الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
5170 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ليس الغنى عن كثرة العرض ، ولكن الغنى غنى النفس ) . متفق عليه .

التالي السابق


5170 - ( عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه تعالى وسلم : " ليس الغنى ) أي : المعتبر عند أرباب الحقيقة غنى صادرا ( عن كثرة العرض ) : وهو غنى اليد من الأمور العارضة ، والأحوال الحادثة ، وهو بفتح العين والراء متاع الدنيا وحطامها على ما في النهاية . وقال شارح : العرض بالتحريك يتناول النقود وغيرها من الأموال وبالسكون لا يتناول النقود . وقال الطيبي رحمه الله : وعن هذه مثلها في قوله تعالى : فأزلهما الشيطان عنها الكشاف أي : فحملهما الشيطان على الزلة بسببها ، وتحقيقه : فأصدر الشيطان زلتهما عنه . ( ولكن ) : بتشديد النون ويجوز تخفيفه ( الغنى ) أي : الغنى الحقيقي ( غنى النفس ) أي : عن المخلوق لاستغناء القلب بإغناء الرب ، والمعنى أن الغنى الحقيقي هو قناعة النفس بما أعطاه المولى ، والتجنب عن الحرص في طلب الدنيا ، فمن كان قلبه حريصا على جمع المال ، فهو فقير في حقيقة الحال ونتيجة المآل ، وإن كان له كثير من الأموال لأنه محتاج إلى طلب الزيادة بموجب طول الآمال ، ومن كان له قلب قانع بالقوت وراض بعطية مالك الملك والملكوت ، فهو غني بقلبه مستغن عن الغير بربه ، سواء يكون في يده مال أو لا . إذ لا يطلب الزيادة على القوت ولا يتعب نفسه في طلب الدنيا إلى أن يموت ، بل يستعين بالقليل من الدنيا لتحصيل الثواب الجميل في العقبى والثناء الجزيل من المولى ، رزقنا المقام الأعلى . وفي الحديث : " القناعة كنز لا يفنى " . وفي رواية : لا ينفد ، وما أحسن من قال من أرباب الحال :


عزيز النفس من لزم القناعة ولم يكشف لمخلوق قناعه



قال الأشرف : المراد بغنى النفس القناعة ، ويمكن أن يراد به ما يسد الحاجة . قال الشاعر :


غنى النفس ما يكفيك من سد حاجة فإن زاد شيئا عاد ذاك الغنى فقرا



قال الطيبي رحمه الله : ويمكن أن يراد بغنى النفس حصول الكمالات العلمية والعملية ، وأنشد أبو الطيب معناه :


ومن ينفق الساعات في جمع ماله مخافة فقر فالذي فعل الفقر



يعني : ينبغي أن ينفق ساعاته وأوقاته في الغنى الحقيقي ، وهو طلب الكمالات ليزيد غنى بعد غنى ، لا في المال لأنه فقر بعد فقر اهـ . وقد قال بعض أرباب الكمال :


رضينا قسمة الجبار فينا لنا علم وللأعداء مال
فإن المال يفنى عن قريب وإن العلم يبقى لا يزال



ومن المعلوم أن المال إرث فرعون وقارون وسائر الكفار والفجار ، وأن العلم إرث الأنبياء والأولياء العلماء والأبرار ( متفق عليه ) : رواه أحمد والترمذي وابن ماجه .




الخدمات العلمية