الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
6072 - وعن عبد الرحمن بن خباب ، قال : شهدت النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يحث على جيش العسرة ، فقام عثمان ، فقال : يا رسول الله ، علي مائة بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله ، ثم حض على الجيش ، فقام عثمان ، قال : علي مائتا بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله ، ثم حض ، فقام عثمان ، فقال : علي ثلاثمائة بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله ، فأنا رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينزل عن المنبر وهو يقول : ( ما على عثمان ما عمل بعد هذه ، ما على عثمان ما عمل بعد هذه ) . رواه الترمذي .

التالي السابق


6072 - ( وعن عبد الرحمن بن خباب ) ، بفتح الخاء المعجمة وتشديد الموحدة الأولى ولم يذكره المؤلف في أسمائه . ( قال : شهدت النبي - صلى الله عليه وسلم - أي : حضرته ( وهو يحث ) : بضم حاء وتشديد مثلثة أي : يحرض ( الناس على جيش العسرة ) ، أي : على ترتيب غزوة تبوك ، وسميت جيش العسرة لأنها كانت في زمان اشتداد الحر والقحط وقلة الزاد والماء والمركب بحيث يعسر عليهم الخروج من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم لما كانت المناهضة إلى عدو جم العدد شديد البأس بالنسبة إلى المسلمين مع كثرتهم حينئذ ، فإنه قيل على ما ذكره شارح : كان مع النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر ثلاثمائة وثلاثة عشر ، ويوم أحد سبعمائة ، ويوم الحديبية ألف وخمسمائة ، ويوم الفتح عشرة آلاف ، ويوم حنين اثنا عشر ألفا وهي آخر مغازيه . ( فقام عثمان ) ، أي : بعد حثه - عليه السلام - ( فقال : يا رسول الله ، علي ) ، أي : نذر علي ( مائة بعير بأحلاسها ) ، أي : مع جلالها ( وأقتابها ) ، أي : رحالها . قال التوربشتي وغيره : الأحلاس جمع حلس بالكسر وسكون اللام ، وهو كساء رقيق يجعل تحت البرذعة ، والأقتاب : جمع قتب بفتحتين وهو رحل صغير على قدر سنام البعير وهو للجمل كالإكاف لغيره يريد : علي هذه الإبل بجميع أسبابها وأدواتها . ( في سبيل الله ) أي : في .

[ ص: 3920 ] طريق رضاه ( ثم حض ) : بتشديد المعجمة أي : حث وحرض ( على الجيش ) ، أي : في ذلك المقام أو في غيره من الزمان ( فقام عثمان ، فقال : علي مائتا بعير ) ، أي : غير تلك المائة لا بانضمامها كما يتوهم ، والله أعلم . ( بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله ، ثم حض ) ، أي : ثالثا . وفي رواية : ثم حض على الجيش ( فقام عثمان ، فقال : علي ثلاثمائة بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله ) ، فالتزم عثمان - رضي الله عنه - في كل مرتبة بحكم رتبة المقام ، ففي المقام الأول ضمن مائة واحدة ، وفي الثاني مائتين ، وفي الثالث ثلاثمائة فالمجموع ستمائة ، وسيأتي له من الزيادة .

( قال طلحة : فأنا ) ، أي : بنفسي من غير أن أسمع من غيري ( رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينزل عن المنبر وهو يقول : ( ما على عثمان ) : ما هذه نافية بمعنى ليس ، وفي قوله : ( ما عمل بعد هذه ) ، موصولة اسم ليس أي : ليس عليه ولا يضره الذي يعمل في جميع عمره بعد هذه الحسنة ، والمعنى أنها مكفرة لذنوبه الماضية مع زيادة سيئاته الآتية كما ورد في ثواب صلاة الجماعة ، وفيه إشارة إلى بشارة له بحسن الخاتمة وقال شارح : ( ما ) فيه إما موصولة أي : ما بأس عليه الذي عمله من الذنوب بعد هذه العطايا في سبيل الله ، أو مصدرية أي : ما على عثمان عمل من النوافل بعد هذه العطايا ; لأن تلك الحسنة تنوب عن جميع النوافل . قال المظهر ، أي : ما عليه أن لا يعمل بعد هذه من النوافل دون الفرائض ، لأن تلك الحسنة تكفيه عن جميع النوافل اهـ . وهو حاصل المعنى ، وإلا فلا يطابق المبنى ( ما على عثمان ما عمل بعد هذه ) . كرره تأكيدا لما قرره . قال الطيبي ونحوه قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث حاطب بن أبي بلتعة : ( لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ) اهـ . ولا يخفى ما بينهما من الفرق عند ذوي النهى ، وإذ الأول مجزوم به قطعا والثاني مبني على الرجاء . ( رواه الترمذي ) . وكذا رواه أحمد وقال في آخره قال : فرأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول بيده هكذا يحركها ، وأخرج عبد الصمد : يحرك يده كالمتعجب : ما على عثمان ما عمل بعدها . وقال أبو عمرو : جهز عثمان جيش العسرة بتسعمائة وخمسين بعيرا وأتم للألف بخمسين فرسا . وعن ابن شهاب الزهري قال : حمل عثمان بن عفان في غزوة تبوك على تسعمائة وأربعين بعيرا وستين فرسا أتم الألف بها أخرجه القزويني والحاكمي .




الخدمات العلمية