الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
5917 - وعن حذيفة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( في أصحابي - وفي رواية قال : في أمتي - اثنا عشر منافقا لا يدخلون الجنة ، ولا يجدون ريحها حتى يلج الجمل في سم الخياط ، ثمانية منهم تكفيهم الدبيلة : سراج من نار يظهر في أكتافهم حتى تنجم في صدورهم ) . رواه مسلم .

وسنذكر حديث سهل بن سعد : ( لأعطين هذه الراية غدا ) في ( باب مناقب علي ) رضي الله عنه .

وحديث جابر ( من يصعد الثنية ) في ( باب المناقب ) إن شاء الله تعالى .

التالي السابق


5917 - ( وعن حذيفة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( في أصحابي - وفي رواية قال : في أمتي - اثنا عشر منافقا لا يدخلون الجنة ، ولا يجدون ريحها ) : مع أنه يشم من مسافة خمسمائة عام ( حتى يلج الجمل في سم الخياط ) ، أي : حتى يدخل البعير في ثقب الإبرة ، وهو من باب التعليق بالمحال كقوله تعالى : إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل قال الشيخ التوربشتي : صحبة النبي - صلى الله عليه وسلم - المعتد بها هي المقترنة بالإيمان ، ولا يصح أن يطلق الصحابي إلا على من صدق في إيمانه ، وظهرت منه أمارته دون أن أغمض عليهم بالنفاق ، فإضافتها إليهم لا تجوز إلا على المجاز لتشبههم بالصحابة ، وتسترهم بالكلمة ، وإدخالهم أنفسهم في غمارهم ، ولهذا قال : في أصحابي ولم يقل من أصحابي ، وذلك مثل قولنا إبليس كان في الملائكة أي : في زمرتهم ، ولا يصح أن يقال : كان من الملائكة ، فإن الله سبحانه وتعالى يقول : كان من الجن وقد أسر بهذا القول إلى خاصته وذوي المنزلة من أصحابه أمر هذه الفئة المسمومة المتلبسة ، لئلا يقبلوا منهم الإيمان ، ولا يقبلوا من قبلهم المكر والخداع ، ولم يكن يخفى على المحفوظين شأنهم لاشتهارهم بذلك في الصحابة إلا أنهم كانوا يواجهونهم بصريح المقال أسوة برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان حذيفة أعلمهم بأسمائهم ، وذلك لأنه كان ليلة العقبة مع النبي - صلى الله عليه وسلم - مرجعه من غزوة تبوك حين هموا بقتله ، ولم يكن على العقبة إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعمار يقود به وحذيفة يسوق به ، وكان منادي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد نادى : أن خذوا بطن الوادي فهو أوسع لكم ، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أخذ الثنية فلما سمعه المنافقون طمعوا في المكر به ، فاتبعوه متلثمين وهم اثنا عشر رجلا ، فسمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خشفة القوم من ورائه ، فأمر حذيفة أن يردهم ، فاستقبل حذيفة وجوه رواحلهم بمحجن كان معه ، فضربها ضربا فرعبهم الله حين أبصروا حذيفة ، فانقلبوا مسرعين على أعقابهم حتى خالطوا الناس ، فأدرك حذيفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال لحذيفة : ( هل عرفت أحدا منهم ؟ ) قال : لا ، فإنهم كانوا متلثمين ، ولكن أعرف رواحلهم فقال . ( إن الله تعالى أخبرني بأسمائهم وأسماء آبائهم ، وسأخبرك بهم إن شاء الله عند الصباح ) فمن ثم كان الناس يرجعون حذيفة في أمر المنافقين ، وقد ذكر عن حذيفة أنهم كانوا أربعة عشر ، فتاب اثنان وبقي اثنا عشر على النفاق على ما أخبر به الصادق المصدوق ، وقد اطلعت على أسمائهم في كتب حفاظ الحديث مروية عن حذيفة غير أني وجدت في بعضها اختلافا ، فلم أر أن أخاطر بديني فيما لا ضرورة لي ( ثمانية منهم ) ، أي : من الاثني عشر منافقا ( تكفيهم ) ، أي : تدفع شرهم ( الدبيلة ) : قال القاضي : الدبيلة في الأصل تصغير الدبل ، وهي الداهية ، فأطلقت قرحة على رديه تحدث في باطن الإنسان ويقال لها الدبلة بالفتح والضم ، ( سراج من نار ) : تفسير للدبيلة ، والظاهر أنه من كلام حذيفة ( يظهر ) ، أي : يخرج السراج ( في أكتافهم حتى تنجم ) : بضم الجيم أي : تظهر وتطلع النار ( في صدورهم ) . أي : في بطونهم ، وفي كلام القاضي إيماء إلى أن قوله : تظهر بصيغة [ ص: 3817 ] التأنيث حيث قال : وفسرها في الحديث بنار تخرج في أكتافهم ، حتى تنجم أي : تظهر من نجم ينجم بالضم إذا ظهر وطلع ، ثم قال : ولعله أراد بها ورما حارا يحدث في أكتافهم بحيث يظهر أثر ترك الحرارة وشدة لهبها في صدورهم ممثلة بسراج من نار ، وهو شعلة المصباح ، وقد روي عن حذيفة أنه - صلى الله عليه وسلم - عرفه إياهم وأنهم هلكوا ، كما أخبره الرسول صلوات الله وسلامه عليه ( رواه مسلم ) .

( وسنذكر حديث سهل بن سعد : لأعطين هذه الراية كذا ) أي : رجلا يفتح الله على يديه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ( في باب مناقب علي ) أي : فإنه أولى .

( وحديث جابر ) ، أي : وسنذكر حديث جابر ( من يصعد الثنية ) : بكسر الدال لالتقاء الساكنين على أن من شرطية ، وروي يصعد بالرفع على أن من استفهامية ، وتمامه : ( فإنه يحط عنه ما حط عن بني إسرائيل ) . ( في باب جامع المناقب ) . أي : فإنه المناسب ( إن شاء الله تعالى ) : متعلق بسنذكر .




الخدمات العلمية