الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
6052 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال : فضل الناس عمر بن الخطاب بأربع : بذكر الأسارى يوم بدر ، أمر بقتلهم ، فأنزل الله تعالى : لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم وبذكره الحجاب ، أمر نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يحتجبن ، فقالت له زينب : وإنك علينا يا ابن الخطاب والوحي ينزل في بيوتنا ؟ فأنزل الله تعالى : وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب وبدعوة النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( اللهم أيد الإسلام بعمر ) . وبرأيه في أبي بكر - رضي الله عنه - كان أول ناس بايعه . رواه أحمد .

التالي السابق


6052 - ( وعن ابن مسعود ) ، أي : موقوفا ( قال : فضل الناس ) : بضم فاء وتشديد ضاد معجمة ونصب الناس على أنه مفعول ثان مقدم على نائب الفاعل ، وهو قوله : ( عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ) ، أي : فضله الله عليهم لاختصاصه ( بأربع ) ، أي : من الخصال ( بذكر الأسارى ) ، أي : بذكره إياهم أو بذكرهم عنده ( يوم بدر أمر بقتلهم ) ، استئناف أو حال ( فأنزل الله تعالى : ( لولا كتاب ) ، أي : مكتوب أو حكم ( من الله سبق ) أي : إثباته في اللوح ، أو في العلم بأنه لا يعاقب المخطئ في اجتهاده ، أو أن أهل بدر مغفور لهم ( لمسكم ) أي : لأصابكم ( فيما أخذتم ) أي : من الفداء عوضا عن الأعداء ( عذاب عظيم ) أي : في الدنيا قبل الأخرى ، وكان أخذهم الفدية يوم بدر من الكفار خطأ في الاجتهاد مبنيا على أن أخذ المال منهم أنسب ليتقوى المؤمنون به ، ولعلهم يؤمنون به بعد ذلك . وذهب إليه أبو بكر ومن تبعه من أرباب الجمال ، أو بل ينبغي قتلهم ، فإنهم أئمة الكفر ورؤساؤه ، وهو قول عمر ومن وافقه من أصحاب الجلال ، ولما كان - صلى الله عليه وسلم - من كماله مائلا إلى الجمال اختار قول الصديق في الحال ، وكان مطابقا لما في أزل الآزال من حسن المآل ، وتفصيله على ما في الرياض عن ابن عباس عن عمر قال : لما كان يوم بدر قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( ما ترون في هؤلاء الأسارى ؟ ) فقال أبو بكر : يا رسول الله ، بنو العم وبنو العشيرة والإخوان غير أنا نأخذ منهم الفداء ، فيكون لنا قوة على المشركين ، وعسى الله أن يهديهم إلى الإسلام ، ويكونوا لنا عضدا . قال : ( فما ترى يا ابن الخطاب ) قلت : يا رسول الله ، ما أرى الذي رأى أبو بكر ، ولكن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدهم ، فنقربهم ونضرب أعناقهم . قال : فهوي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما قاله أبو بكر ولم يهو ما قلت ، وأخذ منهم الفداء ، فلما أصبحت غدوت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا هو وأبو بكر قاعدان يبكيان . قلت : يا نبي الله ، من أي شيء تبكي أنت وصاحبك ، فإن وجدت بكاء بكيت وإلا تباكيت لبكائكما . فقال : لقد عرض علي عذابكم أدنى من الشجرة والشجرة قريبة حينئذ ، فأنزل الله تعالى : ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة أخرجه مسلم . وعن البخاري معناه ، وفي رواية لأحمد : فأنزل الله : لولا كتاب من الله سبق لمسكم الآية . وفي طريق أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لقي عمر فقال : ( لقد كان يصيبنا بلاء ) أخرجه الواحدي مسندا في أسباب النزول ، وفي بعضها : لقد كاد يصيبنا بخلافك شر يا ابن الخطاب ، وفي رواية : لو نزل من السماء نار لما نجا منها إلا عمر . وفي هذه الأحاديث دليل على أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يحكم باجتهاده . ( وبذكره الحجاب ) ، والضمير لعمر ( أمر نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يحتجبن ، فقالت له زينب ) أي : بنت جحش ، وهي بنت عمة النبي - صلى الله عليه وسلم - وإحدى أمهات المؤمنين ( وإنك علينا ) أي : تحكم أو تغار ( يا ابن الخطاب والوحي ينزل في بيوتنا ) ؟ جملة حالية ؛ فأنزل الله تعالى : وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن بالهمز ونقله ، أي اطلبوهن حال كونهن من وراء حجاب أي : ستارة ( وبدعوة النبي ) ، أي : وبإجابة دعائه - صلى الله عليه وسلم - في حقه بقوله : ( اللهم أيد الإسلام ) أي : أعزه ( بعمر . وبرأيه في أبي بكر - رضي الله عنه - ) أي وباجتهاده في شأن أبي بكر حال خلافته ( كان أول ناس ) : وفي نسخة صحيحة : أول الناس ( بايعه ) . أي أبا بكر ثم غيره تابعه ( رواه أحمد ) .

[ ص: 3907 ]



الخدمات العلمية