قوله : ليس البر قرأ حمزة وحفص بالنصب على أنه خبر ليس والاسم ( أن تولوا ) وقرأ الباقون بالرفع على أنه الاسم . قيل : إن هذه الآية نزلت اليهود والنصارى ، لما أكثروا الكلام في شأن القبلة عند تحويل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى للرد على الكعبة ، وقيل : إن سبب نزولها أنه سأل رسول الله سائل ، وسيأتي ذلك آخر البحث إن شاء الله .
وقوله : قبل المشرق والمغرب قيل : أشار سبحانه بذكر المشرق إلى قبلة النصارى لأنهم يستقبلون مطلع الشمس ، وأشار بذكر المغرب إلى قبلة اليهود ، لأنهم يستقبلون بيت المقدس وهو في جهة الغرب منهم إذ ذاك .
وقوله : ولكن البر هو اسم جامع للخير ، وخبره محذوف تقديره : بر من آمن .
قاله الفراء وقطرب ، وقيل إن التقدير : ولكن ذو البر من آمن ، ووجه هذا التقدير : الفرار عن الإخبار باسم العين عن اسم المعنى ، ويجوز أن يكون البر بمعنى البار ، وهو يطلق المصدر على اسم الفاعل كثيرا ، ومنه في التنزيل والزجاج إن أصبح ماؤكم غورا أي غائرا وهذا اختيار أبي عبيدة .
والمراد بالكتاب هنا الجنس أو القرآن ، والضمير في قوله : ( على حبه ) راجع إلى المال ، وقيل : راجع إلى الإيتاء المدلول عليه بقوله : وآتى المال وقيل : إنه راجع إلى الله سبحانه ، أي على حب الله ، والمعنى على الأول : أنه أعطى المال وهو يحبه ويشح به ، ومنه قوله تعالى : لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون والمعنى على الثاني : أنه يحب إيتاء المال وتطيب به نفسه ، والمعنى على الثالث : أنه أعطى من تضمنته الآية في حب الله عز وجل لا لغرض آخر ، وهو مثل قوله : ويطعمون الطعام على حبه ومثله قول زهير :
إن الكريم على علاته هرم
وقدم ذوي القربى لكون دفع المال إليهم صدقة وصلة إذا كانوا فقراء ، وهكذا ، لعدم قدرتهم على الكسب . اليتامى الفقراء أولى بالصدقة من الفقراء الذين ليسوا بيتامىوالمسكين : الساكن إلى ما في أيدي الناس لكونه لا يجد شيئا .
وابن السبيل المسافر المنقطع وجعل ابنا للسبيل لملازمته له .
وقوله : وفي الرقاب أي في معاونة الأرقاء الذين كاتبهم المالكون لهم ، وقيل : المراد شراء الرقاب وإعتاقها ، وقيل : المراد فك الأسارى .
وقوله : وآتى الزكاة فيه دليل على أن الإيتاء المتقدم هو صدقة التطوع ، لا صدقة الفريضة .
وقوله : ( والموفون ) قيل : هو معطوف على ( من آمن ) ، كأنه قيل : ولكن البر المؤمنون والموفون .
قاله الفراء والأخفش ، وقيل : هو مرفوع على الابتداء ، والخبر محذوف ، وقيل : هو خبر لمبتدأ محذوف ، أي هم الموفون ، وقيل : إنه معطوف على الضمير في ( آمن ) وأنكره أبو علي وقال : ليس المعنى عليه .
وقوله : ( والصابرين ) منصوب على المدح كقوله تعالى : والمقيمين الصلاة ، ومنه ما أنشده أبو عبيدة :
لا يبعدن قومي الذين هم سم العداة وآفة الجزر
النازلين بكل معركة والطيبين معاقد الأزر
وقال النحاس : إنه خطأ .
قال : وهي قراءة الكسائي عبد الله : ( والموفين والصابرين ) .
قال النحاس : يكونان على هذه القراءة منسوقين على ( ذوي القربى ) أو على المدح .
وقرأ يعقوب " والموفون " " والصابرون " بالرفع فيهما . والأعمش
و ( البأساء ) الشدة والفقر .
و ( الضراء ) المرض والزمانة وحين البأس قيل : المراد وقت الحرب ، والبأساء والضراء اسمان بنيا على فعلاء ولا فعل لهما لأنهما اسمان وليسا بنعت .
وقوله : ( صدقوا ) وصفهم بالصدق والتقوى في أمورهم والوفاء بها وأنهم كانوا جادين ، وقيل : المراد صدقوهم القتال ، والأول أولى .
وقد أخرج وصححه ابن أبي حاتم أبي ذر أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإيمان فتلا ليس البر أن تولوا وجوهكم حتى فرغ منها ، ثم سأله أيضا فتلاها ، ثم سأله فتلاها .
قال : وإذا عملت بحسنة أحبها قلبك ، وإذا عملت بسيئة أبغضها قلبك . عن
وأخرج عبد بن حميد وابن مردويه عن قال : جاء رجل إلى القاسم بن عبد الرحمن أبي ذر فقال : ما الإيمان ؟ فتلا عليه هذه الآية ، ثم ذكر له نحو الحديث السابق .
وأخرج ابن جرير عن وابن أبي حاتم في هذه الآية قال : يقول : ليس البر أن تصلوا ولا تعملوا ، هذا حين تحول من ابن عباس مكة إلى المدينة وأنزلت الفرائض .
وأخرج عنه أنه قال : هذه الآية نزلت ابن جرير بالمدينة ، يقول : ليس البر أن تصلوا ، لكن البر ما ثبت في [ ص: 113 ] القلب من طاعة الله .
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة قال : ذكر لنا أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن البر ، فأنزل الله : ليس البر الآية . / 50 وأخرج عبد الرزاق عن وابن جرير قتادة قال : كانت اليهود تصلي قبل المغرب ، والنصارى قبل المشرق ، فنزلت ليس البر الآية .
وأخرج ابن جرير عن وابن أبي حاتم أبي العالية مثله .
وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في سننه عن في قوله : ابن مسعود وآتى المال على حبه قال : يعطي وهو صحيح شحيح يأمل العيش ويخاف الفقر .
وأخرج عنه مرفوعا مثله .
وأخرج البيهقي في الشعب عن المطلب أنه قال : يا رسول الله ما آتى المال على حبه فكلنا نحبه .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تؤتيه حين تؤتيه ونفسك تحدثك بطول العمر والفقر .
وأخرج عن ابن أبي حاتم في قوله : سعيد بن جبير وآتى المال على حبه يعني على حب المال .
وأخرج عنه أيضا في قوله : ذوي القربى يعني قرابته .
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : أخرجه الصدقة على المسكين صدقة ، وعلى ذي الرحم ثنتان صدقة وصلة ابن أبي شيبة وأحمد وحسنه والترمذي والنسائي وابن ماجه والحاكم والبيهقي في سننه من حديث سلمان بن عامر الضبي ، وفي الصحيحين وغيرهما من زينب امرأة ابن مسعود أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم : ؟ فقال : لك أجران : أجر الصدقة ، وأجر القرابة هل تجزي عنها من الصدقة النفقة على زوجها وأيتام في حجرها . حديث
وأخرج الطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في سننه من حديث أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : أم كلثوم بنت عقبة على ذي الرحم الكاشح أفضل الصدقة .
وأخرج أحمد والدارمي من حديث والطبراني عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه . حكيم بن حزام
وأخرج عن ابن أبي حاتم قال : ابن السبيل هو الضيف الذي ينزل بالمسلمين . ابن عباس
وأخرج عن ابن جرير مجاهد قال : هو الذي يمر بك وهو مسافر .
وأخرج عن ابن جرير عكرمة في قوله : والسائلين قال : السائل الذي يسألك .
وأخرج عن ابن أبي حاتم في قوله : سعيد بن جبير وفي الرقاب قال : يعني فك الرقاب .
وأخرج أيضا عنه في قوله : وأقام الصلاة يعني وأتم الصلاة المكتوبة وآتى الزكاة يعني الزكاة المفروضة .
وأخرج الترمذي وابن ماجه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن عدي والدارقطني وابن مردويه عن قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فاطمة بنت قيس ليس البر أن تولوا وجوهكم الآية . في المال حق سوى الزكاة ثم قرأ
وأخرج ابن جرير عن وابن أبي حاتم أبي العالية في قوله : والموفون بعهدهم قال : فمن أعطى عهد الله ثم نقضه فالله ينتقم منه ، ومن أعطى ذمة النبي صلى الله عليه وسلم ثم غدر بها فالنبي صلى الله عليه وسلم خصمه .
وأخرج عن ابن أبي حاتم في قوله : سعيد بن جبير والموفون بعهدهم إذا عاهدوا يعني فيما بينهم وبين الناس .
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم وصححه عن في الآية قال : البأساء الفقر والضراء السقم وحين البأس حين القتال . ابن مسعود
وأخرج عبد بن حميد عن وابن جرير قتادة نحوه .
وأخرج عن ابن أبي حاتم في قوله : سعيد بن جبير أولئك الذين صدقوا قال : فعلوا ما ذكر الله في هذه الآية .
وأخرج عن ابن جرير الربيع في قوله : أولئك الذين صدقوا قال : تكلموا بكلام الإيمان ، فكانت حقيقة العمل صدقوا لله .
قال : وكان الحسن يقول هذا كلام العمل ، فإن لم يكن مع القول عمل فلا شيء . الإيمان ، وحقيقته