الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
5538 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : يلقى إبراهيم أباه آزر يوم القيامة ، وعلى وجه آزر قترة وغبرة ; فيقول له إبراهيم : ألم أقل لك لا تعصني ؟ فيقول له أبوه : فاليوم لا أعصيك . فيقول إبراهيم : يا رب ! إنك وعدتني أن لا تخزيني يوم يبعثون ، فأي خزي أخزى من أبي الأبعد ، فيقول الله تعالى : إني حرمت الجنة على الكافرين ، ثم يقال لإبراهيم : ما تحت رجليك ؟ فينظر فإذا هو بذيخ متلطخ ، فيؤخذ بقوائمه فيلقى في النار . رواه البخاري .

التالي السابق


5538 - ( وعن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : يلقى ) أي : يرى ( إبراهيم أباه آزر ) : بدل أو بيان ( يوم القيامة على وجه آزر ) : وضع الظاهر موضع الضمير ; لئلا يتوهم رجعه إلى إبراهيم في ابتداء الحال ( قترة ) : بفتحتين أي سواد من الكآبة والحزن ( وغبرة ) : بفتحتين غبار معه سواد ، فذكرهما مبالغة والجملة حالية ، ( فيقول له إبراهيم : ألم أقل لك لا تعصني ؟ فيقول له أبوه : فاليوم ) : ظرف مقدم ( لا أعصيك ، فيقول إبراهيم : يا رب ! إنك وعدتني أن لا تخزيني ) أي : لا تفضحني ( يوم يبعثون ) أي : الخلائق ( فأي خزي ) : في النهاية هو الهلاك والوقوع في بلية ( أخزى من أبي ) أي : من خزي أبي ( الأبعد ) : يريد البعد في المرتبة والالتحاق بأهل النار ، أو الهالك من البعد بمعنى الهلاك ، أو الأبعد من رحمة الله تعالى ، فإن الفاسق بعيد والكافر أبعد ، ورحمة الله قريب من المحسنين ، وإلى الأنبياء والأولياء أقرب . قال الطيبي - رحمه الله : هو أفعل الذي قطع عن متعلقه للمبالغة ، ( فيقول الله تعالى : إني حرمت الجنة على الكافرين ، ثم قال لإبراهيم : ما تحت رجليك ) ؟ وفي نسخة : انظر ما تحت رجليك ، وما : استفهامية أو موصولة ، قال ابن الملك : ما استفهام خبره تحت ، ويجوز كونه بمعنى الذي ، أي : انظر إلى الذي تحت رجليك ، ( فينظر فإذا هو ) أي : آزر ( بذيخ ) : بكسر الذال المعجمة فتحتية ساكنة فخاء معجمة ، وهو ذكر الضبع الكثير الشعر ، وفي نسخة بموحدة ساكنة وحاء مهملة وهو ما يذبح ( متلطخ ) : إما برجيعه أو بدمه أو بالطين ، ( فيؤخذ بقوائمه ) : جمع قائمة وهو ما يقوم به الدواب بمثابة الأرجل للإنسان ، كذا ذكره شارح ، ففيه تغليب ; إذ المراد أنه يؤخذ بيديه ورجليه ( فيلقى ) أي : فيطرح ( في النار ) أي : في مقام الكفار ، فغير صورته ليكون تسلية لإبراهيم حتى لا يخزيه لو رآه قد ألقي في النار على صورته ، فيكون خزيا وفضيحة على رءوس الخلائق ; فغيره سترة لحاله في تقبيح مآله . قيل : هذا الحديث مخالف لظاهر قوله تعالى : وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه ، وأجيب بأنه اختلف في الوقت الذي تبرأ إبراهيم فيه من أبيه ، فقيل كان ذلك في الدنيا لما مات آزر مشركا ، وقيل إنما تبرأ منه يوم القيامة لما أيس منه حين مسخ ، ويمكن الجمع بين القولين بأنه تبرأ منه لما مات مشركا ، فترك الاستغفار له ، لكن لما رآه يوم القيامة أدركته الرأفة فسأل منه ، فلما رآه مسخ أيس منه وتبرأ تبرأ أبديا ، وقيل : إن إبراهيم لم يتيقن بموته على الكفر ; لجواز أن يكون آمن في نفسه ، ولم يطلع إبراهيم ، ويكون وقت تبرئه منه بعد الحال التي وقعت في هذا الحديث . ( رواه البخاري ) .




الخدمات العلمية