( الرابع ) : أن الفواصل تنقسم إلى : ما تماثلت حروفه في المقاطع ، وهذا يكون في السجع ، وإلى ما تقاربت حروفه في المقاطع ولم تتماثل ، وهذا لا يكون سجعا ، ولا يخلو كل واحد من هذين القسمين ، أعني  المتماثل والمتقارب   من أن يكون يأتي طوعا سهلا تابعا للمعاني أو متكلفا يتبعه المعنى .  
فالقسم الأول هو المحمود الدال على الثقافة وحسن البيان ، والثاني هو المذموم ، فأما القرآن فلم يرد فيه إلا القسم الأول لعلوه في الفصاحة ، وقد وردت فواصله متماثلة ومتقاربة .  
مثال المتماثلة قوله تعالى : (  والطور   وكتاب مسطور   في رق منشور   والبيت المعمور   والسقف المرفوع      ) ( الطور : 1 - 5 ) .  
وقوله تعالى : (  طه   ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى   إلا تذكرة لمن يخشى   تنزيلا ممن خلق الأرض والسماوات العلا   الرحمن على العرش استوى      ) ( طه : 1 - 5 ) .  
وقوله تعالى : (  والعاديات ضبحا   فالموريات قدحا   فالمغيرات صبحا   فأثرن به نقعا   فوسطن به جمعا      ) ( العاديات : 5 ) .  
وقوله تعالى : (  والفجر   وليال عشر   والشفع والوتر   والليل إذا يسري      ) ( الفجر : 1 - 4 ) إلى آخره ، وحذفت الياء من " يسر " طلبا للموافقة في الفواصل .  
 [ ص: 166 ] وقوله تعالى : (  اقتربت الساعة وانشق القمر      ) ( القمر : 1 ) وجميع هذه السورة على الازدواج .  
وقوله تعالى : (  فلا أقسم بالخنس   الجواري الكنس   والليل إذا عسعس   والصبح إذا تنفس      ) ( التكوير : 15 - 18 ) .  
وقوله تعالى : (  فلا أقسم بالشفق   والليل وما وسق   والقمر إذا اتسق   لتركبن طبقا عن طبق      ) ( الانشقاق : 16 - 19 ) .  
وقوله تعالى : (  فأما اليتيم فلا تقهر   وأما السائل فلا تنهر      ) ( الضحى : 9 - 10 ) .  
وقوله تعالى : (  أمرنا مترفيها ففسقوا فيها      ) ( الإسراء : 16 ) .  
وقوله تعالى : (  ما أنت بنعمة ربك بمجنون   وإن لك لأجرا غير ممنون      ) ( ن : 2 - 3 ) .  
وقوله تعالى : (  فإذا هم مبصرون   وإخوانهم يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون      ) ( الأعراف : 201 - 202 ) .  
وقوله تعالى : (  كلا إذا بلغت التراقي   وقيل من راق      ) الآية ( القيامة : 26 - 27 ) .  
وقوله تعالى : (  لنخرجنك ياشعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا      ) ( الأعراف : 88 ) .  
ومثال  المتقارب في الحروف   قوله تعالى : (  الرحمن الرحيم   مالك يوم الدين      ) ( الفاتحة : 3 - 4 ) .  
وقوله تعالى : ( ق والقرآن المجيد بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم فقال الكافرون هذا شيء عجيب ) ( ق : 1 - 2 ) .  
 [ ص: 167 ] وهذا لا يسمى سجعا قطعا عند القائلين بإطلاق السجع في القرآن ؛ لأن السجع ما تماثلت حروفه .  
إذا علمت هذا فاعلم أن  فواصل القرآن الكريم   لا تخرج عن هذين القسمين ، بل تنحصر في المتماثلة والمتقاربة ، وبهذا يترجح مذهب   الشافعي  على مذهب  أبي حنيفة  في عد الفاتحة سبع آيات مع البسملة ; وذلك لأن   الشافعي  المثبت لها في القرآن قال : (  صراط الذين      ) إلى آخر الآية واحدة ،  وأبو حنيفة  لما أسقط البسملة من الفاتحة قال : (  صراط الذين أنعمت عليهم      ) آية و (  غير المغضوب عليهم      ) آية ، ومذهب   الشافعي  أولى ; لأن فاصلة قوله : (  صراط الذين أنعمت عليهم      ) لا تشابه فاصلة الآيات المتقدمة ،  ورعاية التشابه في الفواصل   لازم ، وقوله : (  أنعمت عليهم      ) ليس من القسمين ، فامتنع جعله من المقاطع ، وقد اتفق الجميع على أن الفاتحة سبع آيات ، لكن الخلاف في كيفية العدد .  
				
						
						
