الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
147 - وعن رافع بن خديج - رضي الله عنه - قال : قدم نبي الله - صلى الله عليه وسلم - وهم يؤبرون النخل ، فقال : ما تصنعون ؟ . قالوا : كنا نصنعه . قال : " لعلكم لو لم تفعلوا كان خيرا . فتركوه ؟ فنقصت . قال : فذكروا ذلك له . فقال : إنما أنا بشر ، إذا أمرتكم بشيء من أمر دينكم ، فخذوا به ; وإذا أمرتكم بشيء من رأيي ، فإنما أنا بشر رواه مسلم .

التالي السابق


147 - ( وعن رافع بن خديج ) : - رضي الله عنه - يكنى أبا عبد الله الحارثي الأنصاري ، أصابه سهم يوم أحد فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أنا شهيد لك يوم القيامة " ، وانقضت جراحته زمن عبد الملك بن مروان فمات سنة ثلاث وسبعين بالمدينة وله ست وثمانون سنة ، روى عنه خلق كثير ، وخديج بفتح الخاء المعجمة وكسر الدال المهملة وبالجيم ( قال : قدم نبي الله ) ، وفي نسخة النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة ) ، أي : طابة السكينة ( وهم ) ، أي : أهلها ( يؤبرون النخل ) : جملة حالية ، أي : يلقحون كما في رواية طلحة بن عبيد الله يعني : يجعلون الذكر في الأنثى وهو بتشديد الباء ، وروي يأبرون بتخفيف الباء المكسورة وقد يضم ، والأبر و الإبار والتأبير الإصلاح ، والمعنى يشققون طلع الإناث ويذرون فيه طلع الذكر ليجيء ثمره جيدا ، إذ النخلة خلقت من فضلة طينة آدم على ما ورد ، فلابد عادة في صلاح نتاجها من اجتماع طلع الذكر مع طلع الأنثى ، كما أنه لابد عادة في تخلق ابن آدم من اجتماع مني الذكر والأنثى ( فقال : ما تصنعون ؟ ) ما : استفهامية ( قالوا : كنا نصنع ) ، أي : هذا دأبنا وعادتنا ( قال : لعلكم لو لم تفعلوا كان ) : وفي نسخة لكان ( خيرا ) ، أي : تتعبون فيما لا ينفع كما جاء في تلك الرواية ما أظن يغني ذلك شيئا ( فتركوه ) ، أي : التأبير ( فنقصت ) ، أي : النخل ثمارها أو انتقصت ثمارها فإن النقص متعد ولازم ، أي : لم يأت منها شيء صالح ( قال ) ، أي : رافع ( فذكروا ) ، أي : أصحاب النخل ( ذلك ) ، أي : النقصان ( له ) : عليه الصلاة والسلام ( فقال : إنما أنا بشر ) ، أي : فليس لي اطلاع على المغيبات ، وإنما ذلك شيء قلته بحسب الظن لشهودي إذ ذاك إلى مسبب الأسباب ، واستغراقي في عجائب قدرته وغرائب قوته التي لا تتوقف على سبب ، لكنه تعالى قضى ليظهر حكمته الباهرة وتتفاوت شهود عباده في الدنيا والآخرة بأن دائرة الأسباب لا بد من مراعاتها ( إذا أمرتكم ) : وفي نسخة أمرتم في الموضعين ( بشيء من دينكم ) : وفي نسخة صحيحة : من أمر دينكم أي مما ينفعكم في أمر دينكم ( فخذوا به ) : أي افعلوه فإني إنما نطقت به عن الوحي ( وإذا أمرتكم بشيء من رأيي ) . وفي نسخة : من رأي أي متعلق بالدنيا التي لا ارتباط لها بالدين وأخطأت فلا تستبعدوا ، وقيل : فمن شاء فعله ومن شاء لم يفعله ( فإنما أنا بشر ) ، أي : فإني بشر أخطئ وأصيب كما جاء في خبر أحمد ، والظن يخطئ ويصيب ، وفي الحديث دلالة على أنه عليه الصلاة والسلام ما كان يلتفت غالبا إلا إلى الأمور الأخروية . وفي " المصابيح " فقال عليه الصلاة والسلام : أنتم أعلم بأمر دنياكم ! . ( رواه مسلم ) .




الخدمات العلمية