الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
5244 - وعن أنس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا ، واحشرني في زمرة المساكين " . فقالت عائشة : لم يا رسول الله ؟ قال : " إنهم يدخلون الجنة قبل أغنيائهم بأربعين خريفا ، يا عائشة ! لا تردي المسكين ولو بشق تمرة ، يا عائشة أحبي المساكين وقربيهم ، فإن الله يقربك يوم القيامة " . رواه الترمذي والبيهقي في ( شعب الإيمان ) .

التالي السابق


5244 - ( وعن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " اللهم أحيني مسكينا " ) : ولم يقل فقيرا لئلا يتوهم كونه محتاجا حقيرا ، فينافيه دعاؤه اللهم اجعلني في نفسي صغيرا وفي أعين الناس كبيرا ، وأما المسكين فهو من مادة المسكنة وهو التواضع على وجه المبالغة ولو أفضى إلى المذلة ، أو من السكون والسكينة وهو الوقار والاطمئنان والقرار تحت أحكام الأقدار رضا بقضاء الجبار ، وقال بعضهم : أي اجعلني متواضعا لا جبارا متكبرا ، وفيه تعليم الأمة ليعرفوا فضل الفقراء ، فيحبوهم ويجالسوهم لينالهم بركتهم ، وفيه تسلية للمساكين ، وتنبيه على علو درجاتهم ، ويجوز أن [ ص: 3283 ] يراد بهذا أن يجعل قوته كفافا ولا يشغله بالمال ، فإن كثرة المال في حق المقربين مؤنة من المآل وخشونة الحال . ( " وأمتني " ) : وفي رواية الحاكم : وتوفني ( " مسكينا " ) : دل على أنه صلى الله تعالى عليه وسلم كان على وصف المسكنة إلى آخر العمر ، ( " واحشرني في زمرة المساكين " ) . أي فريقهم وجماعتهم ، وفيه مبالغة لا تخفى لأنه لو قال : واحشرهم في زمرتي لكان لهم فضل كثير وعلو كبير ، ونظيره ما قال صلى الله تعالى عليه وسلم : " فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم " حيث لم يقل كفضلي على أعلاكم ، هذا وقد مر بعض سلاطين الإسلام على طائفة من الفقراء والصلحاء الكرام ، فلم يلتفتوا إليه ولم يقبلوا عليه فقال : من أنتم ؟ فقالوا : نحن قوم محبتنا ترك الدنيا وعداوتنا ترك العقبى ، فجاوزهم وتجاوزهم وتجاوز عنهم ، وقال : نحن لم نقدر على محبتكم ولا طاقة لنا على عداوتكم .

( فقالت عائشة رضي الله عنها : لم يا رسول الله ؟ ) أي : لأي شيء دعوت هذا الدعاء واخترت الحياة والممات والبعثة مع المساكين والفقراء دون أكابر الأغنياء ؟ ( " قال : " إنهم ) : استئناف في معنى التعليل أي : لأنهم مع قطع النظر عن بقية فضائلهم وحسن أخلاقهم وشمائلهم ( " يدخلون الجنة قبل أغنيائهم " ) أي : زمانا ومكانا ومكانة ( " بأربعين خريفا " ) ، والاكتفاء به لأنه أقل موعود في مدة لمسابقة كمضاعفة الحسنة بالعشرة في الطاعة ( " يا عائشة ! لا تردي المسكين " ) أي : لا ترديه خائبا بل سامحيه جائيا وآيبا وأحسني إليه قليلا أو كثيرا ( " ولو بشق تمرة " ) أي : بنصفها أو ببعضها أو رديه ردا جميلا تستحقي به جزاء جزيلا ، ولذا لما وقف مسكين عندها وأعطته حبة عنب بقيت في يدها وعاتب المسكين عليها ولم يدر ما ألقى من الفهم إليها قالت قال تعالى : فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره . والحبة مشتملة على مقدار كذا من الذرة . ( يا عائشة ! أحبي المساكين ) أي : بقلبك ( " وقربيهم " ) ، أي : إلى مجلسك حال تحديثك ( " فإن الله يقربك يوم القيامة " ) . أي : بتقريبهم ، تقربا إلى الله سبحانه وتعالى ( رواه ) أي الحديث بكماله ( الترمذي والبيهقي في : " شعب الإيمان " ) أي : عن أنس .




الخدمات العلمية