الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
6145 - وعن عبد الرحمن بن أبي نعم ، قال : سمعت عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - وسأله رجل عن المحرم ، قال شعبة أحسبه ، يقتل الذباب ؟ قال : أهل العراق يسألوني عن الذباب . وقد قتلوا ابن بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " هما ريحاني من الدنيا " . رواه البخاري .

التالي السابق


6145 - ( وعن عبد الرحمن بن أبي نعم ) : بضم نون وسكون عين كذا في المغني ، وكذا في النسخ المعتمدة وسائر النسخ الحاضرة ، ولم يذكره المؤلف في أسمائه بل ذكر عبد الرحمن بن أبي غنم وقال بفتح الغين المعجمة وسكون النون . ( قال : سمعت عبد الله بن عمر ، وسألني رجل عن المحرم ) ، جملة حالية ( قال شعبة ) ، أي : أحد رواة هذا الحديث ، ولم يذكره المؤلف في أسمائه ( أحسبه ) ، بكسر السين وفتحها أي أظنه أي السائل سأله عن المحرم ، وفي الذخائر عن ابن عمر ، وقد سئل عن المحرم ( يقتل الذباب ) : يعني أيجوز قتله أم لا ؟ والجملة معترضة ( قال ) : وفي رواية فقال ، أي : ابن عمر في جوابه متعجبا . ( أهل العراق ) ، أي : الكوفة فإنها والبصرة تسميان عراق العرب ( يسألوني ) : بتشديد النون ويخفف ( عن الذباب ) ، أي : عن قتل الذباب كما في نسخة ، والمعنى أنهم يظهرون كمال رعاية التقوى في نسكهم . قال الطيبي ، قوله : ( قال أهل العراق ) حال من سمعت وقد مقدرة ، والأصل سمعت قول عبد الله ، وقوله وسأله رجل عن المحرم أيضا حال ، وقوله قال شعبة أحسبه يقتل الذباب قول بعض الرواة تفسير سؤال الرجل واستفتاؤه ، أي : ما تقول في [ ص: 3971 ] شأن المحرم يقتل الذباب اهـ . ( وقد قتلوا ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ) . حال من ضمير الفاعل في يسألوني ( وقال ) : وفي رواية وقد قال أي والحال أنه قال ( رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) ، أي : في حق ابن بنته ( " هما " يعني الحسنين - " ريحاني " ) ؟ ضبط في جميع النسخ بفتح النون وتشديد ياء المتكلم ، وسيأتي الكلام عليه ، وفي الذخائر هما ريحانتاي ( " من الدنيا " ) . أي : من رزق الله الذي رزقنيه من الدنيا يقال : سبحان الله وريحانه أي أسبح الله وأسترزقه وهو مخفف من ريحان مشددا فيعلان من الروح ، لأن انتعاشه بالرزق ، ويجوز أن يراد بالريحان المشموم لأن الشمامات تسمى ريحانا ، ويقال حباه بطاقة نرجس وبطاقة ريحان ، فيكون المعنى أنهما مما أكرمني الله به وحباني ، أو لأن الأولاد يشمون ويقبلون ، فكأنهما من جملة الرياحين التي أنبتها الله ، وفي النهاية : الريحان الرحمة والراحة والرزق ، وبه سمي الولد ريحانا ، وكل نبت طيب الريح من أنواع الشموم .

وقال الطيبي : موقع من الدنيا ها هنا كموقعها في قوله - صلى الله عليه وسلم - : " حبب إلي من الدنيا الطيب والنساء " . أي نصيبي منها ، ونصب ريحاني على المدح . أقول : الظاهر من كلام الفائق أنه جعل ريحاني خبر المبتدأ ، ومن الدنيا بمعنى في الدنيا ، لكن يشكل على رواية الكتاب بغير رفع ، ولعله مبني على ما روى ريحانتاي أو ريحاناي أو ريحاني بكسر النون وتخفيف الياء ، والإفراد باعتبار كل منهما ، والتقدير كانا ريحاني ، ثم رأيت القاضي عياضا قال في المشارق قوله : وهما ريحاناتي من الدنيا . الولد يسمى الريحان ، ومن هنا بمعنى في أي في الدنيا ، وقيل : ريحاناي من الجنة في الدنيا كما قال في الحديث : الولد الصالح ريحانة من رياحين الجنة ، وقد قيل : يوجد منهما ريح الجنة ، والريحان ما يستراح إليه أيضا ، وقيل : سماهما بذلك لأن الولد يشم كما يشم الريحان اهـ .

وعن جابر بن عبد الله على ما رواه أحمد في المناقب قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعلي بن أبي طالب : " سلام عليك يا أبا الريحانين ، فعن قليل يذهب ركناك والله خليفتي عليك " فلما قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال علي : هذا أحد الركنين ، فلما ماتت فاطمة قال هذا الركن الآخر . ( رواه البخاري ) . وعن عبد الرحمن بن أبي نعم : أن رجلا من أهل العراق سأل ابن عمر عن دم البعوض يصيب الثوب ؟ فقال ابن عمر : انظروا إلى هذا يسأل عن دم البعوض ، وقد قتلوا ابن بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " الحسن والحسين هما ريحانتاي من الدنيا " . أخرجه الترمذي وصححه .




الخدمات العلمية