وقال في كفايته : اختلفوا في  المد والقصر   على ثلاثة مذاهب - يعني في المنفصل - فكان  عاصم   والكسائي  وخلف  يمدون هذا النوع مدا حسنا تاما ، والباقون يمكنون هذا النوع تمكينا سهلا ، إلا أن  ابن كثير  أقصرهم تمكينا ، فإن اتفق حرف المد والهمز في كلمة واحدة ، فأجمعوا على مد حرف المد من غير خلاف ، ويتفاوت تقدير المد فيما بينهم ، والمشافهة تبين ذلك . انتهى .  
وهذا صريح في التفاوت في المتصل ، وقال   أبو العز القلانسي  في إرشاده عن المنفصل : كان  أهل  الحجاز    والبصرة   يمكنون هذه الحروف من غير مد ، والباقون بالمد ، إلا أن  حمزة  والأخفش  عن  ابن ذكوان  أطولهم مدا ، وقال في كفايته : قرأ  الولي  ، عن  حفص  وأهل  الحجاز    والبصرة   ،  وابن عبدان  ، عن  هشام  بتمكين حروف المد واللين من غير مد - يعني المنفصل ومثله . ثم قال : إلا أن  حمزة  والأعشى  أطولهم مدا ،  وقتيبة  أطول أصحاب   الكسائي  مدا ، وكذلك عن  ابن عامر     - يعني في رواية  ابن ذكوان     . ثم قال الآخرون بالمد المتوسط ، وأطولهم مدا  عاصم .  انتهى . وهو صريح بتطويل مد  عاصم  على الآخرين ، خلاف ما ذكره في " الإرشاد " ، وقال  أبو طاهر   [ ص: 332 ] بن سوار  في " المستنير " عن المنفصل : إن  أهل  الحجاز    غير  الأزرق  وأبي الأزهر  ، عن   ورش  ،  والحلواني  عن  هشام  ،  والولي  عن  حفص  من طريق  الحمامي  ،  وأهل  البصرة    يمكنون الحرف من غير مد ، وقال : وإن شئت أن تقول اللفظ به كاللفظ بهن عند لقائهن سائر حروف المعجم .  وحمزة  غير  العبسي  وعلي بن سلم  ،  والأعشى  وقتيبة  يمدون مدا مشبعا من غير تمطيط ولا إفراط كان . وكذلك ذكر أشياخنا ، عن   أبي الحسن الحمامي  في رواية  النقاش  ، عن  الأخفش  الباقون بالتمكين والمد دون مد  حمزة  وموافقيه ، قال : وأحسن المد من كتاب الله عند استقبال همزة أو إدغام ، كقوله تعالى : (  حاد الله      ) ، (  ولا الضالين      ) ، (  طائعين      ) ، (  والقائمين      ) ثم قال : فإن كان الساكن والهمزة في كلمة فلا خلاف بينهم في المد والتمكين . انتهى . ويفهم منه الخلاف فيما كان الساكن في كلمتين ، والله أعلم .  
وقال  أبو الحسن  علي  بن فارس  في " الجامع " : إن  أهل  الحجاز    والبصرة   والولي  ، عن  حفص  وقتيبة     - يعني من طريق   ابن المرزبان     - لا يمدون حرفا لحرف . ثم قال الباقون بإشباع المد ، وأطولهم مدا  حمزة  والأعشى  ، وقال  أبو علي المالكي  في " الروضة " : فكان أطول الجماعة مدا  حمزة  والأعشى  وابن عامر  دونهما ،  وعاصم  في غير رواية  الأعشى  دونه ،   والكسائي  دونه غير أن  قتيبة  أطول أصحاب   الكسائي  مدا . انتهى . وإنما ذكر ذلك في المنفصل .  
وقال   أبو بكر أحمد بن الحسين بن مهران  في الغاية (  بما أنزل إليك      ) مد حرف لحرف كوفي   وورش  وابن ذكوان     . انتهى . ولم يزد على ذلك ، وقال في " المبسوط " عن المنفصل :  أبو جعفر  ،  ونافع  وابن كثير  وأبو عمرو  ويعقوب  لا يمدون حرفا لحرف . قال : وأما  عاصم  ،  وحمزة  ،   والكسائي  وخلف  وابن عامر  ،  ونافع  برواية   ورش  فإنهم يمدون ذلك ، وورش أطولهم مدا ، ثم  حمزة  ، ثم  عاصم  برواية  الأعشى     . الباقون يمدون مدا وسطا لا إفراط فيه . ثم قال عن المتصل : ولم يختلفوا في مد الكلمة ، وهو أن تكون المدة والهمزة في كلمة واحدة ، إلا أن منهم من يفرط ومنهم من يقتصر كما ذكرنا في مذاهبهم في مد الكلمتين . انتهى . وهو نص في      [ ص: 333 ] تفاوت المتصل ، وفي اتفاق  هشام  وابن ذكوان  ،   وورش  من طريقيه على مد المنفصل ، وكلاهما صحيح ، والله أعلم .  
وقال  أبو الطاهر إسماعيل بن خلف  في " العنوان " : إن  ابن كثير  وقالون  وأبا عمرو  يترك الزيادة في المنفصل ويمد المتصل زيادة مشبعة ، وإن الباقين بالمد المشبع بالضربين ، وأطولهم مدا   ورش  وحمزة  ، كذا ذكر في " الاكتفاء " ، وكذا نص شيخه  عبد الجبار الطرسوسي  في " المجتبى " : ( فهذا ما حضرني من نصوصهم ) ولا يخفى ما فيها من الاختلاف الشديد في تفاوت المراتب ، وإنه ما من مرتبة ذكرت لشخص من القراء إلا وذكر له ما يليها ، وكل ذلك يدل على شدة قرب كل مرتبة مما يليها ، وإن مثل هذا التفاوت لا يكاد ينضبط ، والمنضبط من ذلك غالبا هو القصر المحض والمد المشبع من غير إفراط عرفا ، والتوسط بين ذلك . وهذه المراتب تجري في المنفصل ، ويجري منها في المتصل الاثنان الأخيران ، وهما الإشباع والتوسط ، يستوي في معرفة ذلك أكثر الناس ، ويشترك في ضبطه غالبيتهم ، وتحكم المشافهة حقيقته ، ويبين الأداء كيفيته ، ولا يكاد تخفى معرفته على أحد ، وهو الذي استقر عليه رأي المحققين من أئمتنا قديما وحديثا ، وهو الذي اعتمده الإمام   أبو بكر بن مجاهد  وأبو القاسم الطرسوسي  ، وصاحبه  أبو الطاهر بن خلف  ، وبه كان يأخذ الإمام   أبو القاسم الشاطبي     ; ولذلك لم يذكر في قصيدته في الضربين تفاوتا ، ولا نبه عليه ، بل جعل ذلك مما تحكمه المشافهة في الأداء ، وبه أيضا كان يأخذ الأستاذ   أبو الجود غياث بن فارس  ، وهو اختيار الأستاذ المحقق  أبي عبد الله محمد بن القصاع الدمشقي  ، وقال : هذا الذي ينبغي أن يؤخذ به ، ولا يكاد يتحقق غيره .  
( قلت ) : وهو الذي أميل إليه وآخذ به غالبا وأعول عليه ، فآخذ في المنفصل بالقصر المحض  لابن كثير  وابن جعفر  من غير خلاف عنهما ؛ عملا بالنصوص الصريحة والروايات الصحيحة ،   ولقالون  بالخلاف من طريقيه ، وكذلك  ليعقوب  من روايتيه جميعا بين الطرق ،  ولأبي عمرو  إذا أدغم الإدغام الكبير عملا بنصوص من تقدم ، وأجرى الخلاف عنه مع الإظهار لثبوته نصا وأداء      [ ص: 334 ] وكذلك أخذ بالخلاف ، عن  حفص  من طريق  عمرو بن الصباح  ، عنه كما تقدم ، وكذا أخذ بالخلاف عن  هشام  من طريق  الحلواني  جميعا بين طريقي المشارقة والمغاربة اعتمادا على ثبوت القصر عنه من طريق العراقيين قاطبة ، وأما  الأصبهاني  ، عن   ورش  فإني آخذ له بالخلاف   لقالون  ؛ لثبوت الوجهين جميعا عنه نصا كما ذكرنا من الأئمة ، وإن كان القصر أشهر عنه ، إلا أن من عادتنا الجمع بين ما ثبت وصح من طرقنا ، لا نتخطاه ولا نخلطه بسواه ، ثم إني آخذ في الضربين بالمد المشبع من غير إفراط  لحمزة   وورش  من طريق  الأزرق  على  السواء  ، وكذا في رواية  ابن ذكوان  من طريق  الأخفش  عنه كما قدمنا من مذهب العراقيين ، وآخذ له من الطريق المذكورة أيضا ومن غيرها ، ولسائر القراء ممن مد المنفصل بالتوسط في المرتبتين ، وبه آخذ أيضا في المتصل لأصحاب القصر قاطبة . وهذا الذي أجنح إليه وأعتمد غالبا عليه ، مع أني لا أمنع الأخذ بتفاوت المراتب ولا أرده ، كيف وقد قرأت به على عامة شيوخي ، وصح عندي نصا وأداء عمن قدمته من الأئمة ، وإذا أخذت به كان القصر في المنفصل لمن ذكرته عنه  كابن كثير  وأبي جعفر  وأصحاب الخلاف  كقالون  وأبي عمرو  ، ومن تبعهما ، ثم فوق القصر قليلا في المتصل لمن قصر المنفصل ، وفي الضربين لأصحاب الخلاف فيه . ثم فوقها قليلا   للكسائي  وخلف  ولابن عامر  سوى من قدمنا عنه في الروايتين ، ثم فوقها قليلا  لعاصم     . ثم فوقها قليلا  لحمزة   وورش  والأخفش  ، عن  ابن ذكوان  من طريق العراقيين ، وليس عندي فوق هذه مرتبة إلا لمن يسكت على المد كما تقدم ، وسيأتي هذا إذا أخذت بالتفاوت بالضربين كما هو مذهب  الداني  وغيره ، أما إذا أخذت بالتفاوت في المنفصل فقط كما هو مذهب من ذكرت من العراقيين وغيرهم ، فإن مراتبه عندي في المنفصل كما ذكرت آنفا ، ويكون المتصل بالإشباع على وتيرة واحدة ، وكذلك لا أمنع التفاوت في المد اللازم على ما قدمت ، إلا أني أختار ما عليه الجمهور ، والله الموفق .  
وقد انفرد   أبو القاسم بن الفحام  في " التجريد "      [ ص: 335 ] عن  الفارسي  ، عن  الشريف الزيدي  ، عن  النقاش  ، عن  الحلواني  ، عن  هشام  بإشباع المد في الضربين ، فخالف سائر الناس في ذلك ، والله أعلم .  
( تنبيه ) من ذهب إلى عدم تفاوت المتصل ، فإنه يأخذ فيه الإشباع كأعلى مراتب المنفصل ، وإلا يلزم منه تفضيل المنفصل ، وذلك لا يصح ، فيعلم ، وبهذا يتضح أن المد للساكن اللازم هو الإشباع كما هو مذهب المحققين ، والله أعلم .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					