الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
166 [ ص: 173 ] حديث ثان لابن شهاب ، عن علي بن حسين مرسل - يتصل من وجوه صحاح -

مالك ، عن ابن شهاب ، عن علي بن حسين بن علي بن أبي طالب ، قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكبر في الصلاة كلما خفض ورفع ، فلم تزل تلك صلاته حتى لقي الله .

التالي السابق


ولا أعلم بين رواة الموطأ خلافا في إرسال هذا الحديث ، ورواه عبد الوهاب بن عطاء ، عن مالك ، عن ابن شهاب ، عن علي بن الحسين ، عن أبيه ، ورواه عبد الرحمن بن خالد بن نجيح ، عن أبيه ، عن مالك ، عن ابن شهاب ، عن علي بن الحسين ، عن علي بن أبي طالب ، ولا يصح فيه إلا ما في الموطأ مرسل ، وقد أخطأ فيه أيضا محمد بن مصعب القرقساني ، فرواه عن مالك ، عن الزهري ، عن سالم ، عن أبيه ، ولا يصح فيه هذا الإسناد ، والصواب عندهم ما في الموطأ .

أما معنى هذا الحديث ، فقد تقدم القول فيه في باب ابن شهاب ، عن أبي سلمة ، وأما الآثار التي رويت مسندة في معنى هذا الحديث ، فكثيرة ، ونحن نذكر منها ما يقف ( به ) الناظر في كتابنا هذا على المراد ، إن شاء الله .

[ ص: 174 ] وحدثني محمد بن إبراهيم ، قال : حدثنا محمد بن معاوية ، قال : حدثنا أحمد بن شعيب ، قال : أخبرنا سويد بن نصر ، قال : حدثنا عبد الله بن المبارك ، عن يونس ، عن الزهري ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة حين استخلفه مروان على المدينة كان ، إذا قام إلى الصلاة المكتوبة ، كبر ثم يكبر ، ثم يرفع ، فإذا رفع رأسه من الركوع قال : سمع الله ربنا لمن حمده ، ربنا ولك الحمد ، ثم يكبر حين يهوي ساجدا ، ثم يكبر حين يقوم من الاثنتين بعد التشهد ، ثم يفعل مثل ذلك حتى يقضي صلاته ، فإذا قضى صلاته وسلم ، أقبل على أهل المسجد فقال : والذي نفسي بيده إني لأشبهكم صلاة برسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

وروى هذا الحديث الليث ، عن عقيل ، عن ابن شهاب ، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ذكره البخاري ، عن ابن بكير ، عن الليث . وأخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن ، قال : حدثنا محمد بن بكر ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا عمرو بن عثمان ، قال : حدثني أبي وبقية ، عن شعيب ، عن الزهري ، قال : أخبرني أبو بكر بن عبد الرحمن وأبو سلمة أن أبا هريرة كان يكبر في كل صلاة من المكتوبة وغيرها ، فيكبر حين يقوم ، ثم يكبر حين يركع ، ثم يقول : سمع الله لمن حمده ، ثم يقول : ربنا ولك الحمد [ ص: 175 ] قبل أن يسجد ، ثم يقول الله أكبر حين يهوي ساجدا ، ثم يكبر حين يرفع رأسه ، ثم يكبر حين يسجد ، ثم يكبر حين يرفع رأسه ، ثم يكبر حين يقوم من الجلوس في اثنتين ، فيفعل ذلك في كل ركعة حتى يخلو من الصلاة ، ثم يقول حين ينصرف : والذي نفسي بيده إني لأقربكم شبها بصلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن كانت هذه لصلاته حتى فارق الدنيا .

قال أبو داود : هذا الكلام الأخير يجعله مالك ، والزبيدي وغيرهما ، عن الزهري ، عن علي بن حسين ، ووافق عبد الأعلى ، عن معمر - شعيب بن أبي حمزة ، عن الزهري .

أخبرنا محمد بن إبراهيم وأحمد بن قاسم ، قالا : حدثنا محمد بن معاوية ، حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي ، حدثنا داود بن عمرو الضبي ، حدثنا سلام بن سليم ، أخبرنا أبو إسحاق ، عن يزيد بن أبي مريم ، عن أبي موسى الأشعري ، قال : صلى بنا علي يوم الجمل صلاة أذكرنا بها صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يكبر في كل خفض ورفع وقيام وقعود ، قال أبو موسى : فإما نسيناها وإما تركناها عمدا ، خالف سلام بن سليم في هذا الحديث إسرائيل .

حدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا أحمد بن زهير ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن [ ص: 176 ] أبي إسحاق ، عن يزيد ، عن أبي موسى الأشعري ، قال : لقد ذكرنا علي صلاة كنا نصليها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، إما نسيناها وإما تركناها عمدا ، فكان يكبر كلما رفع ، وكلما وضع ، وكلما سجد . وحدثنا عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا محمد بن بكر ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا سليمان بن حرب ، وحدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا بكر بن حماد ، قال : حدثنا مسدد ، قالا جميعا : حدثنا حماد بن زيد ، عن غيلان بن جرير ، عن مطرف ، قال : صليت أنا وعمران بن حصين خلف علي بن أبي طالب ، فكان إذا سجد كبر ، وإذا رفع رأسه كبر ، وإذا رفع من الركعتين كبر ، فلما قضى الصلاة وانصرفنا ، أخذ عمران بيدي فقال : لقد ذكرني هذا صلاة محمد - صلى الله عليه وسلم - ولقد صلى بنا هذا مثل صلاة محمد - صلى الله عليه وسلم - .

وحدثني سعيد بن نصر ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا محمد بن وضاح ، قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثنا محمد بن كثير ، قال : حدثنا شعبة ، عن قتادة ، عن شهر بن حوشب ، عن عبد الرحمن بن غنم ، عن أبي مالك الأشعري أنه جمع قومه فقال : اجتمعوا حتى أصلي لكم صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فاجتمعوا فصلى لهم صلاة الظهر ، فكبر بهم اثنتين وعشرين تكبيرة سوى الافتتاح ، [ ص: 177 ] يكبر إذا سجد ، وإذا رفع رأسه ، وقرأ في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب - أو قال : أم القرآن - وأسمع من يليه .

أخبرنا عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا سعيد بن السكن ، قال : حدثنا محمد بن يوسف ، قال : حدثنا البخاري ، قال : حدثنا عمرو بن ميمون ، قال : حدثنا هشيم ، عن أبي بشر ، عن عكرمة ، قال : صليت خلف شيخ بمكة اثنتين وعشرين تكبيرة ، فقلت لابن عباس : إنه أحمق ، فقال : ثكلتك أمك ، سنة أبي القاسم - صلى الله عليه وسلم - .

قال البخاري : وحدثنا آدم ، قال : حدثنا ابن أبي ذئب ، عن سعيد المقبري ، عن أبي هريرة ، قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا قال : سمع الله لمن حمده ، قال : اللهم ربنا ولك الحمد وكان النبي عليه السلام إذا ركع وإذا رفع رأسه يكبر ، وإذا قام من السجدتين قال : الله أكبر . وحدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا أحمد بن محمد البرتي ، قال : حدثنا أبو معمر ، قال : حدثنا عبد الوارث ، قال : حدثنا ليث ، عن عبد الرحمن ، عن أنس بن [ ص: 178 ] مالك ، قال : مالك ، قال : صليت خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر ، وعثمان ، فكلهم يكبر إذا رفع رأسه وإذا خفضه .

قال أبو عمر :

إنما ذكرنا هذا الخبر لأنه معارض لما روي عن عمر بن الخطاب أنه كان لا يتم التكبير ، وقد كان عمر بن عبد العزيز ، والقاسم بن محمد ، وسالم بن عبد الله ، وسعيد بن جبير ، لا يتمون التكبير ، حدثنا خلف بن القاسم ، قال : حدثنا أبو الميمون البجلي بدمشق ، قال : حدثنا أبو زرعة ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم ، قال : حدثنا الوليد بن مسلم ، قال : حدثنا سعيد بن عبد العزيز ، عن الزهري ، قال : قلت لعمر بن عبد العزيز : ما يمنعك أن تتم التكبير ، وهذا عاملك عبد الحميد بن عبد الرحمن يتمه ؟ قال : تلك الصلاة الأولى ، وأبى أن يقبل مني ومن حديث شعبة ، عن الحسن بن عمران الهاشمي ، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى ، عن أبيه ، قال : صليت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فكان لا يتم التكبير . ذكره ابن أبي شيبة ، عن أبي داود الطيالسي ، عن شعبة ، ورواه محمود بن غيلان ، عن أبي داود ، عن شعبة ، عن الحسن بن عمران ، قال : سمعت سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى يحدث ، عن أبيه ، أنه صلى خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - فكان لا يكبر إذا خفض يعني بين السجدتين ، ورواه أبو عاصم ، وعمرو بن مرزوق ، عن شعبة ، عن [ ص: 179 ] الحسن بن عمران ، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى ، عن أبيه ، أنه صلى مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يكن يتم التكبير . هذا لفظ أبي عاصم ، واتفقا على عبد الله بن عبد الرحمن ، وأما ابن أبي شيبة ومحمود بن غيلان فقالا فيه : سعيد بن عبد الرحمن ، وعبد الله وسعيد أخوان ، وكلاهما يروي عن أبيه ، عبد الرحمن بن أبزى ، وروى هذا الخبر بندار ، عن أبي داود الطيالسي ، عن شعبة ، عن الحسن بن عمران ، عن ابن عبد الرحمن بن أبزى ، عن أبيه ، قال : صليت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يتم التكبير ، وصليت مع عمر بن عبد العزيز فلم يتم التكبير ، وذكر ابن أبي شيبة ، قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن إبراهيم ، قال : أول من نقص التكبير زياد .

أخبرنا أحمد بن محمد بن أحمد ، حدثنا أبو علي الحسن بن سلمة بن المعلى ، حدثنا أبو محمد بن الجارود ، حدثنا إسحاق بن منصور ، قال : سمعت أحمد بن حنبل يقول : يروى عن ابن عمر ، أنه كان لا يكبر إذا صلى وحده ، قال : وكان قتادة يكبر إذا صلى وحده ، قال أحمد : وأحب إلي أن يكبر من صلى وحده في الفرض فأما التطوع فلا .

[ ص: 180 ] قال إسحاق بن منصور : قلت لأحمد : ما الذي نقصوا من التكبير ؟ قال : إذا انحط إلى السجود من الركوع ، وإذا أراد أن يسجد السجدة الثانية من كل ركعة ، قال إسحاق بن منصور : وقال لي إسحاق بن راهويه : نقصان التكبير هو إذا انحط إلى السجود فقط ، وقد ذكرنا نقصان التكبير ، ومضى القول في ذلك في باب ابن شهاب ، عن أبي سلمة بما فيه شفاء ، إن شاء الله ، وقرأت على سعيد بن نصر ، أن قاسم بن أصبغ حدثهم ، قال : حدثنا جعفر بن محمد بن شاكر ، قال : حدثنا محمد بن سابق ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن عبد الرحمن بن الأسود ، عن أبيه وعلقمة ، عن عبد الله بن مسعود ، قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكبر في كل ركوع وسجود ورفع ووضع ، وأبو بكر وعمر ، ويسلمون على أيمانهم وعن شمائلهم : السلام عليكم ورحمة الله ، وروى أشهب ، عن مالك ، أنه سمعه يحدث ، عن ابن شهاب ، عن سالم ، عن أبيه ، أنه كان يكبر كلما خفض ورفع ، يخفض بذلك صوته ، انفرد به أشهب بهذا الإسناد موقوفا . وذكره الدارقطني عن أبي بكر النيسابوري ، عن يونس ، عن ابن شهاب ، وقد روي عن ابن عمر مسندا ما يرد قول من قال عنه أنه كان لا يتم التكبير ، لأنه محال أن يكون عنده في ذلك عن النبي عليه السلام شيء ، ويخالفه ولو كان مباحا ، ولا سيما ابن عمر .

حدثنا أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا الحارث بن أبي أسامة ، قال : حدثنا روح بن عبادة ، قال : حدثنا ابن جريج ، قال : أخبرني عمرو بن يحيى ، عن محمد بن [ ص: 181 ] يحيى بن حبان ، عن عمه واسع ، أنه سأل عبد الله بن عمر عن صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : الله أكبر كلما وضع وكلما رفع ، ثم يقول : السلام عليكم ورحمة الله عن يمينه ، والسلام عليكم ورحمة الله عن يساره .

قال أبو عمر :

وللقول في أحاديث التسليمتين والتسليمة الواحدة ، موضع غير هذا ، والتكبير كله في الصلاة سنة مسنونة ، لا ينبغي تركها ، وكذلك قال أبو بكر الأبهري في ذلك قال : والسنن في الصلاة خمس عشرة سنة ، أولها الإقامة ، ورفع اليدين ، والسورة مع أم القرآن ، والتكبير كله سوى الإحرام ، وذكر سائرها ، كما قد ذكرنا عنه في باب ابن شهاب عن أبي سلمة : فإن ترك التكبير كله أو بعضه تارك ، وكبر الإحرام ، فإن أهل العلم مختلفون في ذلك ، فالذي عليه جمهور العلماء وجماعة الفقهاء ، أنه لا شيء عليه إذا كبر الإحرام ، إلا أنه عندهم مسيء لا يحمد له فعله ، ولا ينبغي أن يفعل ذلك ولا يتعمده ، فإن فعله ساهيا ، سجد لسهوه عند غير الشافعي ، فإنه لا يرى السجود إلا في السهو عن عمل البدن ، لا عن الذكر ، فإن لم يفعل ، لم تبطل صلاته ، وحجتهم في ذلك ، ما ذكرناه من الآثار عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعن جماعة من الصحابة في تركهم التكبير المذكور ، دون أن يعيب [ ص: 182 ] بعضهم على بعض ذلك . وهذه المسائل تعد من المسائل التي ترك فيها مالك العمل للحديث ، وأما وجوب تكبيرة الإحرام دون غيرها من التكبير ، فلقوله - صلى الله عليه وسلم - : تحريمها التكبير وأثبت شيء في ذلك عندي أيضا ، ما حدثنا محمد بن خليفة ، قال : حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا جعفر بن محمد الفريابي ، قال : حدثنا قتيبة بن سعيد ، قال : حدثنا بكر بن مضر ، عن ابن عجلان ، عن علي بن يحيى الزرقي ، عن أبيه ، عن عمه وكان بدريا ، قال : كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ دخل رجل ، فقام ناحية المسجد ، فصلى ورسول الله يرمقه ولا يشعر ، ثم انصرف فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسلم ، فرد عليه السلام ثم قال : ارجع فصل فإنك لم تصل قال : لا أدري في الثانية أو في الثالثة ، قال : والذي أنزل عليك الكتاب ، لقد جهدت وحرصت ، فعلمني وأرني ، فقال : إذا أردت أن تصلي ، فتوضأ فأحسن الوضوء ، ثم استقبل القبلة ، ثم كبر ، ثم اقرأ ، ثم اركع حتى تطمئن راكعا ، ثم ارفع حتى تعتدل قائما ، ( ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ، ثم ارفع حتى تعتدل قاعدا ، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ، فإذا صنعت ذلك ، فقد قضيت صلاتك ، وما انتقصت من ذلك فإنما انتقصته من صلاتك .

[ ص: 183 ] وحدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا بكر بن حماد ، قال : حدثنا مسدد ، قال : حدثنا يحيى ، عن ابن عجلان قال : حدثني علي بن يحيى بن خلاد ، عن أبيه ، عن عمه وكان بدريا ، قال : كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المسجد ، فدخل رجل ، فصلى في ناحية المسجد ، وجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرمقه ، فصلى ، ثم سلم ، فرد عليه السلام ، وقال : ارجع فصل فإنك لم تصل . فعل ذلك ثلاث مرات ، فقال في الثانية أو في الثالثة : والذي بعثك بالحق ، لقد اجتهدت في نفسي فعلمني وأرني ، فقال : إذا أردت أن تصلي ، فتوضأ ، فأحسن وضوءك ، ثم استقبل القبلة ، ثم كبر ، ثم اقرأ ، ثم اركع حتى تطمئن راكعا ، ثم ارفع حتى تطمئن قائما ، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ، ثم قم . وذكر الحديث . وأخبرنا محمد بن إبراهيم ، قال : حدثنا محمد بن معاوية ، قال : حدثنا أحمد بن شعيب ، قال : حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا يحيى ، قال : حدثنا عبيد الله بن عمر قال : حدثني سعيد بن أبي سعيد المقبري ، عن أبيه ، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل المسجد ، فدخل رجل ، فصلى . فذكر مثله بمعناه .

وهذا الحديث ذكر فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرائض الصلاة دون سننها ، وليس فيها ذكر تكبير غير تكبيرة الإحرام ففي ذلك [ ص: 184 ] أوضح الدلائل على وجوب تكبيرة الإحرام ، وسقوط ما سواها من التكبير من جهة الفرض ، وهي تشهد لصحة رواية من روى : تحريمها التكبير وهو حديث روي من وجوه : من حديث علي بن أبي طالب ، وأبي سعيد الخدري ، وأحسنها حديث علي - رضي الله عنه - وسنذكره فيما بعد من هذا الباب ، إن شاء الله . وكان ابن القاسم يقول : من أسقط من التكبير ( في الصلاة ) ثلاث تكبيرات فما فوقها ، سجد للسهو قبل السلام ، فإن لم يسجد ، بطلت صلاته . وهذا يدل على أن عظم التكبير عنده وجملته فرض ، وأن اليسير منه متجاوز عنه ، نحو التكبيرة والتكبيرتين . وقال أصبغ بن الفرج ، وعبد الله بن الحكم من رأيه : ليس على من لم يكبر في الصلاة من أولها إلى آخرها شيء إذا كبر تكبيرة الإحرام ، ولو فعل ذلك أحد ساهيا ، استحب له سجود السهو ، فإذا لم يسجد ، فلا شيء عليه . قالا : ولا ينبغي لأحد أن يترك التكبير عامدا ، لأنه سنة من سنن الصلاة ، فإن فعل فقد أساء وصلاته ماضية ، وعلى هذا القول جماعة فقهاء الأمصار من الشافعيين والكوفيين وأهل الحديث ، واختلف الفقهاء في الإحرام ، [ ص: 185 ] فذهب مالك في أكثر الروايات عنه ، والشافعي ، وأبو حنيفة ، وأصحابهم ، إلى أن تكبيرة الإحرام فرض واجب من فروض الصلاة ، وحجتهم عندي الحديث الذي ذكرنا ، من حديث أبي هريرة ، ورفاعة بن رافع جميعا ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال للرجل : إذا أردت الصلاة ، فأسبغ الوضوء ، ثم استقبل القبلة ، ثم كبر ، ثم اقرأ ، ثم اركع وذكر الحديث ، فعلمه ما كان واجبا ، وسكت له عن رفع اليدين وعن سائر الذكر المسنون والمستحب ، فبان بذلك أن تكبيرة الإحرام واجب فعلها في الصلاة ، مع قوله ، صلى الله عليه وسلم : تحريم الصلاة التكبير وتحليلها التسليم .

وأخبرنا عبد الله بن محمد ، حدثنا محمد بن بكر ، حدثنا أبو داود ، حدثنا عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن محمد بن الحنفية ، عن علي بن أبي طالب قال : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم .

[ ص: 186 ] أخبرنا عبد الوارث ، قال : حدثنا قاسم ، قال : حدثنا ابن وضاح ، قال : حدثنا ( هشام ) بن عمار ، قال : سمعت وكيعا يقول : إذا رأيت الرجل لا يقيم تكبيرة الإحرام فأي شيء ترجو منه ؟ وقال عبد الرحمن بن مهدي : ولو افتتح الرجل صلاته بسبعين اسما من أسماء الله - عز وجل - ولم يكبر تكبيرة الإحرام ، وإن أحدث قبل أن يسلم لم يجزه ، وهذا تصحيح من عبد الرحمن بن مهدي لحديث : تحريمها التكبير وتحليلها التسليم وتدين منه به ، وهو إمام في علم الحديث ، وقال الزهري ، والأوزاعي وطائفة أيضا : تكبيرة الإحرام ليست بواجبة وقد روي عن مالك في المأموم ما يدل على هذا القول ، ولم يختلف قوله في الإمام والمنفرد أن تكبيرة الإحرام واجبة عليه ، وأن الإمام إذا لم يكبرها بطلت صلاته وصلاة من خلفه فرضا ، وهذا يقضي على قوله في المأموم فافهم ، والصحيح عندي قول من أوجب الإحرام بما ذكرنا ، وبالله توفيقنا .

[ ص: 187 ] واختلف الفقهاء في حال تكبيرة الإمام والمأموم في الإحرام ، فذكر ابن خواز منداد قال : قال مالك : إذا كبر الإمام ، كبر المأموم بعده ، ويكره له أن يكبر في حال تكبيره ، وإن كبر في حال تكبيره أجزأه ، وإن كبر قبله لم يجزه ، قال : وقال أبو حنيفة ، وزفر ، ومحمد ، والثوري ، وعبيد الله بن الحسين : يكبر مع تكبير الإمام . قال محمد بن الحسن : فإن فرغ المأموم من التكبير قبل الإمام لم يجزه . وقال الثوري : يجزيه ، وقال أبو يوسف ، والشافعي في أشهر قوليه : لا يكبر المأموم حتى يخلو الإمام من التكبير ، وقال أصحاب الشافعي : إن كبر قبل الإمام أجزأه ، وعندهم أنه لو افتتح الصلاة لنفسه ، ثم أراد أن يدخل في صلاة الإمام ، كان ذلك له على أحد قولي الشافعي . وقالت طائفة من أصحاب داود وغيرهم : إن تقدم جزء من تكبير المأموم في الإحرام تكبيرة الإمام لم يجزه ، وإنما يجزئه أن يكون تكبيره في الإحرام بعد إمامه ، وإلى هذا ذهب الطحاوي ، واحتج بأن المأموم إنما أمر أن يدخل في صلاة الإمام بالتكبيرة ، والإمام إنما يصير داخلا فيها من التكبير ، فكيف يصح دخول المأموم في صلاة لم يدخل فيها إمامه بعد ، واحتج أيضا لمن [ ص: 188 ] أجاز من أصحابه تكبيرهما معا بقوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث أبي موسى وغيره : إذا كبر الإمام فكبروا . قال : وهذا يدل على أنهم يكبرون معا لقوله : فإذا ركع فاركعوا ، وهم يركعون معا والقول الأول عنده أصح ، وهو قول أبي يوسف وأحد قولي الشافعي . واختلفوا في الوقت الذي يكبر فيه الإمام للإحرام . فقال مالك والشافعي ، وأبو يوسف ، ومحمد بن الحسن : لا يكبر حتى يخلو المؤذن من الإقامة ، وبعد أن تعتدل الصفوف ويقوم الناس مقاماتهم .

والحجة لهم ، حديث أنس : أقبل علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يكبر في الصلاة ، فقال : أقيموا صفوفكم وتراصوا ، فإني أراكم من وراء ظهري .

وعن عمر وعثمان مثل هذا في تأخير التكبير للإحرام حتى تفرغ الإقامة وتستوي الصفوف .

وقال أبو حنيفة والثوري وزفر : لا يكبر الإمام قبل فراغ المؤذن من الإقامة ، ويستحسنون أن يكون تكبير الإمام في الإحرام إذا قال المؤذن : قد قامت الصلاة . وحجتهم حديث الثوري ، عن عاصم الأحول [ ص: 189 ] عن أبي عثمان النهدي ، عن بلال ، قال : قلت : يا رسول الله ، لا تسبقني بآمين .

أخبرنا عبد الله بن محمد ، حدثنا محمد بن بكر ، حدثنا أبو داود ، حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن عاصم ، عن أبي عثمان ، عن بلال أنه قال : يا رسول الله ، لا تسبقني بآمين . قالوا : وهذا يدل على أنه كان يكبر قبل الفراغ من الإقامة .

واختلفوا في حين قيام المأموم إلى الصلاة ، فكان مالك لا يحد في ذلك حدا ، وقال : لم أسمع فيه بحد ، وأرى أن ذلك على قدر طاقة الناس ، لاختلافهم في أحوالهم ; فمنهم الخفيف والثقيل . وقال أبو حنيفة وأصحابه : إذا لم يكن الإمام معهم في المسجد ، وأنهم لا يقومون حتى يروا الإمام ، وهو قول الشافعي وداود وحجتهم حديث أبي قتادة الأنصاري ، عن النبي عليه السلام أنه قال : إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني .

وهو حديث ثابت صحيح رواه يحيى بن كثير ، عن عبد الله بن أبي قتادة ، عن أبيه ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - رواه عن يحيى جماعة ، منهم : أيوب السختياني ، والحجاج الصواف ، ومعمر بن راشد ، [ ص: 190 ] وشيبان . ذكره البخاري عن أبي نعيم ، عن شيبان ، ورواه ابن عيينة ، عن معمر ، وحدث به مسدد وغيره عن حماد بن زيد ، عن أيوب والحجاج جميعا عن يحيى بن أبي كثير . وقال أبو حنيفة وأصحابه : إذا كان الإمام معهم في المسجد ، فإنهم يقومون في الصف إذا ، قال المؤذن : حي على الفلاح .

وقال الشافعي وأصحابه وداود : البدار في القيام إلى الصلاة ، أولى في أول أخذ المؤذن في الإقامة ; لأنه بدار إلى فعل بر ، وليس في ذلك شيء محدود عندهم .

وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل سألت أبي عن الإمام أيكبر إذا قال المؤذن : قد قامت الصلاة ، أو حيث يفرغ من الإقامة ؟ فقال : حديث أبي قتادة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني .

وقد روي عن عمر أنه كان يبعث إلى الصفوف فإذا استوت كبر ، وحديث لا تسبقني بآمين ، وأرجو أن لا يضيق ذلك إن شاء الله .

وقال أبو بكر الأثرم : قلت لأحمد بن حنبل : حديث أبي قتادة ، عن النبي عليه السلام : إذا أقيمت الصلاة ، فلا تقوموا حتى تروني . فقال أنا أذهب إلى حديث أبي هريرة رواه ، الزهري عن أبي سلمة ، عن أبي [ ص: 191 ] هريرة خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد أقيمت الصفوف ، فأقبل يمشي حتى أتى مقامه ، فذكر أنه لم يغتسل ، ولا أدفع حديث أبي قتادة ، وقال : حديث أبي هريرة إسناده جيد . قال أبو عمر :

قد تقدم حديث أبي هريرة في باب إسماعيل بن أبي حكيم في الجنب يصلي بالقوم وهو ناس ، كما ذكر محمد الزبيدي ويونس ، ومعمر ، والأوزاعي ، عن الزهري ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، وقد ذكرنا الاختلاف فيه عن الزهري في باب إسماعيل بن أبي حكم . وذكر الأثرم قال : حدثنا الحسن بن عرفة ، قال : حدثنا إسماعيل بن عياش ، عن عمرو بن مهاجر ، قال : رأيت عمر بن عبد العزيز ومحمد بن كعب القرظي وسالم بن عبد الله وأبا قلابة ، وعراك بن مالك الغفاري ، ومحمد بن مسلم الزهري ، وسليمان بن حبيب : يقومون إلى الصلاة في أول بدء من الإقامة .

[ ص: 192 ] حدثنا أحمد بن قاسم ، قراءة مني عليه ، قال : حدثنا محمد بن معاوية ، قال : حدثنا أحمد بن الحسن بن عبد الجبار الصوفي ، قال : حدثنا الهيثم بن خارجة ، قال : حدثنا إسماعيل بن عياش ، عن عمرو بن مهاجر ، قال : سمعت عمر بن عبد العزيز يقول : إذا سمعت النداء بالإقامة فكن أول من أجاب ، قال : ورأيت عمر بن عبد العزيز ، وسالم بن عبد الله ، وأبا قلابة ، وعراك بن مالك الغفاري ، ومحمد بن كعب القرظي ، والزهري يقومون إلى الصلاة في أول بدء من الإقامة . قال : وكان عمر بن عبد العزيز إذا قال المؤذن : قد قامت الصلاة ، عدل الصفوف بيده عن يمينه ويساره فإذا فرغ المؤذن كبر .

أخبرنا عبد الله ، حدثنا عبد الحميد ، حدثنا الخضر ، حدثنا أبو بكر الأثرم ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا سفيان بن عيينة ، عن ابن عجلان ، عن أبي عبيد ، قال : سمعت عمر بن عبد العزيز بخناصرة يقول حين يقول المؤذن : قد قامت الصلاة : قوموا ، قد قامت الصلاة ، قال : وحدثنا عثمان بن أبي شيبة ، قال : حدثنا ابن المبارك ، عن عبد [ ص: 193 ] الرحمن بن يزيد بن جابر يقول : سمعت الزهري يقول : ما كان المؤذن يقول : قد قامت الصلاة حتى تعتدل الصفوف . قال : وحدثنا عثمان بن أبي شيبة ، قال : حدثنا ابن المبارك ، عن أبي يعلى ، قال : رأيت أنس بن مالك إذا قيل : قد قامت الصلاة ، قام فوثب . قال : وحدثنا أبو بكر بن أبي الأسود ، قال : حدثنا معتمر بن سليمان ، عن هشام ، عن الحسن وابن سيرين ، أنهما كانا يكرهان أن يقوما حتى يقول المؤذن : قد قامت الصلاة . قال : وحدثنا عفان ، قال : حدثنا المبارك بن فضالة ، قال : سمعت فرقدا السبخي ، قال للحسن وأنا عنده : أرأيت إذا أخذ المؤذن في الإقامة ، أأقوم أم حتى يقول : قد قامت الصلاة ؟ فقال الحسن : أي ذلك شئت .

حدثنا أحمد بن سعيد بن بشر ، قال : حدثنا ابن أبي دليم ، قال : حدثنا ابن وضاح ، قال : حدثنا عبد الله بن ذكوان ، قال : حدثنا الوليد بن مسلم ، قال : حدثنا كلثوم بن زياد المحاربي ، عن الزهري ، عن ابن المسيب ، قال : إذا قال المؤذن : الله أكبر ، وجب القيام ، وإذا قال : حي على الصلاة ، اعتدلت الصفوف ، وإذا قال : لا إله إلا الله ، كبر الإمام .

واختلف الفقهاء في التكبير فيما عدا الإحرام ، هل يكون مع العمل ، أو بعده ; فذهب مالك وأصحابه إلى أن التكبير يكون في حال الرفع [ ص: 194 ] والخفض حين ينحط إلى الركوع وإلى السجود ، وحين يرفع منهما ، إلا في القيام من اثنتين من الجلسة الأولى ، فإن الإمام وغيره لا يكبر حتى يستقيم قائما ، فإذا اعتدل فإنما كبر ، ولا يكبر إلا واقفا ، كما لا يكبر في الإحرام إلا واقفا ، ما لم تكن ضرورة ، وقد روي نحو ذلك عن عمر بن عبد العزيز . وقال أبو حنيفة ، والثوري ، وجمهور العلماء : التكبير في القيام من اثنتين وغيرهما سواء ، يكبر في حال الخفض والرفع والقيام والقعود ، على ظاهر حديث ابن مسعود وغيره في ذلك ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يكبر كلما خفض ورفع ، وفي كل خفض ورفع وقيام وقعود .

حدثنا عبد الوارث ، قال : حدثنا قاسم ، حدثنا ابن وضاح ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم دحيم ، قال : أخبرنا الوليد ، قال : سألت الأوزاعي ، عن تكبيرة السجدة التي بعد سمع الله لمن حمده ، فقال : كان مكحول يكبرها ، وهو قائم ، ثم يهوي إلى السجود ، وكان القاسم بن محمد يكبرها وهو يهوي إلى السجود ، فقيل للقاسم : إن مكحولا يكبرها وهو قائم ، قال : وما يدري مكحول ما هذا ! .




الخدمات العلمية