الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
5628 - وعنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : سيحان وجيحان والفرات والنيل كل من أنهار الجنة " . رواه مسلم .

التالي السابق


5628 - ( وعنه ) أي : عن أبي هريرة ( قال : قال رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم : ( سيحان وجيحان ) : بفتح أولهما نهران بالشام ، أولهما من السيح بالسين والحاء المهملتين ، وهو جري الماء على وجه الأرض ، والنون فيه زائدة ، وثانيهما من حجن الصبي - بالجيم فالحاء - إذا ساء غداؤه ، والنون فيه أصلية ( والفرات ) : نهر بالكوفة ( والنيل ) ، نهر مصر ، وأما سيحون فنهر بالهند ، وجيحون نهر بلخ ، وينتهي إلى خوارزم كذا قاله شارح ، وقيل : سيحان نهر بالشام ، وقيل بالهند ، وجيحان نهر بلخ . وقال النووي - رحمه الله - : سيحان وجيحان غير سيحون وجيحون ، والمذكوران في الحديث في بلاد الأرمن ، فسيحان نهر المصيصة ، وجيحان نهر أذنة ، وهما نهران عظيمان جدا ، هذا هو الصواب . وأما قول الجوهري : جيحان نهر بالشام فغلط ، وقال صاحب نهاية الغريب : فسيحان وجيحان نهران بالعواصم عند المصيصة وطرسوس ، واتفقوا على أن جيحون بالواو نهر خراسان ، وقيل سيحون نهر بالهند . ( كل ) أي كل واحد منها ( من أنهار الجنة ) إنما جعل الأنهار الأربعة من أنهار الجنة لما فيها من العذوبة والهضم ، ولتضمنها البركة الإلهية وتشرفها بورود الأنبياء إليها وشربهم منها ، ذلك ومثل قوله - صلى الله تعالى عليه وسلم - في عجوة المدينة : ( إنها من ثمار الجنة ) . ويحتمل أنه عن الأنهار التي هي أصول أنهار الجنة بتلك الأسامي ليعلم أنها في الجنة بمثابة الأنهار الأربعة في الدنيا ، أو لأنها مسميات بتلك الأسماء ، فوقع الاشتراك فيها ، كذا ذكر شارح من علمائنا .

وقال القاضي - رحمه الله - : جعل الأنهار الأربعة لعذوبة مائها وكثرة منافعها ، كأنها من أنهار الجنة ، ويحتمل أن يكون المراد بها الأنهار الأربعة التي هي أصول أنهار الجنة ، وسماها بأسامي الأنهار الأربعة التي هي أعظم أنهار الدنيا وأشهرها ، وأعذبها ، وأفيدها عند العرب - على سبيل التشبيه والتمثيل ، ليعلم أنها في الجنة بمثابتها ، وأن ما في الدنيا من أنواع المنافع والنعائم أنموذجات لما يكون في الآخرة ، وكذا ما فيها من المضار المردية والمستكرهات المؤذية .

وفي شرح مسلم للنووي قال القاضي عياض - رحمه الله - : كون هذه الأنهار من الجنة أن الإيمان لهم ببلادها ، وأن الأجسام المتغذية بمائها صائرة إلى الجنة ، والأصح أنها على ظاهرها ، وأن لها مادة من الجنة مخلوقة ؛ لأنها موجودة اليوم عند أهل السنة ، وقد ذكر مسلم في كتاب الإيمان في حديث الإسراء : أن الفرات والنيل يجريان من الجنة . وفي البخاري من أصل سدرة المنتهى ، وفي معالم التنزيل روى ابن عباس أن الله تعالى أنزل هذه الأنهار من عين واحدة من عيون الجنة ، من أسفل درجة من درجاتها على جناحي جبريل ، استودعها الجبال ، وأجراها في الأرض ، وجعل فيها منافع للناس ، وذلك قوله تعالى : وأنزلنا من السماء ماء بقدر فإذا كان عند خروج يأجوج ومأجوج أرسل الله جبريل يرفع من الأرض القرآن ، والعلم ، والحجر الأسود ، ومقام إبراهيم ، وتابوت موسى ، وهذه الأنهار ، فذلك قوله تعالى : وإنا على ذهاب به لقادرون ( رواه مسلم ) .




الخدمات العلمية