وقال الضحاك والكلبي : هي مدنية .
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : نزلت سورة لإيلاف بمكة .
وأخرج البخاري في تاريخه ، والطبراني ، والحاكم وصححه ، وابن مردويه ، والبيهقي عن أم هانئ بنت أبي طالب ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فضل الله قريشا بسبع خصال لم يعطها أحدا قبلهم ولا يعطيها أحدا بعدهم : أني فيهم - وفي لفظ : النبوة فيهم - والخلافة فيهم ، والحجابة فيهم ، والسقاية فيهم ، ونصروا على الفيل ، وعبدوا الله سبع سنين - وفي لفظ : عشر سنين لم يعبده أحد غيرهم - ونزلت فيهم سورة من القرآن لم يذكر فيها أحد غيرهم لإيلاف قريش [ أي سورة قريش ] قال ابن كثير : هو حديث غريب ، ويشهد له ما أخرج الطبراني في الأوسط وابن مردويه ، وابن عساكر عن الزبير بن العوام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فضل الله قريشا بسبع خصال : فضلهم بأنهم عبدوا الله عشر سنين لا يعبده إلا قريش ، وفضلهم بأنه نصرهم يوم الفيل وهم مشركون ، وفضلهم بأنها نزلت فيهم سورة من القرآن لم يدخل فيها أحد من العالمين غيرهم ، وهي لإيلاف قريش ، وفضلهم بأن فيهم النبوة ، والخلافة ، والسقاية .
وأخرج الخطيب في تاريخه عن سعيد بن المسيب مرفوعا نحوه ، وهو مرسل .
بسم الله الرحمن الرحيم
لإيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف
اللام في قوله : لإيلاف قيل هي متعلقة بآخر السورة التي قبلها ، كأنه قال سبحانه : أهلكت أصحاب الفيل لأجل تألف قريش .
قال الفراء : هذه السورة متصلة بالسورة الأولى ؛ لأنه ذكر سبحانه أهل مكة بعظيم نعمته عليهم فيما فعل بالحبشة ، ثم قال : لإيلاف قريش أي فعلنا ذلك بأصحاب الفيل نعمة منا على قريش ، وذلك أن قريشا كانت تخرج في تجارتها فلا يغار عليها في الجاهلية ، يقولون : هم أهل بيت الله عز وجل ، حتى جاء صاحب الفيل ليهدم الكعبة ويأخذ حجارتها فيبني بها بيتا في اليمن يحج الناس إليه ، فأهلكهم الله عز وجل ، فذكرهم نعمته : أي فعل ذلك لإيلاف قريش : أي ليألفوا الخروج ولا يجترأ عليهم ، وذكر نحو هذا ابن قتيبة ، قال الزجاج : والمعنى ، فجعلهم كعصف مأكول لإيلاف قريش أي أهلك الله أصحاب الفيل لتبقى قريش وما قد ألفوا من رحلة الشتاء والصيف .
وقال في الكشاف : إن اللام متعلق بقوله : فليعبدوا أمرهم أن يعبدوه لأجل إيلافهم الرحلتين ، ودخلت الفاء لما في الكلام من معنى [ ص: 1657 ] الشرط ؛ لأن المعنى : أما لا فليعبدوه .
وقد تقدم صاحب الكشاف إلى هذا القول الخليل بن أحمد ، والمعنى : إن لم يعبدوه لسائر نعمه فليعبدوه لهذه النعمة الجليلة .
وقال الكسائي ، والأخفش : اللام لام التعجب : أي اعجبوا لإيلاف قريش .
وقيل هي بمعنى إلى .
قرأ الجمهور لإيلاف بالياء مهموزا من ألفت أؤلف إيلافا .
يقال : ألفت الشيء ألافا وألفا ، وألفته إيلافا بمعنى ، ومنه قول الشاعر :
المنعمين إذا النجوم تغيرت والظاعنين لرحلة الإيلاف
وقرأ ابن عامر " لإلاف " بدون الياء ، وقرأ أبو جعفر " لإلف " وقد جمع بين هاتين القراءتين الشاعر ، فقال :زعمتم أن إخوتكم قريش لهم إلف وليس لكم إلاف
وقرأ بعض أهل مكة " إلاف قريش " واستشهد بقول أبي طالب :
تذود الورى من عصبة هاشمية إلافهم في الناس خير إلاف
وكفى قريش المعضلات وسادها
وقيل إن قريشا بنو فهر بن مالك بن النضر ، والأول أصح .وقوله : إيلافهم بدل من إيلاف قريش ، و رحلة مفعول به لإيلافهم ، وأفردها ولم يقل رحلتي الشتاء والصيف لأمن الإلباس ، وقيل إن إيلافهم تأكيد للأول لا بدل ، والأول أولى .
ورجحه أبو البقاء ، وقيل إن رحلة منصوبة بمصدر مقدر : أي ارتحالهم رحلة الشتاء والصيف وقيل هي منصوبة على الظرفية ، والرحلة : الارتحال ، وكانت إحدى الرحلتين إلى اليمن في الشتاء لأنها بلاد حارة ، والرحلة الأخرى إلى الشام في الصيف لأنها بلاد باردة .
وروي أنهم كانوا يشتون 72 بمكة ، ويصيفون بالطائف .
والأول أولى ، فإن ارتحال قريش للتجارة معلوم معروف في الجاهلية والإسلام .
قال ابن قتيبة : إنما كانت تعيش قريش بالتجارة وكانت لهم رحلتان في كل سنة : رحلة في الشتاء إلى اليمن ، ورحلة في الصيف إلى الشام ، ولولا هاتان الرحلتان لم يكن بها مقام ، ولولا الأمن بجوارهم البيت لم يقدروا على التصرف .
فليعبدوا رب هذا البيت أمرهم سبحانه بعبادته بعد أن ذكر لهم ما أنعم به عليهم : أي إن لم يعبدوه لسائر نعمه ، فليعبدوه لهذه النعمة الخاصة المذكورة ، والبيت : الكعبة .
وعرفهم سبحانه بأنه رب هذا البيت لأنها كانت لهم أوثان يعبدونها ، فميز نفسه عنها .
وقيل لأنهم بالبيت تشرفوا على سائر العرب ، فذكر لهم ذلك تذكيرا لنعمته .
الذي أطعمهم من جوع أي أطعمهم بسبب تينك الرحلتين من جوع شديد كانوا فيه قبلهما ، وقيل إن هذا الإطعام هو أنهم لما كذبوا النبي صلى الله عليه وسلم دعا عليهم ، فقال : اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف ، فاشتد القحط ، فقالوا : يا محمد ادع الله لنا فإنا مؤمنون ، فدعا فأخصبوا وزال عنهم الجوع وارتفع القحط ، وآمنهم من خوف أي من خوف شديد كانوا فيه .
قال ابن زيد : كانت العرب يغير بعضها على بعض ويسبي بعضها بعضا ، فأمنت قريش من ذلك لمكان الحرم .
وقال الضحاك ، والربيع ، وشريك ، وسفيان : آمنهم من خوف الحبشة مع الفيل .
وقد أخرج أحمد ، وابن أبي حاتم عن أسماء بنت يزيد قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لإيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف ويحكم يا قريش ، اعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمكم من جوع وآمنكم من خوف .
وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله : لإيلاف قريش قال : نعمتي على قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف كانوا يشتون بمكة ، ويصيفون بالطائف فليعبدوا رب هذا البيت قال : الكعبة الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف قال : الجذام .
وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه عنه لإيلاف قريش إيلافهم قال : لزومهم الذي أطعمهم من جوع يعني قريشا أهل مكة بدعوة إبراهيم حيث قال : وارزق أهله من الثمرات [ البقرة : 126 ] وآمنهم من خوف حيث قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا [ البقرة : 126 ] وأخرج ابن جرير ، وابن مردويه عنه أيضا في قوله : لإيلاف قريش الآية ، قال : نهاهم عن الرحلة وأمرهم أن يعبدوا رب هذا البيت ، وكفاهم المؤنة ، وكان رحلتهم في الشتاء والصيف ولم يكن لهم رحلة في شتاء ولا صيف ، فأطعمهم الله بعد ذلك من جوع ، وآمنهم من خوف فألفوا الرحلة وكان ذلك من نعمة الله عليهم .
وأخرج ابن جرير عنه أيضا في الآية قال : أمروا أن يألفوا عبادة رب هذا البيت كإلفهم رحلة الشتاء والصيف ، وقد وردت أحاديث في فضل قريش وإن الناس تبع لهم في الخير والشر ، وإن هذا الأمر يعني الخلافة لا يزال فيهم ما بقي منهم اثنان ، وهي في دواوين الإسلام .


