الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
1110 - وعن أبي بكرة : أنه انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو راكع ، فركع قبل أن يصل إلى الصف ، ثم مشى إلى الصف . فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " زادك الله حرصا ، ولا تعد " . رواه البخاري .

التالي السابق


1110 - ( وعن أبي بكرة : أنه انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو ) أي : النبي ( راكع ، فركع ، أي : نوى وكبر قائما .

وركع ( قبل أن يصل إلى الصف )
: ليدركه عليه السلام فإن من أدرك الركوع ، فقد أدرك تلك الركعة ( ثم مشى إلى الصف ) أي : بخطوتين أو بأكثر غير متوالية ( فذكر ) : على البناء للمفعول ، وقيل معلوم ( ذلك ) أي : ما فعله للنبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : " زادك الله حرصا ) : على الطاعة والمبادرة إلى العبادة ( ولا تعد ) : بفتح التاء وضم العين من العود ، أي : لا تفعله مثل ما فعلته ثانيا . وروي ولا تعد بسكون العين وضم الدال من العدو ، أي : لا تسرع في المشي إلى الصلاة ، واصبر حتى تصل إلى الصف ، ثم اشرع في الصلاة ، وقيل : بضم التاء وكسر العين من الإعادة ، أي : لا تعد الصلاة التي صليتها .

قال النووي في شرح المهذب : فيه أقوال ، أحدها : لا تعد من العدو ، كقوله : " لا تأتوها تسعون " ، والثاني : لا تعد إلى التأخر عن الصلاة حتى تفوتك الركعة مع الإمام ، والثالث : لا تعد إلى الإحرام خلف الصف نقله ميرك ، ولا خفاء أن المعنى الثالث أنسب بالمقام ، والأجمع ما قال العسقلاني ضبطناه في جميع الروايات بفتح أوله وضم العين من العود ، أي : لا تعد إلى ما صنعت من السعي الشديد ، ثم من الركوع دون الصف ، ثم من المشي إلى الصف .

[ ص: 858 ] وقال الشيخ الجزري : " لا تعد " بفتح التاء وضم العين وإسكان الدال من العود ، أي : لا تعد ثانيا إلى مثل ذلك الفعل ، وهو المشي إلى الصف في الصلاة ، وإن كانت الخطوة والخطوتان لا تفسد الصلاة ، فالأولى التحرز عن ذلك ، ويحتمل أن يكون نهاه عن اقتدائه منفردا ، ويحتمل أن يكون عن ركوعه قبل الوصول إلى الصف ، والظاهر أنه نهى عن ذلك كله ، وقد أبعد من قال : ولا تعد بضم التاء وكسر العين من الإعادة ، أي : لا تعد ، وأبعد منه من قال : إنه بإسكان العين ، وضم الدال من العدو ، أي : لا تسرع ، وكلاهما لم يأت به رواية ، وإنما يحملهم على ذلك في أمثاله من تحريفهم ألفاظ النبوة وتغييرها كونهم لم يحفظوها أو ما وصلت إليهم بالرواية ، فيذكرون ما يحتمله الخط لعدم معرفتهم باللفظ المروي ، والله الموفق ، نقله ميرك .

قال القاضي : ذهب الجمهور إلى أن الانفراد خلف الصف مكروه غير مبطل ، وقال النخعي ، وحماد ، وابن أبي ليلى ، ووكيع ، وأحمد : مبطل ، والحديث حجة عليهم ، فإنه عليه السلام لم يأمره بالإعادة ولو كان الانفراد مفسدا لم تكن صلاته منعقدة لاقتران المفسد بتحريمها ، ومعنى لا تعد لا تفعل ثانيا مثل ما فعلت إن جعل نهيا عن اقتدائه منفردا ، أو ركوعه قبل أن يصل إلى الصف لا يدل على فساد الصلاة ; إذ ليس كل محرم يفسد الصلاة ، ويحتمل أن يكون عائدا إلى المشي إلى الصف في الصلاة ، فإن الخطوة والخطوتين وإن لم تفسد الصلاة لكن الأولى التحرز عنها . قيل : فعلى هذا النهي عن العود أمر بأن يقف حيث أحرم ويتم الصلاة منفردا ، قال التوربشتي ومحيي السنة : فيه دلالة على أن الانفراد خلف الصف لا يبطل ; لأنه لم يأمره بالإعادة ، وأرشده في المستقبل بما هو أفضل بقوله : ولا تعد ، فإنه نهي تنزيه لا تحريم ; إذ لو كان للتحريم لأمره بالإعادة ، ذكره الطيبي ، أي : أمره بالإعادة وجوبا لأداء صلاته على وجه الحرمة لا لأجل فسادها ، فإن التحريم لا يوجب الفساد لما تقدم في كلام القاضي . ( رواه البخاري ) : قال ميرك : ورواه أحمد ، وأبو داود ، والنسائي .




الخدمات العلمية