الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
251 [ ص: 95 ] حديث رابع لابن شهاب عن أبي سلمة متصل في رواية يحيى

مالك عن ابن شهاب ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يرغب في قيام رمضان من غير أن يأمر بعزيمة فيقول من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه قال ابن شهاب : فتوفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والأمر على ذلك ثم كان الأمر على ذلك في خلافة أبي بكر ، وصدرا من خلافة عمر بن الخطاب .

التالي السابق


اختلف الرواة عن مالك في إسناد هذا الحديث : فأما يحيى فرواه هكذا بهذا الإسناد ومتصلا ، وتابعه ابن بكير وسعيد بن عفير وعبد الرزاق وابن القاسم في رواية الحارث بن مسكين عنه على هذا الإسناد ، وعلى اتصاله عن أبي سلمة عن أبي هريرة ذكره النسائي عن عمرو بن علي عن عثمان بن عمر ، وذكره الدارقطني قال : حدثنا عبد العزيز بن محمد بن الواثق بالله : حدثنا أحمد بن الحسن الكرجي : حدثنا إسحاق بن موسى : حدثنا معن ( عن مالك ) عن الزهري ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يرغب في قيام رمضان من غير أن يأمر بعزيمة ، فذكره مثل رواية يحيى سواء إلى آخر قول ابن شهاب وأخبرنا علي بن إبراهيم : حدثنا الحسن بن رشيق : حدثنا ابن طاهر حدثنا أحمد [ ص: 96 ] بن عبد الله بن الوليد بن سوار : حدثنا الحارث بن مسكين : حدثنا عبد الرحمن بن القاسم : حدثنا مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يرغب في قيام رمضان من غير أن يأمر بعزيمة فيقول من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه لم يذكر قول ابن شهاب ، ورواه القعنبي ، وأبو مصعب ، ومطرف وابن رافع وابن وهب وأكثر رواة الموطأ ووكيع بن الجراح وجويرية بن أسماء كلهم عن مالك ، عن الزهري ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلا لم يذكروا أبا هريرة ، وساقوا الحديث بلفظ حديث يحيى هذا سواء ، وقد روي هذا الحديث عن أبي المصعب في الموطأ مسندا كرواية يحيى وابن بكير سواء ، وهو أصح عن أبي المصعب ، والله أعلم . وعند القعنبي ومطرف والشافعي وابن نافع وابن بكير وأبي مصعب عن مالك حديثه عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة مسندا : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه هكذا رووا هذا الحديث الآخر في الموطأ بهذا اللفظ متصلا مسندا ليس فيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يرغب في قيام رمضان من غير أن يأمر [ ص: 97 ] بعزيمة كما في حديث أبي سلمة ، وليس عند يحيى في الموطأ حديث حميد هذا أصلا .

وعند الشافعي عن مالك حديث حميد من قام رمضان ، وليس عنده حديث أبي سلمة ، وروى إسماعيل بن أبي أويس عن مالك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يرغب في قيام رمضان من غير أن يأمر بعزيمة فيقول : من قام رمضان إيمانا واحتسابا ; غفر له ما تقدم من ذنبه . قال ابن شهاب : فتوفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والأمر على ذلك ، إلى آخر كلام ابن شهاب هكذا ذكره إسماعيل بن أبي أويس ، عن مالك بهذا الإسناد الذي في الموطأ في هذا المتن ، وقوله أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يرغب في قيام رمضان ; إنما هو حديث أبي سلمة عند جميع الرواة للموطأ من أرسله منهم ، ومن وصله ، وفي آخره ساق جميعهم كلام ابن شهاب : فتوفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى آخر كلامه ، وأما حديث حميد عن أبي هريرة ; فإنما فيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه . ليس فيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رغب في قيام رمضان ، ولا في آخره ، كلام ابن شهاب عند واحد منهم إلا ما ذكرنا عن إسماعيل بن أبي أويس ، وهو عندي تخليط وغلط منه ; لأنه أدخل إسناد حديث في متن آخر ، ولم يتابع على ذلك . ذكره إسماعيل عنه ، وقد حدثناه خلف بن القاسم وعلي بن [ ص: 98 ] إبراهيم قالا : حدثنا الحسن بن رشيق قال : حدثنا العباس بن محمد قال : حدثنا محمد بن صالح قال : حدثنا إسماعيل بن أبي أويس قال : حدثنا مالك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يرغب في قيام رمضان ثم ذكر مثل حديث أبي سلمة سواء ، وذكره الدارقطني : حدثنا علي بن محمد البصري : حدثنا عبيد الله بن محمد العمري : حدثنا إسماعيل بن أبي أويس : حدثنا مالك عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة مثله تفرد ابن أبي أويس بهذا اللفظ في هذا الإسناد وروى جويرية بن أسماء عن مالك عن الزهري عن أبي سلمة وحميد ابني عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه فجمع جويرية الإسنادين ، واقتصر على المعنى وأسند الحديثين ، وهذا مما يقوي رواية يحيى وابن بكير في توصيلهما حديث أبي سلمة عن أبي هريرة .

أخبرنا عبد الرحمن بن يحيى : حدثنا الحسن بن الخضر : حدثنا أحمد بن شعيب : حدثنا عمر بن عثمان بن عمر عن مالك عن الزهري قال : أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه وذكر النسائي أيضا حديث [ ص: 99 ] جويرية عن أبي مريم عن عبد الله بن محمد بن أسماء ، عن جويرية وذكر الدارقطني حديث أبي سلمة كان يرغب في قيام رمضان مرسلا ، وحديث من قام رمضان عن أبي سلمة ، وحديث حميد جميعا عن أبي هريرة مسندا .

قال : حدثناه عثمان بن أحمد ، وأبو سهل بن زياد ، وأبو بكر الشافعي قالوا : حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال : وحدثنا أبو بكر الشافعي : حدثنا معاذ بن المثنى قالا : حدثنا عبد الله بن محمد بن أسماء حدثنا جويرية عن مالك عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يرغب في قيام رمضان من غير أن يأمر بعزيمة . قال الزهري : وأخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن وحميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه قال ابن شهاب : فتوفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والأمر على ذلك ، ثم كان الأمر في خلافة أبي بكر الصديق وصدرا من خلافة عمر على ذلك . فرواية جويرية هذه مهذبة [ ص: 100 ] مجودة والله أعلم .

ورواه عباد بن صهيب عن مالك بنحو رواية جويرية عن مالك فيه أبا سلمة وحميدا ، وعن ابن وهب عن مالك في هذا الحديث أربع روايات :

إحداها عن ابن شهاب عن أبي سلمة مرسلا ، والثانية : عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، والثالثة : عن أبي سلمة وحميد كرواية جويرية ، ورواه في موطئه عن مالك ويونس وابن إسماعيل ، عن ابن شهاب : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يرغب في قيام رمضان ; فذكر الحديث بمثل رواية يحيى ، وساق كلام الزهري في آخره ، ولم يذكر أبا سلمة ، ولا حميدا ورواه الربيع بن سليمان ، وأحمد بن صالح عن ابن وهب مثل رواية جويرية سواء ، وأحمد بن صالح أثبت الناس في ابن وهب وغيره .

أخبرنا خلف بن القاسم وعلي بن إبراهيم قالا : حدثنا الحسن بن رشيق قال : حدثنا العباس بن محمد بن العباس البصري قال : حدثنا أحمد بن صالح البصري قال : حدثنا ابن وهب قال : أخبرني مالك بن أنس عن ابن شهاب ، عن أبي سلمة ، وحميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه . ورواه إسحاق بن سليمان عن مالك عن [ ص: 101 ] الزهري ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله سواء لم يذكر حميدا . فهذا ما بلغه علمي من اختلاف رواة الموطأ في هذا الحديث ، وكلهم قد أجمع على أن لفظ الحديث : من قام رمضان بالإسنادين جميعا وكذلك أدخله مالك في باب قيام رمضان ، ويصحح ذلك قوله في حديث أبي سلمة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يرغب في قيام رمضان ، وأما أصحاب ابن شهاب فإنهم اختلفوا في اللفظ ، فأما ابن عيينة ; فذكر أبو داود في السنن قال : حدثنا مخلد بن خالد ، وابن أبي خلف المعني قالا : حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة يبلغ به النبي - صلى الله عليه وسلم - قال من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ، ومن قام رمضان إيمانا واحتسابا ; غفر له ما تقدم من ذنبه قال أبو داود : وكذا رواه يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة من صام رمضان ، وكذلك رواه محمد بن عمر عن أبي سلمة عن أبي هريرة من صام مثل رواية ابن عيينة عن ابن شهاب سواء قال : وقال عقيل عن ابن شهاب بهذا الإسناد عن أبي سلمة عن أبي هريرة : من صام رمضان وقامه .

وذكر أبو داود حديث عبد الرزاق : قال أنبأنا معمر ومالك عن الزهري ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة قال : كان رسول الله صلى الله [ ص: 102 ] عليه وسلم يرغب في قيام رمضان من غير أن يأمر بعزيمة ثم يقول : من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ، فتوفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والأمر على ذلك ، ثم كان الأمر على ذلك خلافة أبي بكر وصدرا من خلافة عمر .

قال أبو عمر : رواية عبد الرزاق هذه تصحح رواية يحيى وتشهد لها في حديث أبي هريرة مسندا . قال أبو داود : وكذلك رواه عقيل ويونس وأبو أويس : من قام رمضان . إلا عقيلا قال : من صام رمضان وقامه .

قال أبو عمر :

رواه أبو أويس عن الزهري قال : أخبرني أبو سلمة وحميد عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يرغب في قيام رمضان بلفظ يحيى .

قال أبو عمر :

حمل على توصيل حديث أبي سلمة جماعة أصحاب ابن شهاب فممن وصله معمر ، وسفيان بن عيينة ، ويونس بن يزيد ، وعقيل وأبو أويس ، وتبين بذلك صحة ما رواه يحيى وابن بكير دون ما رواه القعنبي ومن تابعه من أصحاب مالك ، وتبين لنا أن القعنبي ومن تابعه لم يقيموا الحديث ولم يتقنوه ; إذ أرسلوه وهو متصل صحيح الاتصال ومما يزيد في ذلك صحة أن يحيى بن أبي كثير ومحمد بن عمرو روياه عن أبي سلمة عن أبي هريرة ، وهذا كله يشد ما رواه يحيى ، ولعمري لقد حصلت [ ص: 103 ] نقله عن مالك ، وألفيته من أحسن أصحابه نقلا ، ومن أشدهم تخلصا في المواضع التي اختلف فيها رواة الموطأ إلا أن له وهما وتصحيفا في مواضع فيها سماجة .

قال أبو عمر :

أما رواية محمد بن عمرو : فحدثني سعيد بن نصر قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا ابن وضاح قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدثنا محمد بن بشير عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من صام رمضان وقامه إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ، ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه .

وأما حديث يحيى بن أبي كثير فحدثني محمد بن عبد الله قال : حدثنا محمد بن معاوية قال : حدثنا إسحاق بن أبي حسان قال : حدثنا هشام بن عمار قال : حدثنا الأوزاعي قال : حدثني يحيى قال : حدثني أبو سلمة قال : حدثني أبو هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه هكذا في كتابي : قام رمضان ، وقد رواه يحيى بن سعيد الأنصاري عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، وهذا مما يصحح رواية يحيى حدثني سعيد بن نصر قال : حدثني قاسم بن أصبغ قال : حدثنا ابن وضاح قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدثنا محمد بن فضيل عن يحيى بن سعيد عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه .

[ ص: 104 ] قال أبو عمر :

يحيى بن أبي كثير ، ومحمد بن عمرو ، ويحيى بن سعيد الأنصاري يقولون : عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من صام رمضان . وابن شهاب يقول : عن أبي سلمة من قام رمضان . كذلك رواه مالك ومعمر ويونس وأبو أويس وعقيل إلا أن عقيلا قال : من صام رمضان وقامه ، وابن عيينة وحده يقول عن ابن شهاب ، عن أبي سلمة من صام رمضان ، ومن قامه ، ومن قام ليلة القدر . على أنه قد اختلف على ابن عيينة في ذلك فروى عنه : من قام رمضان ، كسائر أصحاب ابن شهاب ، والصحيح عنه في ذلك من صام رمضان ، وقام ليلة القدر .

حدثنا أحمد بن عبد الله قال : حدثنا الميمون بن حمزة الحسيني قال : حدثنا الطحاوي قال : حدثنا المزني قال : حدثنا الشافعي ، وحدثنا أحمد بن سعيد بن بشر قال : حدثنا وهب بن مسرة قال : حدثنا أحمد بن إبراهيم الفرضي قال : حدثنا أبو عثمان عمرو بن محمد الناقد ، وحدثنا سعيد بن نصر قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا محمد بن وضاح قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وحدثنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال : حدثنا محمد بن يحيى بن عمر الطائي قالوا كلهم : حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ، ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا [ غفر له ما تقدم ] غفر له ما تقدم من ذنبه هكذا قال هؤلاء كلهم عن ابن عيينة من صام رمضان ، ورواه عنه حامد بن يحيى فقال : من قام رمضان ، وحدثنا عبد الوارث بن [ ص: 105 ] سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا ابن وضاح قال : حدثنا حامد بن يحيى قال : حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري قال : أنبأنا أبو سلمة ، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ، هكذا قال حامد بن يحيى عنه : قام رمضان ، ولم يقل : صام ، وزاد : ما تأخر ، وهي زيادة منكرة في حديث الزهري ، وذكر البخاري حديث حامد من رواية مالك متصلا مسندا ، وذكر حديث أبي سلمة من غير رواية مالك بلفظ : من صام رمضان . فهذا ما بلغنا من الاختلاف في إسناد هذا الحديث ، وألفاظه من رواية ابن شهاب خاصة ، وقد هذبنا ذلك ومهدناه بمبلغ وسعنا وطاقتنا والله المعين لا شريك له .

وفي هذا الحديث من الفقه : فضل قيام رمضان وظاهره يبيح فيه الجماعة والانفراد ; لأن ذلك كله فعل خير ، وقد ندب الله إلى فعل الخير ، وفيه دليل على أن ما أمر به عمر وفعله من قيام رمضان قد كان سبق من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه الترغيب والحض ، فصار ذلك من سننه [ ص: 106 ] صلى الله عليه وسلم ، وقد أوضحنا هذا المعنى في باب ابن شهاب عن عروة من كتابنا هذا لأنه موضعه ، وفي قوله - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث : إيمانا واحتسابا دليل على أن الأعمال الصالحة إنما يقع بها غفران الذنوب وتكفير السيئات مع صدق النيات ، يدلك على ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - إنما الأعمال بالنيات ، وقوله لسعد لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت فيها ، ومحال أن يزكو من الأعمال شيء لا يراد به الله ، وفقنا الله لما يرضاه ، وأصلح سرائرنا وعلانيتنا برحمته ، آمين .

وقد اختلف العلماء في قوله في هذا الحديث : غفر له ما تقدم من ذنبه . فقال قوم : يدخل فيه الكبائر ، وقال قوم : لا يدخل فيه الكبائر إلا أن يقصد صاحبها بالتوبة إليها ، والندم عليها ذاكرا لها ، وقد مضى القول في هذا المعنى في باب زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن الصنابحي من كتابنا هذا ، والله عز وجل يتفضل بما يشاء لا معقب لحكمه ولا راد لفضله لا إله غيره .




الخدمات العلمية