الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الفصل الثالث

6050 - عن أنس وابن عمر ، أن عمر - رضي الله عنهم - قال : وافقت ربي في ثلاث : قلت : يا رسول الله لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى ؟ فنزلت : واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى . وقلت : يا رسول الله ، يدخل على نسائك البر والفاجر ، فلو أمرتهن يحتجبن ؟ فنزلت آية الحجاب ، واجتمع نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - في الغيرة ، فقلت : ( عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن ) ، فنزلت كذلك .

التالي السابق


الفصل الثالث

6050 - ( عن أنس وابن عمر ، أن عمر - رضي الله عنه - قال : وافقت ربي ) : قال الطيبي : ما أحسن هذه العبارة وما ألطفها حيث راعى فيها الأدب الحسن ، ولم يقل : وافقني ربي مع أن الآيات إنما نزلت موافقة لرأيه واجتهاده . أقول : ولعله - رضي الله عنه - أشار بقوله هذا أن فعله حادث لاحق ، وقضاء ربه قديم سابق . ( في ثلاث ) : لكن في الرياض عن أنس قال : قال عمر : وافقت ربي في ثلاث ، الحديث . أخرجه الشيخان وأبو حاتم . قال الحافظ العسقلاني : ليس في تخصيص الثلاث ما ينفي الزيادة لأنه حصلت له الموافقة في أشياء ، من مشهورها قصة أسارى بدر ، وقصة الصلاة على المنافقين ، وهما في الصحيح . وأكثر ما وقفنا منها بالتعيين خمسة عشر . قال صاحب الرياض : منها تسع لفظيات ، وأربع معنويات ، واثنتان في التورية ، فإن أردت تفصيلها فراجعها . ( قلت : يا رسول الله لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى ) ؟ أي لكان حسنا أو لو للتمني ، والمراد أن يجعل مصلى لصلاة الطواف بأن يكون فيما حوله أفضل ( فنزلت : واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى بكسر الخاء على أن الأمر للاستحباب ، وقيل للإيجاب ، وفي نسخة بفتح الخاء وهي قراءة المدني والشامي من السبعة . قال القاضي : أي : واتخذ الناس مقامه الموسوم به يعني الكعبة قبلة يصلون إليها اهـ . والأظهر أنه خبر معناه الأمر ، وهو أبلغ في الحكم المقرر ، فكأنه أمر [ ص: 3905 ] به وامتثل ؛ فأخبر ، والمراد بمقام إبراهيم الحجر الذي فيه أثر قدمه ، والموضع الذي كان فيه حين قام عليه ودعا الناس إلى الحج ، أو رفع بناء البيت ، ولا منع من الجمع وهو موضعه اليوم ، روي أنه - عليه السلام - أخذ بيد عمر - رضي الله عنه - فقال : هذا مقام إبراهيم - عليه السلام - فقال عمر : أفلا نتخذه مصلى ؟ فقال : لم أومر بذلك فلم تغب الشمس حتى نزلت ، والمراد به الأمر بركعتي الطواف لما روى جابر : أنه - عليه السلام - لما فرغ من طوافه عمد إلى مقام إبراهيم فصلى خلفه ركعتين ، وقرأ : واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى قال البيضاوي : وللشافعي في وجوب الركعتين قولان اهـ . وهما واجبتان عقب كل طواف عندنا . ( وقلت : يا رسول الله ، يدخل على نسائك البر ) : بفتح الموحدة أي البار وهو الصالح ( والفاجر ) ، أي الفاسق ( فلو أمرتهن أن يحتجبن ) أي : عن الأجانب مطلقا ( فنزلت آية الحجاب ) : وهي قوله تعالى : وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب وقد أخرج الطبراني عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : كنت آكل مع النبي - صلى الله عليه وسلم - حيسا في قعب ، فمر عمر فدعاه فأكل فأصابت أصبعه أصبعي فقال : حس أو آه لو أطاع فيكن ما رأتكن عين فنزلت آية الحجاب ، وقوله : حس بكسر السين والتشديد كلمة يقولها الإنسان إذا أصابه ما أحرقه كالجمرة والضربة ونحوهما . ( واجتمع نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - في الغيرة ) ، عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحب العسل والحلواء ، وكان إذا انصرف من العصر دخل على نسائه ، فيدنو من إحداهن ، فدخل على حفصة بنت عمر فاحتبس عندها أكثر مما كان يحتبس فغرت ، فسألت عن ذلك فقيل لي : أهدت لها امرأة من قومها عكة من عسل ، فسقت النبي - صلى الله عليه وسلم - منه شربة فقلت : أما والله لنحتالن له ، الحديث . فنزل : يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك . ( فقلت : عسى ربه إن طلقكن أن يبدله : بالتشديد والتخفيف أي : يعطيه بدلا عنكن ( أزواجا خيرا منكن فنزلت كذلك .




الخدمات العلمية