الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 1251 ] 1753 - وعن أبي سعيد قال : جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ، ذهب الرجال بحديثك ، فاجعل لنا من نفسك يوما ، نأتيك فيه تعلمنا مما علمك الله . فقال : اجتمعن في يوم كذا وكذا في مكان كذا وكذا ، فاجتمعن فأتاهن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلمهن مما علمه الله ، ثم قال : ما منكن امرأة تقدم بين يديها من ولدها ثلاثة إلا كان لها حجابا من النار ، فقالت امرأة منهن : يا رسول الله ، أو اثنين ؟ فأعادته مرتين ثم قال : واثنين ، واثنين ، واثنين ، رواه البخاري .

التالي السابق


1753 - ( وعن أبي سعيد قال : جاءت امرأة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ، ذهب الرجال بحديثك ) أي : فازوا وظفروا به ، ونحن محرومات من اغتنامه واكتسابه . قال الطيبي : أي : أخذوا نصيبا ، وفازوا من مواعظك . ( فاجعل لنا من نفسك ) بسكون الفاء أي : من أجل انتفاع ذاتك ، وبركات كلماتك يوما ، ولو كانت الرواية بفتح الفاء لكان وجها وجيها ، وعلى المقصود تنبيها نبيها ، والمعنى : اجعل لنا من أجل سماع أحاديثك النفسية ، وأقاويلك الأنيسة . ( يوما ) أي : وقتا من الأوقات ، أو يوما من أيام الأسبوع ، أو شهرا أو سنة ، أو يوما لا أقل منه ، وقال الطيبي : قوله : يوما أي : نصيبا ، إطلاقا للمحل على الحال ، ومن نفسك حال من يوما ، ومن ابتدائية أي : اجعل لنا من نفسك ما في بعض الأيام . ( نأتيك فيه تعلمنا مما علمك الله ) أقول : يحتمل تعلقه بما قبله ، أو بما بعده ، أو يتنازعان فيه . قال ميرك : قوله : نأتيك فيه آب من حمل اليوم على النصيب ، قلت : أبي الإباء حيث قدر في بعض الأيام ، واندفع به قول ابن حجر : فيه نوع من الاستخدام ; لأن المراد باليوم ما مر ، وههنا حقيقة الزمن ، ثم قال ميرك : ولا أدري ما الباعث عليه ؟ قلت : لا أدري : نصف العلم ، ونصفه الآخر : أن تدري أن لا معنى بحسب الظاهر لقوله : اجعل لنا يوما من نفسك ، فلا بد له من تأويل ، فأوله بما ظهر له كما أوله غيره بما ظهر له ، ثم قال : والصواب أن المراد عين لنا من عندك يوما في الأسبوع ، نأتيك فيه لاستماع حديثك ، قلت : ورود النفس بمعنى عند غير معروف لغة وعرفا ، فالتخطئة غير صواب ، نعم هذا حاصل المعنى ، لكن لا بد من مراعاة المبنى ; ولذا قال العلامة الكرماني على ما نقله ميرك عنه : الجعل يستعمل متعديا إلى مفعول واحد ، بمعنى فعل ، وإلى مفعولين بمعنى صير ، والمراد هنا لازمة وهو التعيين ، ويوما مفعول به لا مفعول فيه ، و ( من ) في . ( من نفسك ) ابتدائية متعلقة باجعل ، يعني هذا الجعل منشؤه اختيارك يا رسول الله ، لا اختيارنا ، ويحتمل أن يكون المراد من وقت نفسك بإضمار الوقت ، والظرف صفة يوما ، وهو ظرف مستقر على هذا الاحتمال اهـ . يعني ومن تبعيضية أي : اجعل لنا معشر النساء وقتا ما من الأوقات المختصة بذاتك الأشرف ، فإنه صلى الله عليه وسلم على ما ذكره الترمذي في الشمائل جزء أوقاته فجعل جزءا لله ، وجزءا لأهله ، وجزءا لنفسه ، وجزءا للناس ، وهذا المعنى أظهر ، والله أعلم . ( فقال : اجتمعن ) بكسر الميم . ( في يوم كذا ) أي : في نهار كذا . ( و ) في وقت . ( كذا ) أو في وقت كذا في يوم كذا . ( في مكان كذا ) أي : من المسجد أو البيت . ( وكذا ) أي : من وصفه بمقدمه أو مؤخره . ( فاجتمعن ) بفتح الميم . ( فأتاهن رسول الله ) صلى الله عليه وسلم فعلمهن مما علمه الله ولعل ما أتاهن عنده صلى الله عليه وسلم كان متعذرا فعين لهن زمانا معينا ، ومكانا مبينا ، فأتاهن فلا ينافي ما قاله العلماء : من أن العلم يؤتى ولا يأتي ، أو نزل تعيين الزمان والمكان لهن ، وإتيانهن فيهما منزلة إتيانهن العلم . ( ثم قال : ما منكن امرأة تقدم بين يديها من ولدها ) بفتحتين وبضم الأول ويسكن الثاني أي : من أولادها من البنين والبنات . ( ثلاثة إلا كان ) أي : تقدمهم وموتهم ، وأما قول ابن حجر : إلا كان الولد بمعنى الثلاثة فغير ظاهر مبنى ومعنى . ( لها ) أي : للمرأة . ( حجابا ) أي : ساترا . ( من النار . فقالت : امرأة منهن : يا رسول الله ، أو اثنين ) عطف تلقيني . ( وأعادتها ) أي : المرأة هذه الكلمة . ( مرتين ) أو قالت : يا رسول الله ، قل : أو اثنين ، أو قل : واثنين . ( ثم قال ) أي : النبي صلى الله عليه وسلم ( واثنين ، واثنين ، واثنين ) ثلاث مرات للتوكيد ، والواو بمعنى أو ، ولعل توقفه صلى الله عليه وسلم كان انتظارا للوحي ، أو الإلهام ، أو نظرا في أدلة الأحكام . ( رواه البخاري ) .




الخدمات العلمية