الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
2418 - وعن سليمان بن صرد قال : استب رجلان عند النبي - صلى الله عليه وسلم - ونحن عنده جلوس وأحدهما يسب صاحبه مغضبا ، قد احمر وجهه ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد ، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم فقالوا للرجل : لا تسمع ما يقول النبي - صلى الله عليه وسلم ؟ قال : إني لست بمجنون . متفق عليه .

التالي السابق


2418 - ( وعن سليمان بن صرد ) بضم وفتح ( قال استب رجلان ) افتعال من السب أي : شتم أحدهما الآخر ( عند النبي - صلى الله عليه وسلم - ) أي : بمحضر منه ( ونحن عنده جلوس ) أي : لا قيام لمنعه - صلى الله عليه وسلم - إياهم بقوله : ( لا تقوموا كما يقوم الأعاجم بعضهم لبعض ) وقوله : ( من أراد أن يتمثل له الرجال فليتبوأ مقعده من النار ) ( وأحدهما يسب صاحبه ) أي : سبا شديدا ( مغضبا ) بفتح الضاد حال من فاعل يسب ( قد احمر وجهه ) أي : من شدة غضبه لأنه يثير في القلب حرارة عظيمة قد تقتل صاحبها بإطفائها ، وقد لا تقتل لانتشارها في الأعضاء خصوصا الوجه لأنه ألطفها وأقربها إلى القلب ( فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - إني لأعلم كلمة ) أي : بالمعنى اللغوي الشامل للجملة المفيدة ( لو قالها لذهب ) أي : زال ( عنه ما يجد ) أي : ما يجده من الغضب ببركتها ( أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ) والحديث مقتبس من قوله تعالى : وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم قال الطيبي : أي ولا تنفع الاستعاذة من أمتك إلا المتقين بدليل قوله تعالى : إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا أي : ما أمرهم به تعالى ونهاهم عنه ( فإذا هم مبصرون ) لطريق [ ص: 1678 ] السداد ودفعوا ما وسوس به إليهم ( فقالوا للرجل ) أي : بعد سكونه لكمال غضبه ( لا تسمع ) وفي نسخة ألا تسمع ( ما يقول النبي - صلى الله عليه وسلم ؟ ) أي : فتمتثل وتقول ذلك ( قال : إني لست بمجنون ) قال النووي - رحمه الله - : هذا كلام من لم يهذب بأنوار الشريعة ولم يتفقه بالدين ، وتوهم أن الاستعاذة مخصوصة بالجنون ، ولم يعرف أن الغضب من نزغات الشيطان ولذا يخرج به الإنسان عن اعتدال حاله ويتكلم بالباطل ويفعل المذموم ، ومن ثم قال - صلى الله عليه وسلم - لمن قال له أوصني ( لا تغضب ) فردد مرارا فقال : ( لا تغضب ) ولم يزد عليه في الوصية على لا تغضب ، وفيه دليل على عظيم مفسدة الغضب وما ينشأ منه ، قال الطيبي : ويحتمل أن يكون ذلك من المنافقين أو من جفاة الأعراب ، وفي رواية أخرى غير أني لست بمجنون ، فانطلق إليه رجل فقال له : تعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، فقال : أترى بي بأسا ؟ أمجنون أنا ؟ اذهب ، وفي رواية أبي داود ذلك الرجل هو معاذ ، فهذا أيضا نشأ عن غضب وقلة احتمال وسوء أدب اهـ وكونه معاذا إن صح وأنه ابن جبل تعين تأويله بأن ذلك وقع منه قرب إسلامه اهـ أي : وصدر عنه من شدة الغضب من حيث لا يدري كما تقدم من شديد الفرح وكثير الخوف ; لأنه - رضي الله عنه - في آخر الأمر صار من أجلاء الصحابة وأكابرهم ببركة تربيته - عليه الصلاة والسلام - الذي هو الحبيب والطبيب للعشاق والمجانين ، إلى أن قال - عليه الصلاة والسلام - في حقه : " أعلم أمتي بالحلال والحرام معاذ بن جبل " وولاه اليمن مدة طويلة ، وقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : " يا معاذ إني أحب لك ما أحب لنفسي فإذا فرغت من صلاتك فقل : اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك " ويؤيد ما تقرر فيه قوله وطلب من النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يوصيه ، فقال له : لا تغضب ، فأعاد ذلك ، فقال : لا تغضب " ( متفق عليه ) ورواه أبو داود والنسائي .




الخدمات العلمية