الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
2517 - وعن جابر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : مهل أهل المدينة من ذي الحليفة والطريق الآخر الجحفة ، ومهل أهل العراق من ذات عرق ، ومهل أهل نجد قرن ، ومهل أهل اليمن يلملم ( رواه مسلم )

التالي السابق


2517 - ( وعن جابر - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : مهل أهل المدينة ) أي موضع إحرامهم اسم مكان هنا ، وأغرب ابن حجر في قوله أي إحرامهم ، وأصله موضع إهلالهم ثم أطلق على الزمن والمصدر من رفع صوته بالتلبية ، ووجه غرابته لا يخفى ، إذ اسم المفعول المزيد فيه مشترك بين المصدر واسم الزمان والمكان كما هو مقرر في محله من متون علم الصرف ( من ذي الحليفة ) أي من طريقه ( والطريق الآخر ) بالرفع أي مهل الطريق الآخر لهم ( الجحفة ) قال ابن الملك إذا جاءوا من طريق الجحفة فهي مهلهم اهـ .

وهو غير سديد لأن المذهب أن من جاوز وقته غير محرم ثم أتى وقتا آخر وأحرم منه أجزأه ولو كان أحرم من وقته كان أحب ، وقيل التأخير مكروه ، وقيل التأخير أنسب وفي المسألة خلاف ، الشافعي ( إذ لا يجوز عنده المجاوزة إلى الميقات الآخر ، ولذا تكلف ابن حجر في حله حيث قال : أي ومهل أهل الطريق الآخر الذي لا يمر سالكه بذي الحليفة ولا يجاوزها يمنة أو يسرة هو الجحفة ( ومهل أهل العراق ذات عرق ) وفي نسخة من ذات عرق وهي بكسر العين على مرحلتين من مكة ذكره ابن الملك .

وقال الطيبي - رحمه الله - موضع فيه عرق وهو الجبل الصغير وقيل كون ذات عرق ميقاتا ثبت باجتهاد عمر - رضي الله عنه - نص عليه الشافعي في الأم ، ويدل عليه رواية البخاري عن ابن عمر لما فتح المصران البصرة والكوفة في زمن عمر - رضي الله عنه - أي أسسا حينئذ إذ هما إسلاميتان أتوا عمر فقالوا إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حد لأهل نجد قرنا وإذا أردنا أن نأتي قرنا يشق علينا قال فانظروا حدودها من طريقكم ، فحد لهم ذات عرق وجمع بينهما بأن عمر - رضي الله عنه - لم يبلغه الخبر ، فاجتهد فيه فأصاب ، ووافق السنة فهو من عاداته في موافقاته ، ولهذا نص الشافعي - رحمه الله - على كل منهما ولا ينافي ذلك أن العراق لم يفتح إلا بعد وفاته - عليه الصلاة والسلام - لأنه علم أنه سيفتح فوقت لأهله ذلك ، كما وقت لأهل مصر والشام ما مر قبل فتحهما أيضا ، ثم كأهل العراق أهل خراسان وغيرهم ممن يمر بذات عرق ولا ينافيه أيضا خبر الترمذي وحسنه ، وإن اعترض بأن فيه ضعفا من أنه - عليه الصلاة والسلام - وقت لأهل المشرق العقيق فإن عرقا جبل مشرف على العقيق وقرية ذات عرق خربت ، ومن ثم قال النووي وغيره يجب على العراقي أن يتحراها ويطلب آثارها القديمة ليحرم منها .

وأقول إذا أحرم من العقيق يكون أحوط لأنه مقدم عليه ، ونظيره الجحفة ورابغ فإنه مقدم عليها ، فالاحتياط في الإحرام بالسابق ( ومهل أهل نجد قرن ) بسكون الراء ووهم الجوهري في قوله بفتح الراء فإنه اسم قبيلة ينسب إليها أويس القرني ( ومهل أهل اليمن يلملم ) رواه مسلم .

[ ص: 1747 ]



الخدمات العلمية