الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
2664 - وعن أنس - رضي الله عنه ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى الظهر ، والعصر ، والمغرب ، والعشاء ، ثم رقد رقدة بالمحصب ، ثم ركب إلى البيت ، فطاف به ، رواه البخاري .

التالي السابق


2664 - ( وعن أنس ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء ، ثم رقد رقدة ) : أي : نام نومة خفيفة ( بالمحصب ) : بفتح الصاد المشددة ، تنازع في الجار والمجرور صلى ورقد ، وهو في الأصل كل موضع كثر حصاؤه ، والمراد الشعب الذي أحد طرفيه منى ، والآخر متصل بالأبطح . وينتهي عنده ، ولذلك لم يفرق الراوي بينهما ، فروي في هذا الحديث أنه صلى بالمحصب ، وفي حديثه الآخر أنه صلى بالأبطح ، ويقال له البطحاء .

قال ابن الهمام ، قال في الإمام : وهو موضع بين مكة ومنى ، وهو إلى منى أقرب ، وهذا لا تحديد فيه أي : لا تحقيق له ، وقال غيره : هو فناء مكة وحده ما بين الجبلين المتصلين بالمقابر إلى الجبال المقابلة لذلك مصعدا في الشق الأيسر ، وأنت ذاهب إلى منى مرتفعا من بطن الوادي ، وليست المقبرة من المحصب ، ويسمى أيضا خيف بني كنانة ، وأصل الخيف معناه سفح الجبل مطلقا . ( ثم ركب ) : أي : من المحصب متوجها ( إلى البيت ، فطاف به ) : أي : طواف الوداع يحتمل راكبا وماشيا ( رواه البخاري ) .

قال الطيبي - رحمه الله : التحصيب هو أنه إذا نفر من منى إلى مكة للتوديع ; ينزل بالشعب الذي يخرج به إلى الأبطح ، ويرقد فيه ساعة من الليل ، ثم يدخل مكة ، وكان ابن عمر يراه سنة ، وهو الأصح . قال ابن الهمام : يحترز به عن قول من قال : لم يكن قصدا ، فلا يكون سنة لما أخرج البخاري ، عن ابن عباس قال : ليس التحصيب بشيء ، إنما هو منزل نزله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأخرج مسلم ، عن أبي رافع مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : لم يأمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أنزل الأبطح حين خرج من منى ، ولكن جئت ، وضربت قبته فجاء فنزل ، ووجه المختار ما أخرجه الجماعة من أسامة بن زيد ، قال : قلت : يا رسول الله ، أين تنزل غدا في حجتك ؟ فقال : " هل ترك لنا عقيل منزلا " ثم قال : " نحن نازلون بخيف بني كنانة حيث تقاسمت قريش على الكفر " يعني : المحصب ، الحديث .

[ ص: 1840 ] وفي " الصحيحين " عن أبي هريرة : قال : رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن بمنى : نحن نازلون غدا بخيف بني كنانة ، حيث تقاسموا على الكفر " وذلك أن قريشا وبني كنانة تحالفت على بني هاشم ، وبني المطلب ، أن لا يناكحوهم ، ولا يبايعوهم ، حتى يسلموا إليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعني بذلك المحصب اهـ .

فثبت بهذا أنه نواه قصدا ليرى لطف صنع الله به ، وليتذكر فيه نعمه - سبحانه - عليه عند مقايسته نزوله به الآن إلى حاله قبل ذلك ، أعني حال انحصاره من الكفار في ذات الله - تعالى ، وهذا أمر يرجع إلى معنى العبادة ، ثم هذه النعمة التي شملته - عليه الصلاة والسلام - من النصر ، والاقتدار على إقامة التوحيد ، وتقرير قواعد الوضع الإلهي الذي دعا الله - تعالى - إليه عباده ; لينتفعوا به في دنياهم ، ومعادهم ، لا شك في أنها النعمة العظمى على أمته ، لأنهم مظاهر المقصود من ذلك المؤيد ، وكل واحد منهم جدير بتفكرها ، والشكر التام عليها ؛ لأنه عليه أيضا ، فكان سنة في حقهم ; لأن معنى العبادة في هذا يتحقق في حقهم أيضا ، وعن هذا حصب الخلفاء الراشدون . أخرج مسلم ، عن ابن عمر ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر وعمر كانوا يعرفون الأبطح ، وأخرج عنه أيضا أنه كان يرى التحصيب سنة ، وكان يصلي الظهر يوم النفر بالمحصب ، قال نافع : قد حصب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والخلفاء بعده اهـ . وعلى هذا الوجه لا يكون كالرمل ، ولا على الأول ؛ لأن الإراءة لم يلزم أن يراد بها إراءة المشركين ، ولم يكن بمكة مشرك عام حجة الوداع ، بل المراد المسلمين الذين كان لهم علم بالحال الأول .




الخدمات العلمية