الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 1356 ] الفصل الثالث

1945 - عن أنس قال : كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالا ، من نخل ، وكان أحب أمواله إليه بيرحاء ، وكانت مستقبلة المسجد وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب ، قال أنس : فلما نزلت هذه الآية لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون قام أبو طلحة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله إن الله - تعالى - يقول لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وإن أحب مالي إلي بيرحاء ، وإنها صدقة لله - تعالى - أرجو برها وذخرها عند الله ، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " بخ بخ ذلك مال رابح ، وقد سمعت ما قلت ، وإنى أرى أن تجعلها في الأقربين " فقال أبو طلحة : أفعل يا رسول الله ، فقسمها أبو طلحة في أقاربه ، وبني عمه ، متفق عليه .

التالي السابق


الفصل الثالث

1945 - ( وعن أنس قال : كان أبو طلحة ) أي زوج أمه ( أكثر الأنصار بالمدينة مالا ) تمييز ( من نخل ) بيان ( وكان أحب أمواله ) بالرفع ( إليه بيرحاء ) بفتح الباء وسكون الياء وفتح الراء ، وبالحاء المهملة ، كذا ضبطه العسقلاني ، ثم قال : وجاء في ضبطه أوجه كثيرة جمعها ابن الأثير في النهاية ، فقال : يروى بفتح الباء وكسرها وفتح الراء وضمها ، وبالمد والقصر ، فهذه ثمان لغات ، وفي رواية أبي سلمة : بريحا بفتح أوله وكسر الراء ، وتقديمها على التحتانية ، وفي سنن أبي داود : باريحا مثله ، لكن بزيادة ألف اهـ وفي المغرب : البراح المكان الذي لا سترة فيه ، من شجر أو غيره كأنها زالت ، وبيرحا فيعلى منه ، وهي بستان لأبي طلحة الأنصاري بالمدينة ، وعن شيخنا أنه قال : رأيت محدثي مكة يروونها بيرحا ، وحاء اسم رجل أضيف إليه البئر ، والصواب الرواية الأولى ، وفى المقدمة اختلف في ضبطه فيقال بلفظ البئر والإضافة لمثل حرف الهجاء ، فعلى هذا فحركات الإعراب في الراء ، وأنكر ذلك أبو ذر ، وإنما هي بفتح الراء على كل حال ، وقال الصوري : هي بفتح الراء والياء في كل حال : فخلصنا على أربعة أقوال ، وحكي بالمد والقصر فيها فتصير ثمانية ، وقال الطيبي : بيرحا وبيرحاء ، بالمد فيهما وبيرحا بالقصر ، قيل : فيعلا من البراح ، وهي الأرض الظاهرة اهـ فتحصل من مجموع المنقول أن الوجه المعتمد ما ضبطناه أولا ، وعليه أكثر النسخ ، وفي بعضها بكسر الباء وضم الراء ، ثم في النسخ المصححة برفع أحب على أنه اسم كان ، والخبر بيرحاء ، ونصبه لفظي أو تقديري ، وفي بعضها بنصب أحب على أنه الخبر وبئرحاء اسم مؤخر ( وكانت ) أي البقعة أو البئر ( مستقبلة المسجد ) أي مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدخلها ) أي البقعة التي هي البستان أو بستان البئر ( ويشرب من ماء فيها ) أي في البقعة أو في البئر ( طيب ) أي حلو الماء أو حلال لا شبهة فيه ( قال أنس : فلما نزلت هذه الآية لن تنالوا البر ) أي الجنة قاله ابن مسعود وابن عباس ، ومجاهد ، وقيل : التقوى ، وقيل : الطاعة ، وقيل : الخير ، وقال الحسن : لن تكونوا أبرارا حتى تنفقوا مما تحبون أي من أحب أموالكم إليكم ( قام أبو طلحة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : يا رسول الله إن الله - تعالى - يقول لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وإن أحب مالي إلي بيرحاء وإنها صدقة لله - تعالى - أرجو برها ) أي خيرها ( وذخرها ) أي نتيجتها المدخرة ، وفائدتها المدخرة ، يعني لا أريد ثمرتها العاجلة الدنيوية الفانية ، بل أطلب مثوبتها الآجلة الأخروية الباقية ( عند الله فضعها ) أي اصرفها ( يا رسول الله حيث أراك الله ) أي في مصرف علمك الله إياه ، وفي المعالم بلفظ حيث شئت ( قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " بخ بخ " ) بفتح الباء وسكون المعجمة وكسرها مع التنوين ، وكرر للمبالغة ، قال في الصحاح : هي كلمة يقولها المتعجب من الشيء ، وتقال عند المدح والرضا بالشيء ، فإن وصلت خفضت ونونت ، وفي المقدمة فيها لغات : إسكان الخاء وكسرها منونا وبغير تنوين ، وبضمها منونا ، وبتشديدها مضموما ، ومنونا ، واختار الخطابي إذا كرر تنوين الأولى وتسكين الثانية " ذلك " أي ما ذكرته أو التذكير لأجل الخبر وهو قول ، " مال رابح " بالموحدة أي ذي ربح كلابن وتامر ، وقيل : فاعل بمعنى مفعول أي مربوح ، ويروى بالياء أي رائح عليك نفعه ، ذكره الطيبي ، وقوله بالياء يعني باعتبار الأصل وإلا فلا يقرأ إلا بالهمزة المبدل عنها ، كقائل وبائع ، وعائشة ، وفي المعالم : بخ ذاك مال رابح " وقد سمعت ما قلت ، وإني أرى أن تجعلها " أي صدقة " في الأقربين " أي من الفقراء والمساكين ليكون جمعا بين الصدقة والصلة ، قال الطيبي : دل على أن الصدقة عليهم أفضل ( قال أبو طلحة : أفعل ) أي أنا بأمرك ( يا رسول الله ، فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه ) يحتمل التخصيص والتفسير ( متفق عليه ) قال شيخنا الشيخ عطية أنزله الله الدرجة العلية : حديث أنس رواه الشيخان ومالك وأحمد والترمذي ، وأبو داود والنسائي ، وغيرهم ، وفي رواية لمسلم وغيره أنه قسمه بين حسان بن ثابت وأبي بن كعب ، وفي رواية لأحمد وغيره " يا رسول الله لو استطعت أن أسره لم أعلنه " .

[ ص: 1357 ]



الخدمات العلمية