لما ذكر الله سبحانه أن الناس ينقسمون إلى ثلاث طوائف : مؤمنين ، وكافرين ، ومنافقين ، أمرهم بعد ذلك بالكون على ملة واحدة .
وإنما أطلق على الثلاث الطوائف لفظ الإيمان لأن أهل الكتاب يؤمنون بنبيهم وكتابهم ، والمنافق مؤمن بلسانه وإن كان غير مؤمن بقلبه .
والسلم بفتح السين وكسرها قال الكسائي : ومعناهما واحد ، وكذا عند البصريين ، وهما جميعا يقعان للإسلام والمسالمة .
وقال أبو عمرو بن العلاء : إنه بالفتح للمسالمة ، وبالكسر للإسلام .
وأنكر المبرد هذه التفرقة .
وقال الجوهري : السلم بفتح السين : الصلح ، وتكسر ، ويذكر ويؤنث ، وأصله من [ ص: 136 ] الاستسلام والانقياد .
ورجح الطبري أنه هنا بمعنى الإسلام ، ومنه قول الشاعر الكندي :
دعوت عشيرتي للسلم لما رأيتهم تولوا مدبرين
أي إلى الإسلام .وقرأ الأعمش " السلم " بفتح السين واللام .
وقد حكى البصريون في سلم وسلم وسلم أنها بمعنى واحد ، و كافة حال من السلم أو من ضمير المؤمنين ، فمعناه على الأول : لا يخرج منكم أحد ، وعلى الثاني : لا يخرج من أنواع السلم شيء بل ادخلوا فيها جميعا : أي في خصال الإسلام ، وهو مشتق من قولهم كففت : أي منعت ، أي لا يمتنع منكم أحد من الدخول في الإسلام ، والكف : المنع ، والمراد به هنا الجميع ، ادخلوا في السلم كافة أي جميعا .
وقوله : ولا تتبعوا خطوات الشيطان أي لا تسلكوا الطريق التي يدعوكم إليه الشيطان ، وقد تقدم الكلام على خطوات .
قوله : زللتم أي تنحيتم عن طريق الاستقامة ، وأصل الزلل في القدم ، ثم استعمل في الاعتقادات والآراء وغير ذلك ، يقال : زل يزل وزللا وزلولا : أي دحضت قدمه .
وقرئ : " زللتم " بكسر اللام وهما لغتان ، والمعنى : فإن ضللتم وعرجتم عن الحق من بعد ما جاءتكم البينات أي الحجج الواضحة والبراهين الصحيحة ، أن الدخول في الإسلام هو الحق فاعلموا أن الله عزيز غالب لا يعجزه الانتقام منكم : حكيم لا ينتقم إلا بحق .
قوله : هل ينظرون أي ينتظرون ، يقال : نظرته وانتظرته بمعنى ، والمراد هل ينتظر التاركون للدخول في السلم ، والظلل جمع ظلة وهي ما يظلك ، وقرأ قتادة ويزيد بن القعقاع " في ظلال " وقرأ يزيد أيضا " والملائكة " بالجر عطفا على " الغمام " أو على " ظلل " .
قال الأخفش : " والملائكة " بالخفض بمعنى : وفي الملائكة قال : والرفع أجود .
وقال الزجاج : التقدير في ظلل من الغمام ومن الملائكة .
والمعنى : هل ينتظرون إلا أن يأتيهم الله بما وعدهم من الحساب والعذاب في ظلل من الغمام والملائكة .
قال الأخفش : وقد يحتمل أن يكون معنى الإتيان راجعا إلى الجزاء ، فسمي الجزاء إتيانا كما سمي التخويف والتعذيب في قصة ثمود إتيانا ، فقال : فأتى الله بنيانهم من القواعد [ النحل : 26 ] وقال في قصة النضير : فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا [ الحشر : 2 ] وإنما احتمل الإتيان هذا ؛ لأن أصله عند أهل اللغة القصد إلى الشيء ، فمعنى الآية : هل ينظرون إلا أن يظهر الله فعلا من الأفعال مع خلق من خلقه يقصد إلى محاربتهم .
وقيل : إن المعنى : يأتيهم أمر الله وحكمه ، وقيل " إن قوله : في ظلل بمعنى بظلل ، وقيل المعنى : يأتيهم ببأسه في ظلل .
والغمام : السحاب الرقيق الأبيض ، سمي بذلك لأنه يغم : أي يستر .
ووجه إتيان العذاب في الغمام على تقدير أن ذلك هو المراد ما في مجيء الخوف من محل الأمن من الفظاعة وعظم الموقع ؛ لأن الغمام مظنة الرحمة لا مظنة العذاب .
وقوله : وقضي الأمر عطف على " يأتيهم " داخل في حيز الانتظار ، وإنما عدل إلى صيغة الماضي دلالة على تحققه فكأنه قد كان ، أو جملة مستأنفة جيء بها للدلالة على أن مضمونها واقع لا محالة : أي وفرغ من الأمر الذي هو إهلاكهم .
وقرأ معاذ بن جبل " وقضاء الأمر " بالمصدر عطفا على " الملائكة " .
وقرأ يحيى بن يعمر " وقضى الأمور " بالجمع .
وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي " ترجع الأمور " على بناء الفعل للفاعل ، وقرأ الباقون على البناء للمفعول .
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله تعالى : ياأيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة قال : يعني مؤمني أهل الكتاب ، فإنهم كانوا مع الإيمان بالله مستمسكين ببعض أمر التوراة والشرائع التي أنزلت فيهم ، يقول : ادخلوا في شرائع دين محمد ولا تدعوا منها شيئا ، وحسبكم الإيمان بالتوراة وما فيها .
وأخرج ابن جرير عن عكرمة : أن هذه الآية نزلت في ثعلبة وعبد الله بن سلام وابن يامين وأسد وأسيد ابني كعب وسعيد بن عمرو وقيس بن زيد كلهم من يهود ، قالوا : يا رسول الله يوم السبت يوم كنا نعظمه فدعنا فلنسبت فيه ، وإن التوراة كتاب الله فلنقم بها الليل ، فنزلت : ياأيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : السلم الطاعة لله ، و " كافة " يقول : جميعا .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه قال : السلم الإسلام ، والزلل : ترك الإسلام .
وأخرج ابن جرير عن السدي قال : فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات قال : فإن ضللتم من بعد ما جاءكم محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : يجمع الله الأولين والآخرين لميقات يوم معلوم قياما شاخصة أبصارهم إلى السماء ينتظرون فصل القضاء وينزل الله في ظلل من الغمام من العرش إلى الكرسي .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن ابن عمر في هذه الآية : قال : يهبط حين يهبط وبينه وبين خلقه سبعون ألف حجاب ، منها النور والظلمة والماء ، فيصوت الماء في تلك الظلمة صوتا تنخلع له القلوب .
وأخرج أبو يعلى وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن عباس في هذه الآية قال : يأتي الله يوم القيامة في ظلل من السحاب قد قطعت طاقات .
وأخرج ابن جرير والديلمي عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : إن من الغمام طاقات يأتي الله فيها محفوفات بالملائكة وذلك قوله : هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن عكرمة في ظلل من الغمام قال : طاقات والملائكة حوله .
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال : يأتيهم الله في ظلل من الغمام ، وتأتيهم الملائكة عند الموت .
وأخرج عن عكرمة في قوله : وقضي الأمر يقول : قامت الساعة .
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					