الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
2210 - وعن عبيدة المليكي وكانت له صحبة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( يا أهل القرآن لا تتوسدوا القرآن واتلوه حق تلاوته من آناء الليل والنهار ، وأفشوه وتغنوه وتدبروا ما فيه لعلكم تفلحون ، ولا تعجلوا ثوابه فإن له ثوابا ) رواه البيهقي في شعب الإيمان .

التالي السابق


2210 - ( وعن عبيدة ) بفتح أوله قاله ابن حجر ، وفى نسخة بضم ففتح ( المليكي ) بالتصغير ( وكانت له صحبة ) ، أي : بالنبي صلى الله عليه وسلم ، والجملة معترضة من كلام البيهقي ، أو غيره ولم يذكره المصنف في أسمائه ( قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يا أهل القرآن ) خصوا بالخطاب لأنهم يجب عليهم المبالغة في أداء حقوقه أكثر من غيرهم لاختلاطه بلحمهم ودمهم ، ويحتمل أن يراد بهم المؤمنون كلهم لأنهم ما يخلون عن بعض القرآن ، أو المراد بأهل القرآن المؤمنون به كما في قوله - عليه الصلاة والسلام - يا أهل البقرة ( لا تتوسدوا القرآن ) : أي لا تجعلوه وسادة لكم تتلون وتنامون عليه وتغفلون عنه وعن القيام بحقوقه وتتكاسلون في ذلك; بل قوموا بحقه لفظا ، وفهما ، وعملا ، وعلما ( واتلوه حق تلاوته ) : أي اقرؤوه حق قراءته أو اتبعوه حق متابعته ، قال النووي في شرح المهذب عن الشيخ أبي محمد الجويني وأقره : لو قرأ نستعين بوقفة لطيفة بين السين والثاء حرم عليه ؟ ! لأن ذلك ليس بوقف ، ولا منتهى آية عند أحد من القراء . قال ابن حجر : فيه دلالة على أن كل ما أجمع القراء على اعتباره من مخرج ومد وغيرهما وجب تعلمه وحرم مخالفته ( من آناء الليل والنهار ) : أي اتلوه تلاوة كثيرة مستوفية لحقوقها في ساعات الليل والنهار ، واتلوه حق تلاوته حال كونها في ساعات هذا وهذا ، قال الطيبي : ( لا تتوسدوا ) يحتمل وجهين أحدهما : أن يكون كناية رمزية عن التكاسل ، أي : لا تجعلوه وسادة تنامون عنه بل قوموا واتلوه آناء الليل وأطراف النهار ، وهذا معنى قوله : ( فاتلوه حق تلاوته ) ، وثانيها : أن يكون كناية تلويحية عن التغافل فإن من جعل القرآن وسادة يلزم منه النوم فليلزم منه الغفلة ، يعني : لا تغفلوا عن تدبر معانيه ، وكشف أسراره ، ولا تتوانوا في العمل بمقتضاه ، والإخلاص فيه ، وهذا معنى قوله حق تلاوته " ( إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور ) للمعنيين فإن قوله : أقاموا وأنفقوا ماضيان عطفا على يتلون ، وهو مضارع دلالة على الدوام والاستمرار في التلاوة المثمرة لتجدد العمل المرجو منه التجارة المربحة اهـ . كلامه - رحمه الله - . وقد أطنب ابن حجر هنا بذكر الفروع الفقهية المتعلقة بالقرآن من تحريم توسد المصحف ومستثنياته ، وتحريم مد الرجل ، ووضع الشيء فوقه ، واستدباره ، وتخطيه ، ورميه ، وتصغير لفظه ، وجواز تقبيله ، وكراهة أخذ الفأل منه ، ونقل تحريمه عن بعض المالكية وإباحته عن بعض الحنابلة ، وأمثال ذلك مما هو محله في كتب الفتاوى والخلافيات ، وأغرب من هذا ، أنه قال [ ص: 1507 ] عجيب من الشارح; فإنه لعدم استحضاره لكلام الأئمة الذي ذكرته تردد في المراد بلا تتوسدوا ترددا ليس في محله; فإنه لم يعول فيه على شيء من كلام الأئمة ، وإنما تكلم بمجرد فهمه وليس ذلك بحسن اهـ . وهو مبني على عدم فهمه كلام الطيبي وكلام الأئمة في الفقه الفرعي ، والمرء لا يزال عدوا لما جهل ، وقد علم كل أناس مشربهم ، وكل حزب بما لديهم فرحون ، وكل إناء يترشح بما فيه ، ( وأفشوه ) : أي بالجهر ، والتعليم ، وبالعمل ، والكتابة ، والتعظيم ( وتغنوه ) ، أي : استغنوا به عن غيره على ما تقدم ( وتدبروا ما فيه ) : أي من الآيات الباهرة والزواجر البالغة والمواعيد الكاملة ( لعلكم تفلحون ) : أي لكي تفلحوا أو حال كونهم راجين الفلاح وهو الظفر بالمطلوب ( ولا تعجلوا ) بتشديد الجيم المكسورة ، وفي نسخة بفتح التاء والجيم المشددة المفتوحة ، أي : لا تستعجلوا ثوابه قال الطيبي : أي لا تجعلوه من الحظوظ العاجلة ( فإن له ثوابا ) : أي مثوبة عظيمة آجلة ( رواه البيهقي في شعب الإيمان ) .




الخدمات العلمية