الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
5239 - وعن أنس - رضي الله عنه - أنه مشى إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بخبز شعير وإهالة سنخة ، ولقد رهن النبي - صلى الله عليه وسلم - درعا له بالمدينة عند يهودي ، وأخذ منه شعيرا لأهله ولقد سمعته يقول : " ما أمسى عند آل محمد صاع بر ولا صاع حب ، وإن عنده لتسع نسوة . رواه البخاري .

التالي السابق


5239 - ( وعن أنس أنه مشى إلى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بخبز شعير ) أي : مصحوبا به ( وإهالة ) : بكسر الهمزة كل دهن يؤتدم به ( سنخة ) ، بفتح سين مهملة وكسر نون وفتح خاء معجمة بعدها هاء أي : متغيرة الريح لطول المكث . في النهاية قيل الإهالة ما أذيب من الألية والشحم ، وقيل الدسم الجامد ، والسنخة المتغيرة الريح . ( ولقد رهن النبي - صلى الله عليه وسلم - درعا له بالمدينة عند يهودي وأخذ منه شعيرا ) أي : مقدارا معينا من الشعير ( لأهله ) أي : لأهل بيته ، ولعل وجه الأخذ منه لتكون الحجة بالغة عليه ، أو سترا لحاله عن المساكين ، أو لئلا يثقل عليهم فيعطوه استحياء ، أو لم يأخذوا منه وقت العطاء رياء والأظهر أنه مبالغة في تنزهه صلى الله تعالى عليه وسلم عن طلب الأجر من الأمة ولو صورة حيث قال : قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين ونظيره ما وقع لإمامنا الأعظم رحمه الله حيث لم يقف في ظل جدار من كان يطالبه بدين معللا بحديث كل قرض جر منفعة فهو ربا ، وقد روي أن الإمام حمزة أحد الأئمة القراء السبعة الذي قال الشاطبي رحمه الله في حقه من المنقبة :


وحمزة ما أزكاه من متورع إماما صبورا للقرآن مرتلا



كان لا يأخذ أجرا على الإقراء لأنه تمذهب بحديث التغليظ في أخذ الأجرة عليه ، أو من كمال تورعه حتى عرض تلميذه عليه ماء في يوم حر فأبى وقيل : إنه وقع في بئر ، فكل من جاء ليستخرجه منها سأله هل قرأت علي ؟ [ ص: 3279 ] فيقول : بلى فيمتنع أن يستعين به إلى الخروج من الخلا إلى الملا ، وأهل الكوفة كلهم كانوا تلاميذه ، فعجزوا حتى رأوا أعرابيا فأتاه فأخرجه منها بعد أن بين له أنه قط ما قرأ عليه ولا سمع ممن يقرأ لديه . ( ولقد سمعته ) : قال الطيبي : ضمير المفعول في سمعته عائد إلى أنس ، والفاعل هو راوي أنس انتهى وتبعه ابن الملك وغيره من الشراح ، أي قال راوي الحديث عن أنس : سمعت أنسا . ( يقول : " ما أمسى " ) أي : للذخيرة ( " عند آل محمد صاع بر " ) أي : للقوت ( " ولا صاع حب " ) تعميم بعد تخصيص ، والمعنى أنه لم يدخر في الليل للغد ( " وإن عنده لتسع نسوة " ) بكسر الهمزة والجملة حالية ، وفي بعض الروايات : وإن عنده يومئذ لتسع نسوة وهذه الجملة من كلام الراوي قطعا لقوله عنده ، والتأويل بالالتفات مما لا يلتفت إليه ، ولا يعول عليه ، وإنما الخلاف فيما قبله حيث قال بعضهم : الحق أن الضمير المفعول راجع إلى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم والفاعل هو أنس كما صرح به الشيخ ابن حجر العسقلاني رحمه الله ، ويدل عليه رواية أحمد قال : لقد سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إلخ . ويؤيده قوله : ما أمسى عند آل محمد ، إذ لو كان من كلام الراوي ناسب أن يقول عند آل النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ، والله تعالى أعلم ( رواه البخاري ) .




الخدمات العلمية