الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
5735 - وعنه ، قال : بينما نبي الله - صلى الله عليه وسلم - جالس وأصحابه إذ أتى عليهم سحاب ، فقال نبي الله - صلى الله عليه وسلم : " هل تدرون ما هذا ؟ " . قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : " هذه العنان هذه روايا الأرض ، يسوقها الله إلى قوم لا يشكرونه ، ولا يدعونه " . ثم قال : " هل تدرون ما فوقكم ؟ " قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : " فإنها الرقيع ، سقف محفوظ ، وموج مكفوف " . ثم قال : " هل تدرون ما بينكم وبينها ؟ " قالوا : الله ورسوله أعلم . قال بينكم وبينها خمسمائة عام " ثم قال : " هل تدرون ما فوق ذلك ؟ " . قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : " سماءين بعد ما بينهما خمسمائة سنة " . ثم قال كذلك حتى عد سبع سماوات " ما بين كل سماءين ما بين السماء والأرض " ثم قال : " هل تدرون ما فوق ذلك ؟ " قالوا : الله ورسوله أعلم قال : " إن فوق ؟ ذلك العرش ، وبينه وبين السماء بعد ما بين السماءين " . ثم قال : " هل تدرون ما الذي تحتكم ؟ " قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : " إنها الأرض " . ثم قال : " هل تدرون ما تحت ذلك ؟ " . قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : " إن تحتها أرضا أخرى ، بينهما مسيرة خمسمائة سنة " . حتى عد سبع أرضين وبين كل أرضين مسيرة خمسمائة سنة " . ثم قال : " والذي نفس محمد بيده لو أنكم دليتم بحبل إلى الأرض السفلى لهبط على الله " ثم قرأ : هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم رواه أحمد ، والترمذي . وقال الترمذي : قراءة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الآية تدل على أنه أراد : لهبط على علم الله وقدرته وسلطانه ، وعلم الله وقدرته وسلطانه في كل مكان ، وهو على العرش ، كما وصف نفسه في كتابه .

التالي السابق


5735 - ( وعنه ) أي : عن أبي هريرة ( قال : بينما نبي الله - صلى الله عليه وسلم : جالس وأصحابه ) أي : معه جلوس ( إذا أتى ) أي : مر ( عليهم سحاب ) ، وفي نسخة سحابة ( فقال نبي الله - صلى الله عليه وسلم : " هل تدرون ما هذا " ؟ أي السحاب ( قالوا : الله ورسوله أعلم قال : هذه ) أي : السحابة ، فالتعبير بالتأنيث للوحدة وبالتذكير للجنس من باب التفنن ( العنان ) : بفتح العين من " عن " أي : ظهر كما سبق ( هذه روايا الأرض ) ، قيل التقدير : بل هذه وهو غير ظاهر ، ففي النهاية عن السحاب روايا البلاد ، والروايا من الإبل الحوامل للماء واحدتها راوية ، فشبهها به ، وبه سميت المزادة راوية ، وقيل : بالعكس ( يسوقها الله ) أي : يجرها أو يأمر بسوقها ( إلى قوم لا يشكرونه ) ، أي بل يكفرونه حيث ينسبون المطر إلى اقتراب النجوم ، وافتراقها وغروبها وطلوعها ، ويقولون : مطرنا بنوء كذا ، ( ولا يدعونه ) . أي لا يذكرون الله ولا يطلبون منه ولا يعبدونه ، بل يعبدون الأصنام وهو بعميم كرمه يرزقهم ويعافيهم ، كسائر الأنام وباقي الأنعام .

( ثم قال : " هل تدرون ما فوقكم " ) ؟ أي من السماء ( قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : " فإنها الرقيع " ) . وهو اسم لسماء الدنيا وقيل : لكل سماء والجمع أرقعة ( سقف محفوظ ، وموج مكفوف " ) . أي ممنوع من الاسترسال ، والمعنى أن الله حفظها من السقوط على الأرض ، وهي معلقة بلا عمد كالموج المكفوف ، ( ثم قال : " هل تدرون ما بينكم وبينها " ) ؟ أي مقدار ما بين الأرض والسماء ( قالوا : الله ورسوله أعلم . قال " بينكم وبينها خمسمائة عام " ) . أي مسيرتها ومسافتها . ( ثم قال : " هل تدرون ما فوق ذلك ) ؟ أي المحسوس أو المذكور من سماء الدنيا ( قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : " سماءان " ) أي : سماء بعد سماء ( بعد ما بينهما خمسمائة سنة " ثم قال : كذلك ) أي : سماءان مرتين أخريين ( حتى عد سبع سموات ) أي : أكمل عدد السبع منهن ( ما بين كل سماءين ما بين السماء والأرض ) . أي كما بينهما من خمسمائة عام ففيه نوع تفنن في العبارة .

[ ص: 3668 ] ( ثم قال : " هل تدرون ما فوق ذلك " ) ؟ أي المذكور ( قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : " إن فوق ذلك " ) : بالنصب على أنه ظرف وقع خبرا مقدما لإن ، وقوله : ( العرش ) ، بالنصب على أنه اسم له ( وبينه وبين السماء ) أي : السابعة ( بعد ما بين السماءين ) . أي من السماوات السبع . ( ثم قال : هل تدرون ما الذي تحتكم ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : إنها الأرض " ) أي : العليا ( ثم قال : " هل تدرون ما تحت ذلك " ) ؟ أي المشار إليه ( قالوا : الله ورسوله أعلم . قال : " تحتها أرض أخرى ، بينهما مسيرة خمسمائة سنة " ) . أي : وهكذا ذكر أرضا بعد أخرى . ( حتى عد سبع أرضين ) : بفتح الراء ويسكن ( بين كل أرضين ) : بالتثنية أي بين كل أرضين منها ( مسيرة خمسمائة سنة . ثم قال : والذي نفس محمد بيده لو أنكم دليتم " ) : بتشديد اللام المفتوحة من أدليت الدلو ودليتها إذا أرسلتها البئر ، ومنه قوله تعالى : فأدلى دلوه على التجريد أو التأكيد ، والمعنى لو أرسلتم ( بحبل إلى الأرض السفلى لهبط ) : بفتح الموحدة أي لنزل ( على الله ) . أي على علمه وملكه . كما صرح به الترمذي في كلامه الآتي ، والمعنى أنه تعالى محيط بعلمه وقدرته على سفليات ملكه ، كما في علويات ملكوته دفعا لما عسى يختلج في وهم من لا فهم له أن له اختصاصا بالعلو دون السفل ، والذي قيل : كان معراج يونس عليه الصلاة والسلام في بطن الحوت ، كما أن معراج نبينا - صلى الله تعالى عليه وسلم - كان في ظهر السماء ، فالقرب بالنسبة إلى كل في مد الاستواء ، كما أخر عن قربه لكل من العبيد بقوله : ونحن أقرب إليه من حبل الوريد وإنما يتفاوت القرب المعنوي بالتشريف اللدني ، ومنه قرب الفرائض وقرب النوافل ، كما هو مقرر في محله .

( ثم قرأ ) أي : النبي - صلى الله عليه وسلم - استشهادا وأبو هريرة اعتضادا هو الأول أي : القدم الذي ليس له ابتداء والآخر أي : الباقي الذي ليس له انتهاء والظاهر أي : بالصفات والباطن أي : بالذات وهو بكل شيء أي : من العلويات والسفليات والجزئيات والكليات عليهم أي : بالغ في كمال العلم به محيط علمه بجوانبه .

( رواه أحمد ، والترمذي . وقال الترمذي : قراءة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الآية ) أي : المذكورة ( تدل على أنه أراد : لهبط على علم الله وقدرته وسلطانه ) ، قال الطيبي - رحمه الله : أما علمه تعالى ، فهو من قوله : وهو بكل شيء عليم وأما قدرته فمن قوله : هو الأول والآخر أي هو الأول الذي يبدئ كل شيء ، ويخرجهم من العدم إلى الوجود ، والآخر الذي يفني كل شيء كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام وأما سلطانه فمن قوله : والظاهر والباطن قال الأزهري : يقال : ظهرت على فلان إذا غلبته ، والمعنى هو الغالب الذي يغلب ولا يغلب ، ويتصرف في المكونات على سبيل الغلبة والاستيلاء ، أو ليس فوقه أحد يمنعه ، والباطن هو الذي لا ملجأ ولا منجى دونه ، ثم قال الترمذي : ( وعلم الله وقدرته وسلطانه في كل مكان ) ، أي يستوي فيه العلويات والسفليات وما بينهما ، كما أن هذه الصفات موجودة في كل زمان ، بل قبل أن يخلق الزمان

[ ص: 3669 ] والمكان ( وهو على العرش ، كما وصف نفسه في كتابه ) . قال الطيبي - رحمه الله : الكاف في ( كما ) منصوب على المصدر أي هو مستو على العرش استواء مثل ما وصف نفسه به في كتابه ، وهو مستأثر بعلمه باستوائه عليه ، وفي قول الترمذي إشعارا إلى أنه لا بد لقوله : لهبط على الله من هذا التأويل المذكور ، ولقوله : على العرش استوى من تفويض علمه إليه تعالى ، والإمساك عن تأويله كما سبق أن بعضا من خلاف الظاهر يحتاج إلى التأويل . ومنها ما لا يجوز الخوض فيه .




الخدمات العلمية