الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 1247 ] 1746 - وعن أبي موسى قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ما من ميت يموت فيقوم باكيهم فيقول : وا جبلاه ، وا سيداه ، ونحو ذلك إلا وكل الله به ملكين يلهزانه ، ويقولان : أهكذا كنت . رواه الترمذي ، وقال : هذا حديث غريب حسن .

التالي السابق


1746 - ( وعن أبي موسى قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ما من ميت ) أي : حقيقي أو مشرف على الموت ( يموت ) قال الطيبي : هو كقول ابن عباس يمرض المريض أو تضل الضالة في المشارف ، للموت والمريض ، والضلال ميتا ، ومريضا وضالة ، وهذه الحالة هي الحالة التي ظهرت على عبد الله بن رواحة اهـ . وتعقبه ابن حجر : بما لا طائل تحته . ( فيقوم ) أي : فيشرع . ( باكيهم فيقول : وا جبلاه ، وا سيداه ، ونحو ذلك ) نحو سنداه ومعتمدا . ( إلا وكل الله به ملكين يلهزانه ) بفتح الهاء أي : يضربانه ويدفعانه ، وفي النهاية : اللهز الضرب بجمع اليد في الصدر ، يقال : لهزه بالرمح أي : طعنه في الصدر . ( ويقولان : أهكذا كنت ) ؟ أي : توبيخا وتقريعا . ( رواه الترمذي وقال : هذا حديث غريب حسن ، ورواه ابن ماجه والحاكم ) قال السيوطي في شرح الصدور بعد ما ذكر أحاديث : إن الميت يعذب ببكاء الحي عليه : اختلف العلماء في ذلك على مذاهب : أحدها : أنه على ظاهره مطلقا ، وهو رأي عمر بن الخطاب وابنه ، الثاني : لا مطلقا ، الثالث : أن الباء للحال أي : أنه يعذب حال بكائهم عليه والتعذيب عليه من ذنب لا بسبب البكاء ، الرابع : أنه خاص بالكافر ، والقولان عن عائشة ، الخامس : أنه خاص . ممن كان النوح سنته وطريقته ، وعليه البخاري ، السادس : أنه فيمن أوصى به كما قال القائل : إذا مت فانعيني بما أنا أهله وشقي علي الجيب يا ابنت معبد .

السابع : أنه فيمن لم يوص بتركه فتكون الوصية بذلك واجبة ، إذا علم أن من شأن أهله أن يفعلوا ذلك ، الثامن : أن التعذيب بالصفات التي يبكون بها عليه وهي مذمومة شرعا كما كان أهل الجاهلية يقولون : يا مرمل النسوان ، يا ميتم الأولاد ، يا مخرب الدور ، التاسع : أن المراد بالتعذيب توبيخ الملائكة له بما يندب به أهله ، العاشر : ما أخرجه البخاري عن عمر ولفظه أن " الميت يعذب بالنياحة عليه في قبره " اهـ . وتقدم قول آخر أن المراد بالعذاب تألم الميت بسبب بكاء أهله عليه على وجه مذموم ، كما يتألم بسائر المعاصي الصادرة عنهم ، ويفرح بالأعمال الصالحة الكائنة منهم ، والحاصل أن الميت إذا كان له تسبب في هذه المعصية ولو بتقصير في الوصية ، أو رضي بهذه القضية ، فالعذاب على حقيقته ، وإلا فمحمول على تألمه سواء عند نزعه أو موته ، ويستوي فيه الكافر والمؤمن ، وبهذا يحصل الجمع بين قوله تعالى : ( ولا تزر وازرة وزر أخرى ) وبين الأحاديث المطلقة في هذه البلية الكبرى .




الخدمات العلمية