الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
920 - وعن أبي حميد الساعدي - رضي الله عنه - قال : قالوا : يا رسول الله كيف نصلي عليك ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قولوا : اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم ، وبارك على محمد وأزواجه وذريته ، كما باركت على آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد " ، متفق عليه .

التالي السابق


920 - ( وعن أبي حميد ) : بالتصغير ، واختلف في اسمه ( الساعدي قال : قالوا : يا رسول الله ، كيف نصلي عليك ؟ " ) : جاء في بعض طرق الحديث بسند جيد سبب هذا السؤال ولفظه لما نزلت : إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما قالوا : يا رسول الله هذا السلام عليك قد علمنا ما هو ، فكيف تأمرنا أن نصلي عليك ؟ ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قولوا : اللهم " ) ، أي : يا ألله فالميم عوض عن ياء ، ومن ثم شذ الجمع بينهما ، وقيل : الميم مقتطعة من جملة أخرى ، أي : يا ألله أمنا بخير ، وقيل : زائدة للتفخيم ، وقيل : دالة على الجمع كالواو ، أي : يا من اجتمعت له الأسماء الحسنى ، ويؤيده قول الحسن البصري : اللهم مجتمع الدعاء ، وقول النضر بن شميل : من قال : اللهم فقد سأل الله بجميع أسمائه ، وقول أبي رجاء : الميم هاهنا فيها تسعة وتسعون اسما لله تعالى ( " صل على محمد " ) : هو علم منقول من اسم مفعول المضعف سمي به بإلهام من الله لجده عبد المطلب ، ليحمده أهل السماء والأرض ، وقد حقق الله رجاءه ، ومن ثم كان يقول : كما أخرجه البخاري في تاريخه :


وشق له من اسمه ليجله فذو العرش محمود وهذا محمد

.

وهو أشهر أسمائه ; لأن الله جمع له من المحامد وصفات الحمد ما لم يجمعه لغيره ، ومن ثم كان بيده لواء الحمد ، وكان صاحب المقام المحمود الذي يحمده فيه الأولون والآخرون ، وألهم من مجامع الحمد حين يسجد بين يدي ربه للشفاعة العظمى في فصل القضاء التي هي المقام المحمود ، ما لم يفتح به عليه قبل ذلك ، وسميت أمته الحمادين لحمدهم على السراء والضراء ، وأما أحمد فلم يسم به غيره قط ، وأما محمد فكذلك قبل أوان ظهوره ، وبعده مد أناس أعناقهم إلى رجائهم ، غفلة عن أن ( الله أعلم حيث يجعل رسالته ) ، فسموا أبناءهم محمدا حتى بلغوا خمسة عشر نفسا ، هذا وقد قال بعض العلماء : إن زيادة : " وارحم محمدا وآل محمد كما رحمت على إبراهيم " كما يقوله بعض الناس ، وربما يقولون : ترحمت بالتاء ، لم يرد ، بل غير صحيح إذ لا يقال : رحمت عليه ، ولأن الترحم فيه معنى التكلف والتصنع ، فلا يحسن إطلاقه على الله تعالى ، وقال النووي : هي بدعة لا أصل لها ، ووافقه بعض أئمتنا ، بل نقل ابن دحية أنه لا مجوز ؛ حيث قال : قالوا : ينبغي لمن ذكره صلى الله عليه وسلم أن يصلي عليه ، ولا يجوز أن يترحم عليه لآية : لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم ، وإن كانت الصلاة بمعنى الرحمة ، فكأنه خص هذا اللفظ تعظيما اهـ ، ووجهه بعض علمائنا بأن الرحمة إنما تكون غالبا من فعل ما يلام عليه ونحن أمرنا بتعظيمه اهـ .

وبعض المحدثين قالوا رواية زيادة : " وترحم على محمد وآل محمد ، كما ترحمت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم " حديث حسن ، والله أعلم ، ثم عمد بعض حفاظ المتأخرين إلى جمع ما تفرق في الروايات الثابتة مدعيا أنه هو أفضل على الإطلاق ، وتعقبه بعض المتأخرين من الشافعية والحنابلة أن التلفيق يستلزم إحداث صفة لم ترد مجموعة في حديث واحد ، فالأولى الإتيان بكل ما ثبت هذا مرة وهذا مرة ، وهكذا ، وعندي أن هذا هو الصحيح ، ( وأزواجه وذريته " ) : بضم المعجمة قال ابن حجر : ويجوز كسرها من الذرء ، أي : الخلق وسقطت الهمزة أو من ذر ، أي : فرق ، أو من الذر وهو النمل الصغير لخلقهم أولا على صورته ، أي : أولاده وأولاد أولاده ، قال ابن حجر : وهي نسل الإنسان من ذكر أو أنثى ، وعند أبي حنيفة وغيره : لا يدخل فيه أولاد البنات إلا أولاد بناته عليه السلام ; لأنهم ينسبون إليه في الكفاءة وغيرها ، فهم هنا أولاد فاطمة رضي الله عنها ، وكذا غيرها من بناته ، لكن بعضهن لم يعقب وبعضهن انقطع عقبه ، ( كما صليت على إبراهيم ) : كذا في النسخ المصححة ، وقال ابن حجر : على إبراهيم ، وفي نسخة على آل إبراهيم .

[ ص: 742 ] قال الطيبي : فإن قلت : ( كما صليت على آل إبراهيم ) ، كيف يوافق ما تقدم حيث لم يذكر فيه إبراهيم ، كما ذكر في محمد صلى الله عليه وسلم ؟ أجاب القاضي : بأن الآل مقحم كما في قوله عليه السلام لأبي موسى : " أنه أعطي مزمارا من مزامير آل داود " ولم يكن له آل مشهور بحسن الصوت ، وفيه أن إبراهيم له آل مشهور ، فالأحسن أن يقال كقوله تعالى : مما ترك آل موسى وآل هارون قيل : يمكن أن يقال : هذا الحديث يساعد القول الأول في الحديث السابق أن السؤال كان عن الصلاة على الأهل ، فيكون ذكر محمد تمهيدا لذكر الأهل تشريفا لهم وتكريما ، وفيه أنه يلزم أن يكون حينئذ المقصود بالصلاة هو الأهل ، والصواب أنه هو الأصل المقصود في الصلاة ، وآله تبع له تشريفا وتعظيما له ، ويشير إليه ما قال النووي : الصحيح أن الصلاة على غير الأنبياء ابتداء مكروهة كراهة تنزيه ، لأنه شعار أهل البدع وقد نهينا عنه ، وقال أبو محمد الجويني : السلام كالصلاة ، يعني : لا يجوز على غير الأنبياء والملائكة إلا تبعا ، ( " وبارك " ) ، أي : زد البركة وهو الخير الكثير ( " على محمد وأزواجه وذريته ، كما باركت على آل إبراهيم " ) : وفي نسخة : على إبراهيم ، وفي رواية أحمد ذكر إبراهيم في الصلاة وذكر آله في البركة ، وفيها مناسبة لقوله تعالى : رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت ( " إنك حميد مجيد ، متفق عليه " ) : قال ميرك : ورواه أبو داود ، والنسائي ، وابن ماجه .




الخدمات العلمية