الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
6219 - وعنه قال كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الفتح فقال من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن ألقى السلاح فهو آمن ، فقالت الأنصار أما الرجل فقد أخذته رأفة بعشيرته ورغبة في قريته ونزل الوحي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال قلتم أما الرجل فقد أخذته رأفة بعشيرته ورغبة في قريته كلا إني عبد الله ورسوله هاجرت إلى الله وإليكم . المحيا محياكم والممات مماتكم . قالوا : والله ما قلنا إلا ضنا بالله ورسوله . قال : فإن الله ورسوله يصدقانكم ويعذرانكم . رواه مسلم .

التالي السابق


6219 - ( وعنه ) ، أي : عن أبي هريرة ( قال : كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الفتح ) ، أي : فتح مكة ( فقال : " من دخل دار أبي سفاان فهو آمن " ) ، أي : ذو أمن والأمن ضد الخوف ، وقيل ، أي : مأمون . قال الطيبي : إنما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك حين أسلم أبو سفيان ، قال العباس لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : هذا رجل يحب الفخر فاجعل له شيئا . قال : " نعم من دخل دار أبي سفيان فهو آمن " . قال المؤلف : هو أبو سفيان بن صخر بن حرب الأموي القرشي والد معاوية ، ولد قبل الفيل بعشر سنين ، وكان من أشراف قريش في الجاهلية ، وكان انتهى إليه راية الرؤساء في قريش ، أسلم يوم فتح مكة ، وكان من المؤلفة قلوبهم ، وشهد حنينا ، وأعطاه النبي - صلى الله عليه وسلم - مائة بعير وأربعين أوقية فيمن أعطاه من المؤلفة قلوبهم ، وفقئت عينه يوم الطائف ، فلم يزل أعور إلى يوم اليرموك فأصاب عينه الأخرى حجر فعميت ، روى عنه عبد الله بن عباس ، مات سنة أربع وثلاثين بالمدينة ودفن بالبقيع . ( " ومن ألقى السلاح " ) ، أي : آلة الحرب ( " فهو آمن " فقالت الأنصار ) ، أي : بعضهم ( " أما الرجل ) ، أي : النبي - صلى الله عليه وسلم - ( فقد أخذته رأفة ) ، أي : شدة رحمة ( بعشيرته ) ، أي : قبيلته ( ورغبة ) ، أي : محبة ( في قريته ) ، أي : في أهل بلدته ، أو بالسكون في قريته ( ونزل الوحي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) . أي : بما قالوا : ( قال : " قلتم : أما الرجل أخذته " ) : وفي نسخة صحيحة " فقدا أخذته ( " رأفة بعشيرته ورغبة في قريته ، كلا " ) : ردع أي : ليس الأمر كما توهمتم من إقامتي بمكة ، لأن هجرتي إلى المدينة كانت خالصة لله كما بينه بقوله : ( " إني عبد الله ورسوله ) ، أي : كوني على هذه الصفة يقتضي أن لا أعود إلى دار تركتها لله ، وأن لا أرغب في بلدة هاجرت منها إلى الله ( " هاجرت منها إلى الله ) ، أي : إلى ثوابه أو مأموره ( " وإليكم " ) ، أي : وإلى دياركم لميلكم إلي وإلى المهاجرين إليكم ، كما قال [ ص: 4010 ] تعالى : والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم وخلاصته أن القصد من الهجرة كان إلى الله ، وأن التهاجر كان من دار قومي إلى داركم ( " المحيا " ) ، أي : محياي ( " محياكم . والممات " ) ، أي : مماتي ( " مماتكم " ) . والمعنى ما حييت أحي في بلادكم كما تحيون فيه ، وإذا توفيت توفيت في بلادكم كما تتوفون لا أفارقكم حيا ولا ميتا . ( قالوا ) ، أي : الأنصار ( والله ما قلنا ) ، أي : ما قلناه ( إلا ضنا ) : بكسر الضاد المعجمة وتشديد النون أي : شحا وبخلا ( بالله ورسوله ) . أي : من شرف الجوار والصحبة ، واسم الله للتحسين والتزيين . وقال الطيبي : يريدون ما قلنا ذلك إلا ضنة بما آتانا الله من كرامته خشية أن يفوتنا فيناله غيرنا ، وشحا برسوله - صلى الله عليه وسلم - أن ينتقل من بلدتنا إلى بلدته . انتهى .

وتوضيحه أنهم عنوا أن الآدمي مجبول على حب الأقارب والأوطان ، فخشينا أن تميل عنا إليهم ، فحركناك بهذا الكلام وجربناك ليتبين لنا المرام ، فلا يرد . كيف قالوا ذلك مع قوله تعالى : لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا على ما أورده الطيبي رحمه الله . ( قال : " فإن الله ورسوله يصدقانكم " ) ، أي : في إخباركم عن أخباركم ( ويعذرانكم ) . بفتح أوله ويضم أي يقبلان ما ذكرتم من اعتذاركم فيما قلتم من دعوى الضنة ، وفيه دلالة على جواز البخل بالعلماء والصلحاء ، وعدم الرضا بمفارقتهم . ( رواه مسلم ) .




الخدمات العلمية