الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
6139 - وعن المسور بن مخرمة - رضي الله عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " فاطمة بضعة مني ، فمن أغضبها أغضبني " . وفي رواية : " يريبني ما أرابها ، ويؤذيني ما أذاها " . متفق عليه .

التالي السابق


6139 - ( وعن المسور بن مخرمة ) . سبق ذكره ( أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " فاطمة ) وفي رواية : أن فاطمة ( " بضعة " ) : بفتح موحدة أي قطعة لحم ( " مني " ) : وقد تكسر الياء على ما في النهاية ، وفي القاموس : البضعة بفتح الموحدة ، وحكي ضمها وكسرها وسكون المعجمة قطعة من اللحم ، والمعنى أنها جزء مني كما أن القطعة جزء من اللحم ، ونعم ما قال الإمام مالك : ولا أفضل أحدا على بضعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( " فمن أغضبها أغضبني " ) ، أي : فكأنه أغضبني ، ففيه نوع من التشبيه البليغ ، فاندفع ما استدل به السهيلي على أن من سبها يكفر ، إذ لا يخفى أن مثل هذا الكلام محمول على المبالغة في مقام المرام ، ومنه قوله - عليه السلام - على ما رواه ابن عساكر ، عن علي : " من آذى مسلما فقد آذاني ، من آذاني فقد آذى الله " . ومنه ما رواه أحمد والبخاري في تاريخه ، عن معاوية ، وابن حبان ، عن البراء : " من أحب الأنصار فقد أحبه الله ، ومن أبغض الأنصار أبغضه الله " . ومنه ما رواه الطبراني في الأوسط عن أنس مرفوعا : " حب قريش إيمان وبغضهم كفر ، وحب العرب إيمان وبغضهم كفر ، فمن أحب العرب فقد أحبني ومن أبغض العرب فقد أبغضني . ( وفي رواية ) ، أي : بعد قوله : فقد أغضبني أو زيادة عليه ( " يريبني " ) : من الإرابة بالموحدة أي : يقلقني في الظاهر ( " ما أرابها ، ويؤذيني " ) ، أي في الباطن ( " ما آذاها " ) . في شرح السنة رابني الشيء وأرابني بمعنى شككني وأدهمني ما استيقنه . قال الطيبي : بغير ألف معناه يسوءني ما يسوءها ويزعجني ما أزعجها . قلت : الظاهر أنهما لغتان ، والمزيد له مزية ومناسبة لقوله ما أرابها ، ويؤيده اتفاق النسخ على الضم ، والله أعلم . ثم أول الحديث قال مسور : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول وهو على المنبر : إن بني هشام بن المغيرة استأذنوني في أن ينكحوا علي بن أبي طالب ولا آذن ثم [ ص: 3966 ] لا آذن ثم لا آذن إلا أن يريد ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم ، فإنما هي بضعة مني يريبني . الحديث . وفي شرح مسلم قالوا في الحديث تحريم إيذاء النبي - صلى الله عليه وسلم - بكل حال وعلى كل وجه وإن تولد الإيذاء مما كان أصله مباحا وهو من خواصه - صلوات الله وسلامه عليه - وهو لوجهين . أحدهما : أن ذلك يؤدي إلى أذى فاطمة فيتأذى حينئذ النبي - صلى الله عليه وسلم - فيهلك علي - رضي الله عنه - من أذاه ، فنهى عن ذلك لمكان شفقته على علي . وثانيهما : أنه خاف الفتنة عليها بسبب الغيرة ، وقيل : ليس المراد بقوله لا آذن النهي عن جمعهما ، بل معناه أنه - صلى الله عليه وسلم - علم من فضل الله تعالى أنهما لا يجتمعان . كما قال أنس بن النضر : والله لا تكسر ثنيتها . ( متفق عليه ) . وفي لفظ الذخائر عن المسور بن مخرمة أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المنبر وهو يقول : " إن بني هشام بن المغيرة استأذنوني في أن ينكحوا ابنتهم علي بن أبي طالب فلا آذن لهم ، ثم لا آذن لهم ، ثم لا آذن لهم إلا أن يحب ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم ، فإنما ابنتي بضعة مني يريبني ما رابها ويؤذيني ما آذاها . أخرجه الشيخان والترمذي وصححه .

وعن المسور أن علي بن أبي طالب خطب بنت أبي جهل ، وعنده فاطمة بنت النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما سمعت بذلك فاطمة أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت له : إن قومك يتحدثون أنك لا تغضب لبناتك ، وهذا علي ناكح ابنة أبي جهل . قال المسور : فقام النبي - صلى الله عليه وسلم - فسمعته حين تشهد ثم قال : " أما بعد فإني أنكحت أبا العاص بن الزبير فحدثني وصدقني ، وإن فاطمة بضعة مني وإنما أكره أن يفتنوها وإنه والله لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدو الله عند رجل واحد أبدا . قال : فترك علي الخطبة . وعنه قال : سمعت رسول - صلى الله عليه وسلم - قام يخطب على منبره هذا ، وأنا يومئذ محتلم فقال : " إن فاطمة مني وإني أخاف أن تفتن في دينها " . ثم ذكر صهرا له من بني عبد شمس فأثنى عليه في مصاهرته إياه فأحسن ، قال : " حدثني فصدقني ووعدني فأوفى لي وإنما لست أحرم حلالا ولا أحل حراما ، ولكن والله لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدو الله مكانا واحدا أبدا . وعن يحيى بن سعيد القطان قال : ذاكرت عبد الله بن داود قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : " لا آذن إلا أن يحب علي أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم " قال ابن داود : حرم الله على علي أن ينكح على فاطمة حياتها لقوله - عز وجل - : وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا فلما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " لا آذن " لم يكن يحل لعلي أن ينكح على فاطمة إلا أن يأذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . وسمعت عمر بن داود يقول : لما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " فاطمة بضعة مني يريبني ما رابها ويؤذيني ما آذاها " حرم الله على علي أن ينكح على فاطمة ويؤذي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقول الله تعالى : وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله أخرجهما الحافظ أبو القاسم الدمشقي .

وعن المسور بن مخرمة أنه بعث إليه حسن بن الحسن يخطب ابنته فقال له : فليأتني في العتمة ، فلقيه فحمد المسور الله - عز وجل - وأثنى عليه وقال : أما بعد فما من نسب ولا سبب ولا صهر أحب إلي من نسبكم وصهركم ، ولكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " فاطمة بضعة مني يقبضني ما يقبضها ويبسطني ما يبسطها وإن الأنساب يوم القيامة تنقطع إلا نسبي وسببي وصهري " . وعندك ابنته ولو زوجتك لقبضها ذلك ، فانطلق عاذرا . أخرجه أحمد ، وفيه دليل على أن الميت يراعى منه ما يراعى في الحي ، وقد ذكر الشيخ أبو علي السنجي في شرح التلخيص ، أنه يحرم التزويج على بنات النبي - صلى الله عليه وسلم - ولعله يريد من ينتسب إليه بالنبوة ، ويكون هذا دليله . وفي الجامع : " فاطمة بضعة مني يقبضني ما يقبضها ، يبسطني ما يبسطها وإن الأنساب تنقطع يوم القيامة غير نسبي وسببي وصهري " . رواه أحمد والحاكم . وعن المسور : " فاطمة أحب إلي منك وأنت أعز علي منها " قاله لعلي . رواه الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة . وفي الصواعق : روي عن أبي أيوب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إذا كان يوم القيامة نادى مناد من بطنان العرش : يا أهل الجمع نكسوا رءوسكم وغضوا أبصاركم حتى تمر فاطمة بنت محمد على الصراط " فتمر مع سبعين ألف جارية من الحور العين كمر البرق .




الخدمات العلمية