابهم ، والقمل الدباء [ ص: 496 ] والضفادع تسقط على فرشهم وفي أطعمتهم ، والدم يكون في ثيابهم ومائهم وطعامهم .
وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن ابن عباس ، قال : القمل الدباء .
وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن ابن عباس ، قال : كانت الضفادع برية ، فلما أرسلها الله على آل فرعون سمعت وأطاعت فجعلت تقذف نفسها في القدر وهي تغلي ، وفي التنانير وهي تفور .
وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن مجاهد قال : سال النيل دما فكان الإسرائيلي يستقي ماء طيبا ، ويستقي الفرعوني دما ، ويشتركان في إناء واحد فيكون ما يلي الإسرائيلي ماء طيبا وما يلي الفرعوني دما .
وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن زيد بن أسلم في قوله : والدم قال : سلط الله عليهم الرعاف .
وأخرج أبو الشيخ ، عن ابن عباس ، قال : مكث موسى في آل فرعون بعد ما غلب السحرة أربعين سنة يريهم الآيات والجراد ، والقمل ، والضفادع .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عنه في قوله : آيات مفصلات قال : كانت آيات مفصلات يتبع بعضها بعضا ليكون لله الحجة عليهم .
وأخرج ابن المنذر ، عنه قال : يتبع بعضها بعضا تمكث فيهم سبتا إلى سبت ثم ترفع عنهم شهرا .
وأخرج ابن مردويه ، عن عائشة عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال : الرجز : العذاب .
وأخرج عبد بن حميد ، عن سعيد بن جبير ، قال : الرجز : الطاعون .
وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن ابن عباس ، في قوله : إلى أجل هم بالغوه قال : الغرق .
وأخرج ابن أبي حاتم ، من طرق ، عن ابن عباس ، قال : اليم البحر .
وأخرج أيضا عن السدي ، مثله .


