الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
6120 - وعن أنس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " أرحم أمتي بأمتي أبو بكر ، وأشدهم في أمر الله عمر ، وأصدقهم حياء عثمان ، وأفرضهم زيد بن ثابت ، وأقرؤهم أبي بن كعب ، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل ، ولكل أمة أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح " . رواه أحمد ، والترمذي وقال هذا حديث حسن صحيح .

وروي عن معمر عن قتادة ، مرسلا وفيه : " وأقضاهم علي " .

التالي السابق


6120 - ( وعن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " أرحم أمتي " ) ، أي : أكثرهم رحمة ( " بأمتي أبو بكر ، وأشدهم في أمر الله ) ، أي : أقواهم في دين الله كما في رواية ( " عمر ، وأصدقهم حياء عثمان ، وأفرضهم " ) ، أي : أكثرهم علما بالفرائض ( زيد بن ثابت ) ، أي : الأنصاري كاتب النبي ، وكان حين قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - له إحدى عشرة سنة ، وكان أحد فقهاء الصحابة الأجلة القائم بالفرائض ، وهو أحد من جمع القرآن وكتبه في خلافة أبي بكر ، ونقله من المصحف في زمن عثمان ، روى عنه خلق كثير ، مات بالمدينة سنة خمس وأربعين وله ست وخمسون سنة . ( " وأقرؤهم " ) ، أي : أعلمهم بقراءة القرآن ( " أبي بن كعب " ) ، أي : الأنصاري الخزرجي ، كان يكتب للنبي - صلى الله عليه وسلم - الوحي ، وهو أحد الستة الذين حفظوا القرآن على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكناه أبا المنذر ، وعمر أبا الطفيل ، وسماه النبي سيد الأنصار ، وعمر سيد المؤمنين ، مات بالمدينة سنة تسع عشرة روى عنه خلق كثير . ( " وأعلمهم بالحلال والحرام " ) : وفي نسخة بالحرام والحلال ( " معاذ بن جبل " ) ، يكنى أبا عبد الله الأنصاري الخزرجي ، وهو أحد السبعين الذين شهدوا العقبة من الأنصار ، وشهد بدرا وما بعدها من المشاهد ، وبعثه - صلى الله عليه وسلم - إلى اليمن قاضيا ومعلما ، روى عنه عمر وابن عمر وابن عباس وخلق سواهم ، وأسلم وهو ابن ثماني عشرة سنة في قول بعضهم ، واستعمله عمر على الشام بعد أبي عبيدة بن الجراح ، فمات في عامه ذاك في طاعون عمواس سنة ثماني عشرة ، وله ثمان وثلاثون سنة ، وقيل غير ذلك . ( " ولكل أمة أمين " ) ، أي : مبالغ في الأمانة ( " وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح " ) . ومما يدل على كمال زهده ما ذكره في الرياض عن عروة بن الزبير قال : لما قدم عمر بن الخطاب من الشام تلقاه أمراء الأجناد وعظماء الأرض ، فقال عمر : أين أخي ؟ قالوا : من ؟ قال : أبو عبيدة . قالوا : يأتيك الآن ، فلما أتاه نزل فاعتنقه ثم دخل عليه بيته ، فلم ير في بيته إلا سيفه وترسه ورحله ، فقال عمر : ألا اتخذت ما اتخذ أصحابك ؟ فقال : يا أمير المؤمنين هذا يبلغني المقيل . أخرجه صاحب الصفوة والفضائلي ، وزاد بعد قوله : ويأتيك الآن : فجاء على ناقة مخطومة بحبل ، وفي رواية أن عمر قال له : اذهب بنا إلى منزلك . قال : فدخل منزله فلم ير شيئا قال : أين متاعك ما أرى إلا لبدا وصحفة وسيفا وأنت أمير ؟ أعندك طعام ؟ فقام أبو عبيدة إلى جوبة فأخذ منها كسرات ، فبكى عمر وقال : غرتنا الدنيا كلنا غيرك يا أبا عبيدة . ( رواه أحمد ، والترمذي ، وقال : هذا حديث حسن صحيح ) .

( وروي ) : بصيغة المجهول أي : الحديث ( عن معمر عن قتادة مرسلا ) ، أي : بحذف الصحابي ( وفيه ) ، أي : في هذا المروي ( " وأقضاهم علي " ) . أي : أعلمهم بأحكام الشرع قاله شارح ، والأظهر أن معناه أعلم بأحكام الخصومة المحتاجة إلى القضاء . قال النووي في فتاويه قوله : أقضاكم علي ، لا يقتضي أنه أقضى من أبي بكر وعمر ، لأنه لم يثبت كونهما من المخاطبين ، وإن ثبت فلا يلزم من كون واحد أقضى من جماعة كونه أقضى من كل واحد ، يعني لاحتمال التساوي مع بعضهم ، ولا يلزم من كون واحد أقضى أن يكون أعلم من غيره ، ولا يلزم من كونه أعلم كونه أفضل يعني لا يلزم من كونه أكثر فضيلة كونه أكثر مثوبة ، كذا في الأزهار ، وفيه بحث لأن المدار عندنا على الظاهر ، إذ لا نطلع نحن على السرائر ، وقد قال - صلى الله عليه وسلم - : " فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم " وأما حديث : " ما فضلكم أبو بكر بفضل صوم ولا صلاة ولكن بشيء وقر في قلبه " فقد ذكره الغزالي بلفظ : ما فضل أبو بكر الناس بكثرة صلاة ولا بكثرة صوم ، وقال العراقي : لم أجده مرفوعا ، وهو عند الحكيم الترمذي من قول بكر بن عبد الله المزني ، نعم لو لوحظ اعتبار الأسبقية في أكثرية الثواب الأخروية مع المشاركة في سائر الأبواب لكان له وجه وجيه إلى صوب الصواب ، فقد قالوا : المعتبر في السبق هو إيمان أبي بكر ، وإن شاركه علي وخديجة وزيد ، إذ إيمان الصغير والمرأة والمولى لا سيما وهم من الأتباع ليس له شأن عند الأعداء ، ولهذا قوي الإيمان بحمزة وعز بإسلام عمر ، كما قال عز وجل : فعززنا بثالث والحاصل أن الأحاديث

[ ص: 3955 ] متعارضة والأدلة متناقضة ، فالعبرة بما اتفق عليه جمهور الصحابة ، وبما أجمع عليه أئمة أهل السنة ، ومع هذا فالمسألة ظنية لا يقينية خلافا لمن خالف ، وقد صرح شيخ الشيوخ شهاب الدين السهروردي حيث قال في علم الهدى : فإن قبلت النصح فأمسك عن التصرف في أمرهم ، واجعل محبتك للكل على السواء من غير أن ترجح محبة أحدهم على الآخر ، وأمسك عن التفضيل والغلو ، وإن خامر باطنك فضل أحدهم على الآخر فاجعل ذلك من جملة أسرارك ، فلا يلزمك إظهاره ، ولا يلزمك أن تحب أحدهم أكثر من الآخر ، أو تعتقد فضله أكثر من الآخر ، بل يلزمك محبة الجميع والاعتراف بفضل الجميع ، ويكفيك في العقيدة السليمة أن تعتقد صحة خلافة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ، ثم تعلم أن عليا ومعاوية كانا على القتال والخصام ، وكان الطائفتان يسب بعضهم بعضا وما حكم أحد منهم بكفر الآخرين ، إنما كانت ذنوبا لهم فلا تكفر أحدا بما ترى منه من الجهل والسب ، واعتقد أن أمير المؤمنين عليا اجتهد في الخلافة وأصاب في الاجتهاد ، وكان أحق الناس بالخلافة إذ ذاك ، وأن معاوية اجتهد في ذلك وأخطأ في الاجتهاد ، وإن لم يكن مستحقا لها مع علي - رضي الله عنه - والله تعالى ينفعنا بمحبتهم ويحشرنا في زمرتهم .




الخدمات العلمية