الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
6288 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أي الخلق أعجب إليكم إيمانا ؟ قالوا : الملائكة . قال : وما لهم لا يؤمنون وهم عند ربهم ؟ قالوا : فالنبيون . قال : وما لهم لا يؤمنون والوحي ينزل عليهم ؟ قالوا : فنحن . قال : وما لكم لا تؤمنون وأنا بين أظهركم . قال : فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن أعجب الخلق إلي إيمانا لقوم يكونون من بعدي يجدون صحفا فيها كتاب يؤمنون بما فيها .

التالي السابق


6288 - ( وعن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ) ، وقد سبق الكلام على ما يتعلق بهذا السند من المرام ( قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أي الخلق " ) ، أي : المخلوقات ( " أعجب " ) ، أي : أغرب ( " إليكم إيمانا " ) ؟ تمييز ( قالوا ) ، أي : بعض الصحابة ( الملائكة ) . أي أعجب الخلق إيمانا ، أو التقدير هم الملائكة ( قال : " وما لهم لا يؤمنون وهم عند ربهم " ) ؟ أي مقربون ومشاهدون عجائب الملكوت وغرائب الجبروت ، فأي عجب وغرابة في إيمانهم ؟ ( قالوا ) ، أي : ذلك البعض أو بعض آخر ( فالنبيون ) ، أي : إن لم يكن الملائكة فالنبيون ( قال : وما لهم لا يؤمنون والوحي ينزل عليهم " ) ؟ بصيغة الفاعل ، وفي نسخة بالمفعول ( قالوا : فنحن . وقال : " وما لكم لا تؤمنون وأنا بين أظهركم " ) ، أي : فيما بينكم تشاهدون معجزاتي وأتلو عليكم آياتي . ( قال ) ، أي : الراوي ( قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن أعجب الخلق إلي " ) ، أي : عندي ( " إيمانا لقوم يكونون " ) ، أي : يوجدون ( " من بعدي " ) ، أي : من بعد مماتي من التابعين وأتباعهم إلى يوم الدين ( " يجدون " ) : استئناف بيان أي : يصادفون ( " صحفا " ) بضمتين جمع صحيفة أي : مصاحف وأجزاء ( " فيها كتاب " ) ، أي : مكتوب من عند الله ، وهو القرآن ( " يؤمنون بما فيها " ) . أي بما في تلك الصحف ، ولا يبعد أن يفسر الصحف بما يشمل الكتاب والسنة ، وحيث ورد الكلام في الأعجبية والأغربية ، فلا استدلال بالحديث في الأفضلية بوجه من وجوه المزية هذا . وقال الطيبي : قوله أعجب إيمانا محتمل أن يراد به أعظم إيمانا على سبيل المجاز ; لأن من تعجب في شيء عظمه ، فجوابهم مبني على المجاز ، ورده - صلى الله عليه وسلم - مبني على إرادة الحقيقة ، والفاء في قوله فالنبيون ، وفي قوله : فنحن كما في قولك الأمثل فالأمثل والأفضل فالأفضل ، ولا يلزم من هذا أفضلية الملائكة على الأنبياء ، لأن القول في كون إيمانهم متعجبا منه بحسب الشهود والغيبة قيل في تفسير قوله تعالى : لا يؤمنون بالغيب أي غائبين عن المؤمن به ، ويعضده ما روي : أن أصحاب عبد الله ذكروا أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإيمانهم ، فقال ابن مسعود : إن أمر محمد كان بينا لمن رآه ، والذي لا إله غيره ما آمن مؤمن أفضل من إيمان بغيب ، ثم قرأ هذه الآية اهـ . ولا يخفى أن الصحابة أيضا كانوا مؤمنين بالغيب ، لكن باعتبار بعض المؤمن به مع مشاهدة بعضه بخلاف التابعين ، فإن إيمانهم بالغيب كله ، فمن هذه الحيثية بأنهم أعجب وأفضل والله أعلم .




الخدمات العلمية