الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
1786 - وعن عمر بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا جلب ولا جنب ولا تؤخذ صدقاتهم إلا في دورهم " . رواه أبو داود .

التالي السابق


1786 - ( وعن عمرو بن شعيب ) أي ابن محمد بن عبد الله عمرو بن العاص ( عن أبيه عن جده ) قيل : إن أراد جده محمدا فالحديث مرسل ، لأن محمدا لم يلق النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وإن أراد جد شعيب وهو عبد الله فشعيب لم يدرك جده عبد الله ، ولهذه العلة لم يذكر حديثه في صحيحي البخاري ومسلم ، لأنه يرويه هكذا عن أبيه عن جده ، وقيل : إن شعيبا أدرك جده ، ذكره الطيبي وقد قدمناه أيضا ، وأما قول ابن حجر : عن جده أي جد أبيه ، وهو عبد الله ، أو جد عمرو فيكون الحديث مرسلا ، وكل محتمل ، لكن الأصح الأول فمبني على القول الضعيف ، الذي يفيد الاتصال ، وإلا فالصحيح أن حديثه يحكم عليه بالانقطاع ( عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لا جلب ) بفتحتين أي لا يقرب العامل أموال الناس إليه لما فيه من المشقة عليهم ، بأن ينزل الساعي محلا بعيدا عن الماشية ، ثم يحضرها ، وإنما ينبغي له أن ينزل على مياههم أو أمكنة مواشيهم لسهولة الأخذ حينئذ ، ويطلق الجلب أيضا على حث فرس السباق على قوة الجري - بمزيد الصياح عليه لما يترتب عليه من إضرار الفرس ( ولا جنب ) بفتحتين أي لا يبعد صاحب المال المال بحيث تكون مشقة على العامل ، وقال ابن حجر : أي لا ينزل الساعي بأقصى محال أهل الصدقة ثم يأمر بالأموال أن تجنب إليه أي تحضر . اهـ ، وهو نوع من أنواع الجلب كما لا يخفى ، فلا ينبغي حمله على هذا المعنى ، وقد أغرب حيث ذكر [ ص: 1274 ] هذا المعنى أولا مؤديا بقيل تبعا للطيبي ، ثم قال : ووجه النهى عن هذا واضح أيضا ، فلعل تضعيفه إنما هو من حيث المعنى اللغوي ، لا غير . اهـ ، ولا شك أن المعنى اللغوي أيضا أنسب ، ويطلق أيضا على السباق بأن يجنب فرسا إلى الفرس الذي سابق عليه ، فإذا فتر المركوب تحول إلى المجنوب ، قيل : وكان وجه النهي عنه أن السباق بما هو لبيان اختبار قوة الفرس ، وبهذا الفعل لا يعرف قوة واحد من الفرسين ، فرب فرس توانى أولا في الإثناء ثم سبق ، ثم قال الطيبي : وكلا اللفظين مشترك في معنى السباق والزكاة ، والقرينة الموضحة لأداء المعنى الثاني قوله ( ولا تؤخذ ) بالتأنيث وتذكر ( صدقاتهم إلا في دورهم ) أي منازلهم وأماكنهم ومياههم وقبائلهم على سبيل الحصر لأنه كنى بها عنه فإن أخذ الصدقة في دورهم لازم لعدم بعد الساعي عنها فيجلب إليه ، ولعدم بعد المزكي فإنه إذا بعد عنها لم يؤخذ فيها . اهـ ، وتبعه ابن حجر ، وحاصله أن آخر الحديث مؤكد لأوله ، أو إجمال لتفصيله ، لكن القاعدة المقررة أن التأسيس أولى من التأكيد ، تفيد أن النفي في صدر الحديث يتعلق بأمر سابق من الفعلين ، ثم الجامع بين المسألتين المناسبة اللغوية والمعنوية ، وهي عدم الضرر والإضرار من الملة الحنيفية ، والله أعلم بالأسرار النبوية ( رواه أبو داود ) .




الخدمات العلمية