الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
1629 - وعنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إذا حضر المؤمن أتت ملائكة الرحمة بحريرة بيضاء فيقولون : اخرجي راضية مرضيا عنك إلى روح الله وريحان ، ورب غير غضبان ، فتخرج كأطيب ريح المسك حتى إنه ليناوله بعضهم بعضا حتى يأتوا به أبواب السماء ، فيقولون : ما أطيب هذه الريح التي جاءتكم من الأرض ! فيأتون به أرواح المؤمنين .

فلهم أشد فرحا به من أحدكم بغائبه يقدم عليه فيسألونه ماذا فعل فلان ؟ ماذا فعل فلان ؟ فيقولون : دعوه فإنه كان في غم الدنيا . فيقول : قد مات أما أتاكم ؟ فيقولون : قد ذهب به إلى أمه الهاوية ، وإن الكافر إذا احتضر أتته ملائكة العذاب بمسح فيقولون : اخرجي ساخطة مسخوط عليك إلى عذاب الله - عز وجل - فتخرج كأنتن ريح جيفة حتى يأتون به إلى باب الأرض فيقولون : ما أنتن هذه الريح ؟ حتى يأتون به أرواح الكفار
. رواه أحمد والنسائي .

التالي السابق


1629 - ( وعنه ) أي : عن أبي هريرة . ( قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إذا حضر المؤمن ) بصيغة المجهول أي : حضره الموت وفي رواية إذا قبض . ( أتت ) أي : جاءته . ( ملائكة الرحمة بحريرة بيضاء ) ولعل روحه تلف فيها ، وترفع إلى السماء ، والكفن الدنيوي يصحب الجسد الصوري . ( فيقولون : اخرجي ) أي : أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك . ( راضية ) عن الله سابقا بثواب الله لاحقا . ( مرضيا عنك ) أي : أولا وآخرا . ( إلى روح الله ) بفتح الراء أي : رحمته أو راحة منه ، وهو تفسير لقوله تعالى : ارجعي إلى ربك . ( وريحان ) أي : رزق كريم ، أو مشموم عظيم . ( ورب غير غضبان ) أي : رءوف رحيم . ( فتخرج كأطيب ريح المسك ) قال الطيبـي : الكاف صفة لمصدر محذوف ، أي : تخرج خروجا مثل ريح مسك بفتق فأرتها ، وهو قد فاق سائر أرواح المسك ، وأما قول ابن حجر : فتخرج حال كونها مثل أطيب ريح المسك ، ودعوته أنه عند التأمل أوضح من كلام الشارح فغير واضح ، فضلا عن أن يكون أوضح . ( حتى إنه ) أي : المؤمن أو روحه بتقدير المضاف أو بدونه فإنه يذكر ويؤنث ، والمعنى حتى إنه من طيب روحه وعظمة ريحه . ( يناوله بعضهم بعضا ) أي : يصعدون به من يد إلى يد تكريما ، وتعظيما ، وتشريفا ، لا كسلا وتعبا وتكليفا ، ولذا تناوبوه وإلا فأحدهم لا يعجز عن حمله . ( حتى يأتوا ) وفي رواية فيشتمونه وفي رواية فيشتمونه حتى يأتوا . ( به أبواب السماء ) أي : بابا بعد باب ، وفي رواية : باب السماء ، وهو منصوب بنزع الخافض ، أي : إلى أن يأتوا به ، وهو غاية للمناولة ، وأما قول ابن حجر : غاية لـ يخرج فخروج عن الظاهر بالغاية . ( فيقولون ) أي : بعض الملائكة لبعض ملائكة السماء على جهة التعجب من غاية عظمة طيبه . ( ما أطيب هذه الريح التي جاءتكم من الأرض ! ) أي : وصلت إليكم الآن منها . ( فيأتون ) وفي رواية : كلما أتوا سماء ، قالوا ذلك حتى يأتوا أي : الملائكة الأولون أو المستقبلون . [ ص: 1175 ] السائلون . ( به ) أي : بروحه . ( أرواح المؤمنين ) منصوب بنزع الخافض أي : إلى مقر أرواحهم في عليين أو في الجنة ، أو على بابها ، أو تحت العرش بحسب منزلته . ( فلهم ) الفاء للتعقيب ، والضمير للمؤمنين أو لأرواحهم . ( أشد فرحا ) وفي رواية : فلهم أفرح . قال الطيبـي : اللام لام الابتداء مؤكدة نحو قوله تعالى : لهو خير للصابرين وهم مبتدأ ، وأشد خبره ، ولا يبعد أن تكون جارة أي : لهم فرح أشد فرحا ; فيكون الفرح فرحا على سبيل المبالغة . ( به ) أي : بقدومه . ( من أحدكم ) أي : من فرحه . ( بغائبه ) أي : المخصوص به . ( يقدم عليه ) أي : حال قدومه . ( فيسألونه ) أي : بعض أرواح المؤمنين ) . ( ماذا فعل فلان ؟ ) أي : كيف حاله وشأنه ؟ أي : في الطاعة ليفرحوا به ويدعوا له بالاستقامة أو في المعصية ليحزنوا عليه ، ويستغفروا له . ( ماذا فعل فلان ؟ ) تأكيد ، أو المراد شخص آخر ، وهو الأظهر . ( فيقولون ) أي : بعض آخر من الأرواح ، وفي نسخة صحيحة : فيقول : أي : بعضهم أو أحدهم . ( دعوه ) أي : اتركوه . ( الآن ) وفي رواية حتى يستريح . قال الطيبـي : أي : يقول بعضهم لبعض : دعوا القادم فإنه حديث عهد بتعب الدنيا . ( فإنه ) أي : القادم . ( في غم الدنيا ) وفي نسخة صحيحة : فإنه كان في غم الدنيا فكان زائدة ، أو ضمير فإنه للشأن ، وكان أي : القادم في غم الدنيا إلى الآن ما استراح من همها . ( فيقول ) أي : القادم في جواب السؤال الأول ، والجملة فيما بينهما معترضة . ( قد مات ) أي : فلان المسئول ، أو فلان الثاني ، وهو الأقرب . ( أما أتاكم ) أي : أما جاءكم . ( فيقولون ) وفي رواية : فإذا قال لهم : ما أتاكم فإنه قد مات . يقولون أي : أرواح المؤمنين : ( قد ذهب به ) على بناء المجهول . وقال الطيبـي : لا بد من تقدير الفاء كما في قول الشاعر : من يفعل الحسنات الله يشكرها أي : إذا كان الأمر كما قلت : إنه مات ولم يلحق بنا فقد ذهب به اهـ .

وهو تكلف مستغنى عنه ، ويدل عليه ما روي بلفظ أوما أوتي عليكم ؟ فيقولون : أوقد هلك . فيقول : أي والله ، فيقولون : نراه قد ذهب به . ( إلى أمه الهاوية ) أي : النار مأخوذ من قوله تعالى : فأمه هاوية لأنها مأوى المجرم ، ومقره كما أن الأم للولد كذلك ; ويدل عليه ما زيد في رواية : فبئست الأم المربية . قال الطيبـي : الأم المصير ، أطلق على المأوى على التشبيه ; لأن الأم مأوى الولد ومقره ، كقوله تعالى : ومأواكم النار والهاوية بدل أو عطف بيان ، وأما في الآية فخبر لأمه وهي من أسماء النار ، كأنها النار العميقة تهوي أهل النار فيها مهوى بعيدا . ( وأن الكافر إذا احتضر ) بصيغة المفعول . ( أتته ملائكة العذاب بمسح ) الجوهري المسح بالكسر البلاس . ( فيقولون : اخرجي ساخطة ) أي : كارهة غير راضية عن الله حيا وميتا . ( مسخوطا ) أي : مغضوبا . ( عليك ) أي : أزلا وأبدا . ( إلى عذاب الله ) متعلق بـ اخرجي . ( عز ) أي : غلب كلمه وأمره . ( وجل ) أي : قضاؤه وقدره . ( فتخرج كأنتن ريح جيفة حتى يأتون ) بإثبات النون ورفعه على حكاية الحال الماضية على حد : ( وزلزلوا حتى يقول الرسول ) في قراءة نافع بالرفع أي : حتى أتوا يعني به كما في نسخة ( باب الأرض ) وفي نسخة : إلى باب الأرض . وفي رواية : فينطلقون به إلى باب الأرض . قال الطيبـي : أي : باب سماء الأرض ، ويدل عليه الحديث السابق ، ثم عرج بها إلى السماء ، ويحتمل أن يراد بالباب باب الأرض فيرد إلى أسفل السافلين ، قلت : وهذا هو الصواب لما سيأتي صريحا في هذا الباب . ( فيقولون ) أي : ملائكة الأرض . ( ما أنتن هذه الريح حتى ! ) وفي رواية : كلما أتوا على أرض قالوا ذلك ; فيتعين أن يكون حتى غاية لقولهم ذلك . وأما قول ابن حجر : أو لسيرهم الذي دل عليه السياق ففي غاية من البعد . ( يأتون به أرواح الكفار ) ومحلها سجين ، وهو موضع جهنم . ( رواه أحمد ، والنسائي ) قال ميرك : ورواه ابن حبان في صحيحه بنحوه . وقال السيوطي : والحاكم والبيهقي اهـ . والروايات التي ذكرناها هي لفظ الحاكم .




الخدمات العلمية