الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
2541 - وعن ابن عمر قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يهل ملبدا ، يقول لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك ، لا يزيد على هؤلاء الكلمات ( متفق عليه ) .

التالي السابق


2541 - ( وعن ابن عمر قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يهل ) أي يرفع صوته بالتلبية ، ( ملبدا ) بكسر الباء وفتحها ، أي شعره بالصمغ أو الحناء أو الخطمي ولعله كان به عذر .

قال ابن الملك : التلبيد هو إلصاق شعر الرأس بالصمغ أو الخطمي أو غير ذلك كي لا يتخلله الغبار ، ولا يصيبه شيء من الهوام ، ويقيها من حر الشمس ، وهذا جائز عند الشافعي - رحمه الله ، وعندنا يلزمه دم إن لبد بما ليس فيه طيب لأنه كتغطية الرأس ، ودمان إن كان فيه طيب ، وقال ابن الهمام : وما ذكره رشيد الدين البصري : وحسن أن يلبد رأسه قبل الإحرام مشكل ، لأنه لا يجوز استصحاب التغطية الكائنة قبل الإحرام بخلاف الطيب اهـ .

ويمكن حمله مع الحديث على التلبيد اللغوي من جمع الشعر ولفه وعدم تخليته متفرقا ، ففي القاموس تلبد الصوف ونحوه تداخل ولزق بعضه ببعض ، ( يقول ) بدل من يهل ، وهو مذهب الشاطبي في مسائل النحو ، ( لبيك اللهم لبيك ) أي ألببت يا رب بخدمتك إلبابا بعد إلباب ، من ألب بالمكان أقام به ، أي أقمت على طاعتك إقامة ، وقيل أي أجبت إجابتك إجابة بعد إجابة ، والمراد بالتثنية التكثير كقوله تعالى : ثم ارجع البصر كرتين أي كرة بعد كرة ، وحذف الزوائد للتخفيف وحذف النون للإضافة .

قال - رحمه الله تعالى : لا خلاف في أن التلبية جواب الدعاء ، وإنما الخلاف في الداعي من هو ، فقيل هو الله تعالى ، وقيل هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم ، وقيل هو الخليل - عليه الصلاة والسلام ، وهو الأظهر .

أقول والصواب أن خطاب الجواب لله تعالى ، فإنه الداعي إما حقيقة ، وإما حكما ، ولا التفات إلى القول بالتفاوت ، ثم على القول بأن المنادي إبراهيم - عليه الصلاة والسلام ، قيل وقف على مقامه أو بالحجون أو على جبل أبي قبيس ولا منع من الجمع ، ( لبيك لا شريك لك لبيك ) فالتلبية الأولى المؤكدة بالثانية لإثبات الألوهية ، وهذه بطرفيها لنفي الشركة الندية والمثلية في وجوب الذات والصفات الثبوتية ( إن الحمد والنعمة لك ) وإن بالكسر هو المختار رواية ودراية وقد روي بالفتح والمعنى ألبي لأنك مستحق للحمد .

[ ص: 1758 ] قال الطيبي - رحمه الله : الفتح رواية العامة وهما مشهوران عند المحدثين ، وقال ثعلب الكسر أجود لأن معنى الفتح لبيك بهذا السبب ، ومعنى الكسر مطلق ، وأما قول ابن حجر النعمة بالنصب على الأفصح ، ويجوز الرفع أي الإنعام ، أو أثره الواصل إلى الأنام ، فغفلة عن قواعد أئمة العربية من الأعلام ، وهي أنه لا يجوز العطف على محل اسم إن إلا بعد مضي الخبر فتدبر ، ( والملك ) بالنصب عطف على الحمد ، ولذا يستحب الوقف عند قوله والملك ويبتدأ ، ( لا شريك لك ) أي في استحقاق الحمد ، وإيصال النعمة قال تعالى : وما بكم من نعمة فمن الله وفي تقديم الحمد على النعمة إيماء إلى عموم معنى الحمد ، وإشارة إلى أنه بذاته يستحق الحمد سواء أنعم أو لم ينعم ، هذا ولا مانع من أن يكون الملك مرفوعا وخبره لا شريك لك ، أي فيه وأما تعليل ابن حجر - رحمه الله - الوقفة اللطيفة بأن إيصالها بلا التي بعدها ربما يتوهم أنها نفي لما قبلها وذلك كفر ، فوهم نشأ من الذهول عما قبلها وما بعدها ، واختلف في التلبية فعندنا أنها شرط لصحة الإحرام ، وقال مالك لا تجب لكن في تركها دم ، وعند الشافعي - رحمه الله - سنة لا دم بتركها ، وقال بعض أصحابه واجبة يجبر بتركها بدم ، وزعم بعضهم أن التلبية أثناء النسك واجبة .

( لا يزيد ) أي رسول الله - صلى الله عليه وسلم ، ( على هؤلاء الكلمات ) وهو محمول على الغالب على ما سيأتي في الفصل الثاني عن ابن عمر مرفوعا ، ثم النقص عنها مكروه بلا خلاف ، وكذا الزيادة عليها عند الطحاوي ، والمختار في المذهب أن الزيادة لا تغيره ، بل تحسن أو تستحب لما جاء عن الصحابة والتابعين رضوان الله تعالى عليهم أجمعين بأن يقول لبيك وسعديك ، والخير كله بيديك ، والرغباء إليك ، والعمل لك لبيك حقا حقا ، لبيك تعبدا ورقا ، لبيك إن العيش عيش الآخرة ونحو ذلك ، ( متفق عليه ) ورواه الأربعة والجمهور على استحباب رفع الصوت بالتلبية ، وأخذ داود من خبر مسلم إذا توجهتم إلى منى فأهلوا بالحج ، والإهلال رفع الصوت بالتلبية ، يدفع بأن المراد فأهلوا أي أحرموا بالحج ، والإحرام يكون بالنية والتلبية كما ذهب إليه الحنفية ، وبالنية فقط كما عليه الشافعية .




الخدمات العلمية