الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
5282 - وعن سفيان الثوري قال : ليس الزهد في الدنيا بلبس الغليظ والخشن ، وأكل الجشب ، إنما الزهد في الدنيا قصر الأمل . رواه في ( شرح السنة ) .

التالي السابق


5282 - ( وعن سفيان الثوري ) أي : الكوفي إمام المسلمين وحجة الله على خلقه أجمعين ، جمع زمنه بين الفقه والاجتهاد فيه والحديث والزهد والعبادة والورع والعفة ، وإليه المنتهى في علم الحديث وغيره من العلوم ، أجمع الناس على دينه وزهده وورعه ، وثقته ، ولم يختلفوا في ذلك ، وهو أحد الأئمة المجتهدين وأحد أقطاب الإسلام وأركان الدين ، ولد في أيام سليمان بن عبد الملك سنة تسع وتسعين ، سمع خلقا كثيرا . وروى عن معمر والأوزاعي وابن جريج ومالك وشعبة وابن عيينة وفضيل بن عياض ، وخلق كثير سواهم ، مات سنة إحدى وستين ومائة ، ذكره المؤلف . ( قال : ليس الزهد في الدنيا بلبس الغليظ ) أي : في الغزل ( والخشن ) ، بفتح فكسر أي : في النسج ( وأكل الجشب ) ، بفتح الجيم وكسر الشين المعجمة أي : ولا بأكل الغليظ الجشب من الطعام ، وقيل : غير المأدوم ( إنما الزهد في الدنيا قصر الأمل ) . بكسر قاف ففتح صاد ، وفي نسخة بضم فسكون أي : اقتصار الأمل والاستعداد للأجل بالمسارعة إلى التوبة والعلم والعمل ، وحاصله أن الزهد الحقيقي هو ما يكون في الحال القلبي من عزوف النفس عن الدنيا وميلها إلى العقبى ، وليس المدار على الانتفاع القالبي فإنه يستوي الأمران فيه باعتبار الحقيقة ، وإن كان التقشف في اللبس والتقلل في كمية الأكل وكيفيته له تأثير بليغ في استقامة العبد على الطريقة ، والحاصل أن حب الدنيا في القلب هو المهلك للهالك لا وجودها على قالب السالك ، وشبه القلب بالسفينة حيث إن الماء المشبه بالدنيا في قوله تعالى : إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء إن دخل داخل السفينة أغرقها مع [ ص: 3305 ] أهلها ، وإن كان خارجها وحولها سيرها وأوصلها إلى محلها ، ولذا قال - صلى الله تعالى عليه وسلم - : " نعم المال الصالح للرجل الصالح " وقد اختار جماعة من الصوفية وأكابر الملامية لبس العوام ، وبعضهم لبس أكابر الفخام تسترا لأحوالهم ومنازلهم الكرام ، ويتعدى عما ينادى : لبس المرقع من الشكاية من الحق إلى الخلق ، وإلى السؤال بلسان الحال ، ومن الطمع في غير المطمع ، ومن المظنة في موقع الرياء والسمعة ، وقد أخرج الديلمي في مسند الفردوس ، عن أبي سعيد الخدري مرفوعا : " ليس البر في حسن اللباس والزي ، ولكن البر السكينة والوقار " هذا والطرق إلى الله بعدد أنفاس الخلائق ، والمدار على الإخلاص والخلاص عن العلائق والعوائق . ( رواه في شرح السنة ) .




الخدمات العلمية