الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
6039 - وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ( بينا أنا نائم أتيت بقدح لبن ، فشربت حتى إني لأرى الري يخرج في أظفاري ، ثم أعطيت فضلي عمر بن الخطاب ) قالوا : فما أولته يا رسول الله ؟ قال : ( العلم ) . متفق عليه .

التالي السابق


6039 - ( وعن ابن عمر قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ( بينا أنا نائم أتيت بقدح لبن ) : وفي رواية : إذ رأيت قدحا أتيت به فيه لبن ( فشربت حتى إني ) : بكسر الهمز وقد يفتح ( لأرى الري ) : بكسر الراء وتشديد الياء أي أثر اللبن من الماء ( يخرج ) أي : يظهر وفي رواية يجري ( في أظفاري ، ثم أعطيت فضلي ) أي : سؤري الكثير الخالص ( عمر بن الخطاب ) . فلا ينافي أن سؤره حصل للصديق أيضا فإنه كان قليلا جدا ، ولا أن سؤره لعثمان وعلي أيضا وصل فإنه لهما لم يكن صافيا ( قالوا : فما أولته ) ؟ أي اللبن ، وفي رواية : فما أولت ذلك ( يا رسول الله ؟ قال : ( العلم ) . بالنصب وروي بالرفع على ما قدمناه ، والمراد بالعلم هو علم الدين والله أعلم .

[ ص: 3897 ] قال العلماء بين عالم الأجسام وعالم الأرواح عالم آخر يقال له عالم المثال ، وهو عالم نوراني شبيه بالجسماني ، والنوم سبب لسير الروح المنور في عالم المثال ، ورؤية ما فيه من الصور غير الجسدانية ، والعلم مصور بصور اللبن في ذلك العالم بمناسبة أن اللبن أول غذاء البدن وسبب صلاحه ، والعلم أول غذاء الروح وسبب صلاحه . وقيل : التجلي العلمي لا يقع إلا في أربع صور : الماء واللبن والخمر والعسل ، تناولتها آية فيها ذكرت أنهار الجنة ، فمن شرب الماء يعطى العلم اللدني ، ومن شرب اللبن يعطى العلم بأسرار الشريعة ، ومن شرب الخمر يعطى العلم بالكمال ، ومن شرب العسل يعطى العلم بطريق الوحي ، وقد قال بعض العارفين : إن الأنهار الأربعة عبارة عن الخلفاء ، ويطابقه تخصيص اللبن بعمر - رضي الله عنه - في هذا الحديث ، وأما الري في العلم ; فقد اختلف فيه ، فمنهم من قال بوجوده لأن الاستعداد متناه ولا يزيد على ما لم يقبل فيحصل الري ، وظاهر الحديث معهم . ومنهم من قال بعدمه لقوله تعالى : وقل رب زدني علما فالأمر بطلب زيادة العلم بلا ذكر النهاية يدل على أنه لا ينتهي ، ولذا قيل : من لم يكن في زيادة فهو في نقصان ، وإن التوقف ليس في طور الإنسان ويدل عليه حديث : ( منهومان لا يشبعان طالب العلم وطالب الدنيا ) . ومنه ما نقل عن أبي يزيد البسطامي قدس الله سره السامي أنه قال :


شربت الحب كأسا بعد كأس فما نفد الشراب ولا رويت

.

ويمكن الجواب عن دليل الأولين بأن العلم إذا حصل بقدر الاستعداد القابل أعطاه الله تعالى استعدادا لعلم آخر فيحصل له عطش آخر ، وعن هذا قيل : طالب العلم كشارب البحر ، كما كلما ازداد شربا ازداد عطشا . وعن الحديث بأنه محمول على البداية قبل نزول الآية التي تدل على عدم النهاية . ( متفق عليه ) . وأخرجه أحمد وأبو حاتم والترمذي وصححه ، ولهذا بلغ علمه ما روي عن ابن مسعود أنه قال : لو جمع علم أحياء العرب في كفة ميزان ، ووضع علم عمر في كفة لرجح علم عمر ، ولقد كانوا يرون أنه ذهب بتسعة أعشار العلم .




الخدمات العلمية